الرياح وما تشتهي السفن
بالرغم من الاهتمام الكبير الذي تبديه أوساط رسمية وسياسية وإعلامية باعتصام يوم الجمعة المقبل، والذي دعت إليه جماعة الإخوان المسلمين و"حراكات" شعبية أخرى، إلا أنه ليس من المتوقع أن يؤثّر نجاح أو فشل هذه الفعالية بصورة كبيرة على المشهد السياسي في البلاد.
على صعيد "ديناميكية الأزمة" بين الجماعة والدولة، فمن الواضح أنّ التطوّرات والتحولات الإقليمية تلقي بظلال واسعة وكبيرة عليها. لكن الأهم خلال الأسابيع القليلة الماضية، أنّ خطاب "مطبخ القرار" كشف عن رهانات مغايرة تماماً لتوقعات الجماعة تجاه ما يحدث في المنطقة، وبصورة خاصة صعود الإسلاميين ووصولهم إلى مقاليد السلطة في أكثر من دولة عربية. فكلا الطرفين (الدولة والجماعة) له قراءته المختلفة للرياح الإقليمية "بما تشتهيه سفينته"!
الرهان الإسلامي كان يرجّح أن تؤدي المتغيرات الجديدة إلى إعادة هيكلة حسابات الدولة في عملية الإصلاح الداخلية؛ بقبولها رفع سقف الإصلاحات السياسية داخليا، والوصول إلى "صيغة" تعايش مع الحكومات الإسلامية الجديدة في المنطقة، بخاصة إذا ما انضمت سورية "ما بعد الأسد" إلى هذا المجال الاستراتيجي الجديد، وتشكّل لدينا قطب إقليمي جديد، تجمعه مصالح ورؤى متقاربة، ما بين تركيا ومصر وتونس، وسورية وحركة حماس في فلسطين، مدعوماً من قطر.
بانتظار تطورات المشهد السوري، فإنّ المشهد الداخلي يذكّرنا بما مرت به العلاقة بين الدولة والجماعة منذ العام 2006 إلى إرهاصات الربيع العربي؛ إذ كانت رهانات الجماعة ومواقفها تتناغم مع "محور الممانعة"، فيما كانت الدبلوماسية الأردنية تلعب دوراً حيوياً وبارزاً في تشكيل "محور الاعتدال"، وهو مشهد يبدو أنّه في طور التشكّل مرّة أخرى، لكن مع تغير مراكز اللاعبين وخنادقهم ورهاناتهم!
هذا يعني أنّ المتغيرات الإقليمية، وفق المؤشرات الأولية -استناداً إلى رهانات كل من "مطبخ القرار" و"الجماعة"- تعزّز من الأزمة السياسية بين الطرفين ولا تخفّف من حدتها. وفيما تبدو الجماعة تعلّق أملاً كبيراً على نجاح التجارب الإسلامية الجديدة في الحكم، يعيد "مطبخ القرار" صوغ رهانات "معسكر الاعتدال" (بعد خروج مصر منه!)، مع ممالك خليجية، و"مفاتيح فاعلة" فيها، على خصومة مع الحركات الإسلامية عموماً، لترسيم أجندة هذه الدول وبناء جسور التنسيق السياسي فيما بينها.
الجديد، أيضاً، في المشهد الإقليمي، هو أنّ الموقف الأميركي نفسه لم يعد داعماً بالقوة نفسها والكيفية ذاتها للحلفاء العرب؛ فهنالك آراء متباينة ومختلفة في واشنطن بشأن تحديد طبيعة العلاقة مع الحكام الإسلاميين الجدد في المنطقة، بخاصة أنّ تركيا تلعب دوراً كبيراً في استثمار علاقتها بالغرب لرفع هذا "الفيتو"، والتأثير على مواقف الإسلاميين في المقابل.
الموقف الأميركي يبدو حالياً متطوّراً ومتغيّراً في مرحلة اختبار للعلاقة مع الحكومات الجديدة ومع مخرجات الربيع الديمقراطي العربي، في ظل وجود آراء وأفكار متباينة ومختلفة حتى في أوساط الإدارة الأميركية نفسها.
بالضرورة، المتغيرات الإقليمية لا تمثّل العامل رقم (1) في ترسيم تطورات العلاقة-الأزمة بين الدولة والجماعة، فهنالك تبقى الحسابات الداخلية المتبادلة. وستكون الانتخابات النيابية المقبلة مؤشّراً رئيساً في تحديد طبيعة المرحلة القادمة وما يترتب عليها، ليس فقط على صعيد نسب المشاركة في الانتخابات، بل فيما بعد ذلك؛ أيّ قدرة البرلمان المقبل على تكريس صورة معاكسة تماماً للتجارب المريرة السابقة، ونجاح خطوات الدولة الأخيرة في ترميم العلاقة مع الشارع، أو العكس. ويبقى المشهد الداخلي هو الرهان الرئيس، فيما تلعب المتغيرات الإقليمية (بعد ذلك) أدواراً فاعلة في عمق العلاقة.
(الغد )