المخاوف من السلطوية الدينية
يرى الملك في لقائه مع ( لونو فيل اوبزرفاتور ) الفرنسية ان هناك خطرا كبيرا في المنطقة يتمثل « في حلول السلطوية الدينية مكان السلطوية العلمانية «, والواقع ان هناك الكثيرين ممن يلتقون مع جلالته في تقييم مثل هذا الخطر .
وخلال معركة التعديلات الدستورية والاستفتاء في مصر كان الانقسام معلنا بين المصريين حول دستور يكرس قيام دولة مدنية او دستور يقيم دولة دينية .
ان المخاوف من ان تحل السلطوية الدينية محل الأنظمة التي أسقطها الربيع العربي لا تقتصر على التيارات السياسية والحزبية والثقافية في مصر انما هي موجودة في تونس وليبيا اللتان تعكفان على اعداد دستور جديد ، اما في سوريا فحملة مشروع قيام دولة دينية من بين صفوف الثوار يثيرون المخاوف عند أطراف عديدة عربية ودولية ، ويعتقد قياديون من المعارضة ان وجود هذه الجماعات الدينية المسيسة بين صفوف الثورة السورية هو احد اسباب عدم تقديم مساعدات حقيقية للثوار من قبل معظم الدول التي يضمها نادي أصدقاء سوريا .
قبل ايام استمعت الى مداخلة على ال بي . بي . سي من مواطن سوري يعلن عن حيرته وكثير من أبناء الشعب السوري في اتخاذ الموقف المناسب مما يجري في بلدهم : هل يقفون مع بشار الذي يقتل ويدمر ويهجر أبناء شعبه ام مع جماعات مسلحة تدخل مدنهم وتقيم محاكمها ( الاسلامية ) الخاصة وتعيد الناس الى حكم عصور مضت ؟ ويمضي المواطن قائلا لن نقف مع الديكتاتور لكننا لن نقف أيضاً مع ديكتاتورية جديدة قد تكون ابشع .
اعتقد ان القلق من قيام دولة دينية شمولية لم يعد مقتصرا على السياسين والمثقفين انما اصبح محركا لملايين الشباب وفئات المجتمع المختلفة ، وهو ما شاهدناه في القاهرة وتونس ، لقد أثبتت الاحداث حول الدستور في مصر بان الربيع العربي لن يتوقف وسيبقى مستمرا الى ان تتحقق الديموقراطية القائمة على التعددية وصناديق الاقتراع . وان محاولات صنع دساتير تستبدل ديكتاتورية باخرى لن تنجح وستلقى معارضة شعبية ووطنية متفاعلة ومثابرة .
وكما يقول الملك في لقائه مع المجلة الفرنسية « ما يقلقني ( في العالم العربي ) ليس فوز الاخوان المسلمين في الانتخابات هذا حق لأي طرف لأن الناخبين سيحكمون على أدائهم وقدرتهم في ايجاد فرص العمل والنمو الاقتصادي وإدامة الاصلاحات الديموقراطية ، لكن ما أخشاه احتمالية تقويض التعددية ومبدأ تداول السلطة عندما تفوز جماعة بالانتخابات ثم تستخدم سلطتها لتغيير قوانين اللعبة لصالحها لكي تبقى في السلطة « .
الدستور الذي يكرس مبدأ ان الشعب مصدر السلطات ويحفظ التعددية وتبادل السلطة ، هو كلمة السر في الديموقراطية .
ولم يعد مقبولا في عصر الربيع العربي القبول بنظام حكم يقوم على الفتاوى وليس على القانون لان في ذلك إقحام للدين بالسياسة وفي اصغر تفاصيلها من اجل خدمةحملات انتخابية وبرامج لاحزاب ، ان أخطأت او فشلت سيقال بان الدين فشل وهذا ما يسئ للدين وفي حديث للرسول ( ص) : انتم أدرى بشؤون دنياكم .
وأخيرا على الحركات الاسلامية وفي مقدمتها الاخوان المسلمين ان يدركوا بان المخاوف (من قيام سلطوية دينية ) تتسع بين صفوف جماعات وتيارات شعبية كانت المفجر الاساسي للربيع العربي وان عليهم ان يبادروا بحركات إصلاحية بين صفوفهم تنسجم مع قيم الديموقراطية .
فالحرية والكرامة والتعددية والتبادلية هي مطالب الشعوب التي لن تتخلى عنها لأي شمولية اخرى ، لانه بها تنهض الامة و ينتشر الايمان الصحيح البعيد عن ملوثات السياسة التي جعلت من العقيدة واجهة لتقسيم الامة الى شيع وطوائف متحاربة ومتباغضة ، والى مؤمنين وكافرون ، فسألت دماء غزيرة وخربت النفوس ولا مستفيد الا المشروع العنصري الطائفي اليهودي في فلسطين .
(الراي )