الرسيس والمخاتلة.. خطاب ما بعد الكولونيالية
يشهد النقد العربي عدداً من التحولات, لا سيّما في ظل هيمنة المناهج والاتجاهات اللغوية, وتحديداً المنهج البنيوي الذي شكل حالة ثورية للتعاطي النقدي مع النص, فارضاً شبه انعزال عن الفضاء الثقافي والسياسي والاجتماعي المحيط, مما استدعى ظهور بدائل جديدة للتعاطي مع النص الأدبي, والخروج من الإطار اللغوي المنغلق للبحث عن أنساق جديدة, تتولد من قراءة النص الأدبي – خاصة في زمننا المعاصر – الذي يشهد صراعات حضارية وثقافية تتمحور حول مفهوم الذات, والهوية والآخر، هكذا استهل الاكاديمي الأردني في جامعة قطر د. رامي أبو شهاب مؤلفه «الرسيس والمخاتلة.. خطاب ما بعد الكولونيالية في النقد العربي المعاصر.. النظرية والتطبيق».
يعلل د. أبو شهاب أنه ونتيجة لذلك:» ظهرت اتجاهات نقدية جديدة, إذ بدأنا نلحظ مسميات لمناهج واتجاهات منها: النقد الثقافي, والتاريخانية الجديدة, والماركسية الجديدة, والنقد النسوي, بالإضافة إلى خطاب ما بعد الكولونيالية. والأخير تصاعدت أهميته بعد أن قام الناقد الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد بنشر كتابه «الاستشراق» مشكلا اتجاها جديدا لقراءة النص ثقافيا بالاعتماد على استراتيجيتي التمثيل والحفر المعرفي اللتين تعدان من أبرز دعائم هذا الخطاب».
يرى د. أبو شهاب في كتابه الصادر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر أن :»شكل الاستعمار إشكالية لدى الشعوب المستعمرة مسببا ردة فعل لدى مثقفيها, مما دفعهم الى تشكيل صورة حقيقية عنه عبر تحليل الخطاب المنتج من قبل المستعمر, لا سيما الخطاب الأدبي الذي تم اخضاعه الى التحليل عبر اتجاهات واستراتيجيات نصوص عملت على رسم صورة الشعوب المستعمرة في آداب المستعمر بهدف توفير مبررات للاستعمار من خلال بناء صورة استخبارية متخيلة, أو مغلوطة للشعوب والأمم, تمهيدا لتسهيل عملية الاستعمار, وفي مواجهة ما سبق, نشأ خطاب آخر عمل على نقض الاستعمار, وكشف آلياته واستراتيجياته اتكاء على نص مضاد ومقاوم».
بين د. أبو شهاب في كتابه الواقع في 288 صفحة من القطع الكبير أن:» هذان الاتجاهان المنتجان شكلا ما يمكن ما نطلق عليه خطاب ما بعد الكولونالية إذ توجه نحو الأثر الذي أحدثه الاستعمار على الشعوب والدول المستعمرة , ومن عناصره الهامة الخطاب الكولونيالي الممارس لدور الاقصاء والتهميش لثقافات الأطراف مقابل ثقافة المركز, ونعني بها مركزية الثقافة الأوروبية – الأمريكية التي عملت دوما على وضع ثقافتها ولغتها في المقام الأول ضمن استراتيجية الهيمنة وإقصاء آخر».
كما يبين أن حلول الاستعمار في المنطقة العربية التي عانت من تواجده على أرضها لسنوات طويلة «يعد دافعاً للبحث في خطابه, بهدف نقضه عبر نص مضاد, لا سيما على المستوى الأدبي, وهذا يتأتى من قدرة النصوص الأدبية على تمثيل الواقع بكافة أشكاله – أثناء وبعد الاستعمار – وبناء على ذلك استعان الناقد العربي بنظرية خطاب ما بعد الكولونيالية, ونتيجة لذلك أصبح النقد العربي معنياً بهذا الخطاب, مما استدعى العناية به من حيث البحث في أسسه المعرفية والفلسفية, أضف الى ذلك منهجيته وآلياته النقدية, وهذا بدوره يسهم بإثراء المشهد النقدي العربي, ومن هنا انبثقت الحاجة لهذه الدراسة التي تحاول البحث في خطاب ما بعد الكولونيالية واستقباله في النقد العربي المعاصر؛ نظرياً وتطبيقياً, فضلاً عن تعالقه مع مقولات واتجاهات, لعل أبرزها الاستشراق, والنقد الماركسي والنسوي في قضايا منها: التمثيل الأدبي والعنصرية العرقية والهجنة, والتحليل النفسي والهوية والمقاومة واللغة، وهكذا تبلورت فكرة هذه الدراسة لقراءة الواقع النقدي العربي المعاصر, وملاحظة مقدار وقيمة تداخله في النشاط النقدي ضمن خطاب ما بعد الكولونيالية».
(الراي )