الدفاع عن "الفضيحة"!
من قرأ تصريحات رئيس لجنة أمانة عمان الكبرى المهندس عبدالحليم الكيلاني (والمنقولة عن لقائه بمجلس الأمانة)، يصل إلى استنتاج مباشر بأنّه يفترض أنّنا لم نعد قادرين على أن نفرّق بين آثار متوقعة لمنخفض جوي عادي، وبين أخطاء فنية وإدارية ترتقي إلى مصطلح "الفضيحة الكبرى"!
بالضرورة، لست متخصصاً ولا فنيّاً لأجادل الرجل والمهندسين والإداريين العاملين في "الأمانة" بالتفاصيل. لكني، ولسانُ حالي من الأغلبية، مواطن شاهد بأمّ عينيه الشوارع "المشقّقة" في عمان ومحافظات أخرى، وأغطية مياه التصريف المرتفعة "بشموخ" في منتصف الشوارع، والحفر التي أصبحت "مصائد" للسيارات.
لا يمكن أن نقبل بأنّ "هذا يحدث في الدول المتقدمة"، كما وصف الكيلاني!
العيوب الفادحة (التي كشفها منخفض عابر) هي بالتأكيد ليست نتيجة "كمّ" زائد من المياه لم تتوقعه "الدراسات المتخصصة" التي تحدّث عنها؛ ولا هي نتيجة كوارث طبيعية كالأعاصير التي رأيناها تدك الدول الأخرى في العالم، وتجبرها على إعلان حالات الطوارئ، إنّما كل ما في الأمر أنّنا مررنا بمنخفض أكبر من "المعتاد" في منسوب المياه مقارنة بسنوات ماضية، فهل هذا يبرّر الحالة التي بدت عليها شوارع العاصمة وأنفاقها؟!
كثيرٌ من المواطنين مرّ في شارع المدينة المنوّرة خلال المنخفض، وشاهد كيف أنّ المعنيين اضطروا إلى فتح "الجزيرة الوسطى" بين المسربين الرئيسين لتصريف المياه، بعد أن تشكّلت برك مائية هائلة؛ هذا بالطبع بعد أسابيع من أعمال الصيانة. فهل يمكن أن نقبل بهذا المشهد في شارع حيوي ورئيس في العاصمة؟ وهل المبرّرات التي ساقها رئيس لجنة "الأمانة" مقنعة فعلاً؟ (ومثل ذلك الحُفَرُ الكبرى في الشارع الصاعد إلى جبل الجوفة بالقرب من المدرّج الروماني)؛ وهل يتوقع من المواطنين القبول بذريعة عدم قدرة الدراسات والتقديرات العلمية المهنية عن التنبؤ بإمكانية وجود منخفض تتجاوز مياه الأمطار فيه المعدلات السنوية؟!
بالتأكيد، لا يمكن تحميل المجلس الحالي ولا الكيلاني مسؤولية كل ما يحدث، لكن من حق المواطنين أن يعرفوا. ربما ما يحق لرئيس اللجنة الدفاع عنه هو "هضاب القمامة" التي بدأنا نراها في عمّان مؤخّراً، بالرغم من أنّ أعداد العاملين في "الأمانة" زادت كثيراً في عهده، بينما الخدمات تبدو أكثر سوءاً، ومستوى النظافة والخدمات يتراجع!
كل ما نرجوه من المسؤولين والمعنيين في أجهزة الدولة المختلفة ألا يفترضوا مستوى قياسياً من الغباء لدى المواطنين، في دولة تتوافر على نسبة عالية، ومرتفعة حتى عالمياً، من أصحاب الشهادات والشهادات العليا، وتصدّر المهنيين والمتخصصين إلى دول العالم المختلفة!
لسنا هنا بصدد تبادل اللوم أو إلقاء المسؤولية، وإنّما نحن في سياق التساؤل بحق عن الأسباب التي تقف وراء هذا المشهد المحزن والمزعج وغير المبرر لشوارع عمان إثر منخفض جوي، وعن الأسباب التي تجعل المدينة التي كنا نفتخر بأنّها من أنظف العواصم العربية وأجملها، تبدو "مشوّهة" هذه الأيام مع أكوام القمامة وسوء التنظيف والإدارة والتنظيم!
للأمانة والإنصاف، فإنّ "حالة الإنكار" التي مارسها رئيس لجنة "الأمانة" ليست أمراً طارئاً في طريقة تفكير المسؤولين، بل هي الأسلوب الرسمي المعتمد لدينا، وربما من قُدِّر له أن يشاهد التلفاز الأردني خلال المنخفض الثلجي، سيدرك أنّ هذا هو الأصل. أما مواجهة المشكلات والاعتراف بالأخطاء والشفافية والحديث الصريح، فهو الاستثناء والأمر "غير المفكّر" فيه لدى المسؤولين!
(الغد )