الأردن وسياسة المحاور الأمريكية
عند الحديث عن المحاور الإقليمية التي تحاول استقطاب الأردن ، من الضروري التنبيه إلى أنها محاور لا تخرج عن دائرة النفوذ الأمريكي، فلا نتوهم فرزاً بين أنظمة ممانعة ومعتدلة، وغيرها من التصنيفات المُقَنّعة لإخفاء رائحة الغاز الخانقة ولزوجة النفط الأسود.
تركيا وإيران هما الدولتان الوحيدتان، خارج نطاق دول الخليج العربي اللتان لديهما هامش مناورة أكبر، أو أكبر بكثير من الأردن أو أية دولة، تجد نفسها عرضة للجذب والشد في اتجاهات مختلفة.
ورغم الاختلاف والخلاف بينهما فلدى الدولتين مساحة لعب واسعة، لأنهما تتمتعان بوجود مؤسسات دولة وجيوش قوية، وبنية اقتصادية قوية، وثالثاً والأهم ليس مطلوباً تهديم هذه الدول بل استغلال دورها، بعلمها أو من خلال الخلافات الإقليمية، لتفكيك الدول المجاورة –خاصة العراق وسورية.
في عام 1989، كتب المؤلف الاستشراقي برنارد لويس، وأصبح لاحقاً من أهم منظري المحافظين الجدد، أن هناك ثلاث دول في منطقتنا لديها أسس الدولة الحديثة، والكلام يرجع للويس: إسرائيل، تركيا وإيران، والباقية آيلة إلى التفكيك والتشرذم إلى جيوب وكانتونات طائفية وإثنية.
لويس لم يكن يتنبأ لأنه لم يكن في يوم من الأيام مجرد مثقف أو مؤرخ، بل ومنذ شبابه خدم في مواقع عملية، قوى الاستعمار القديم والجديد، وساهم في وضع خطط، تجاه المنطقة، وكان ضمن مجموعة محدودة شاركت في اجتماع البنتاغون التاريخي لتخطيط الحرب على العراق، لأن المطلوب كان إخراج العراق ممزقة من ساحة الصراع –العربي الإسرائيلي.
تفكيك العالم العربي هو الأساس، في جميع أدبيات المحافظين الجدد، المتجددة النفوذ: فخطر إيران هو في كونها قوة ردع لإسرائيل، وامتداد تركيا الإسلامي يشكل أحيانا مشكلة لإسرائيل، لكن في مفهوم الصراع الوجودي الإسرائيلي، فإن الهوية العربية، باعتبارها عمقاً استراتيجيا للهوية العربية للأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني، هي المطلوب شرذمتها وإنهاؤها.
المقدمة التي سقتها ضرورية في فهم المحاور الإقليمية، وبالأخص الجانب الخليجي فيها، أي أن دول الخليج التي تتنافس، لأخذ الدور القيادي، في مرحلة إضعاف الدول المحورية، وبالتالي فإن تباين موقفها من الإخوان المسلمين، يتبع رؤيتها في ترسيخ أو تقويض نفوذها في هذه الدول.
قطر هي الأكثر دعما للإخوان المسلمين، والانتفاضات العربية أعطت الإمارة الصغيرة دفعاً لتوجه كان عندها أصلا للعب دور أكبر من حجمها، بصفتها راعية الحركة الإسلامية، وبالتالي تصبح الدوحة الأقدر على لعب دور اللاعب الرئيس في تمثيل العالم العربي على المستوى الإقليمي والدولي" POWER BROKER".
بروز قطر في المركز الثالث في احتياط الغاز الطبيعي، بعد روسيا وإيران بالترتيب، نقلها من موقع الشريك الأصغر في منظومة النفط، إلى الأولى بامتياز في منظومة الغاز الطبيعي، ولذا فهي بحاجة إلى أن تقوّي أوراقها، بما في ذلك التدخل في سورية، لضمان المنافسة أو على تقوية موقعها التفاوضي مع إيران وروسيا، حين يأتي وقت بناء خط الغاز للتصدير إلى أوروبا والعالم من خلال سورية.
السعودية ومعها الإمارات أحست بخطر اللعبة، وتخشى الأولى على نفوذها الإقليمي، وحتى دورها الدولي، ولكنها كلها معنية بالسيطرة، أو إحكام النفوذ على سورية ما بعد الأسد، وجذب الأردن إلى محورها بعد انضمام مصر إلى المحور القطري.
المشكلة أن الكل يلعب، تحت فضاء أمريكي، مما يجعل الأردن، بما له من أهمية جيوسياسية عرضة لتجاذبات شديدة.
الأساس بقرار الأردن، هو ما يتطلبه ترسيخ استقرار الأردن، والأهم المصالحة الداخلية، أي أن تقوية الجبهة الداخلية التي لن تتحقق بالانتخابات هي ما سيدعم الأردن في التعامل السياسي مع المحاور المتنازعة.
(العرب اليوم )