هل نحن امام مظهر اخر من مظاهر العبث الغربي بمنظومتنا القيمية والاخلاقية عبر (السنايبرز)؟!
جو 24 :
كتب احمد الحراسيس - كان لافتا للغاية ما شهدته قبة البرلمان في الجلسة الصباحية للنواب والتي جرى خلالها اقرار قانون العقوبات بشطب المادة 308 من القانون والمتعلقة بـ"الغاء عقوبة المغتصب في حالات حددتها اللجنة القانونية في مجلس النواب بثلاث حالات بعد أن كانت تصل إلى 30 حالة"؛ فقد امتلأت مقاعد شرفات المجلس بالسيدات الناشطات مع ممثلات عن منظمات مجتمع مدني مدعومة من الداخل والخارج!
لا نعرف ما سر هذه الحماسة ، وهذا الاصطفاف والتجانس والحزم من قبل مؤسسات المجتمع المدني في هذه القضية تحديدا او حصرا ، هذا الاهتمام الذي لم يتحقق في قضايا اكثر مصيرية ومساسا بحقوق الانسان وحقوق المرأة(نصف المجتمع)، والحريات العامة ، لا نستطيع ان نفهم كيف اجتمع هؤلاء جميعا تحت يافطة واحدة دون ان يخرج عن هذا الاجماع صوت واحد على الاقل يطالب بغير الالغاء ؟!!!
لسنا بصدد مناقشة نص المادة ٣٠٨ ، ولكننا نريد ان نبحث في ما ورائيات هذا الانتفاض غير المسبوق لمؤسسات المجتمع المدني ،وعملها وضغطها الموحد والمكثف لالغاء هذه المادة ، في الوقت الذي غاب به هذا الحضور الحاسم في الغالبية المطلقة من القضايا الاكثر حساسية واتصالا بحقوق الانسان والحريات العامة وحرية الاعلام!
الواقع ان مطالبات مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية إلغاء المادة 308 من قبل مجلس النواب دون الالتفات لتعديل مواد أخرى أكثر حساسية في قانون العقوبات مثل المواد (١٥٠/١٤٩/١١٨/١٢٢/١٢٣/١٥٢/١٥٣/١٥١) ، أثار حفيظة محامين ومختصين وسياسيين من أصحاب الخبرة الطويلة في هذا المجال، ودفعهم للسؤال عن الدوافع والمنطلقات ...
تخيلوا ان جميع المواد القانونية اعلاه والتي تتسم -بشهادة واقرار اصحاب الاختصاص جميعا - بالغموض والابهام والاجهال والمرونة والعبارات الفضفاضة حمالة الاوجه ، والتي تتناقض مع مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص قانوني واضح ومحدد ومنضبط المعايير ) ، هذه المواد التي تجرم الرأي وتقيد الحريات وتحول المدنيين الى المحاكم العسكرية وتحاسب على النوايا ، جميعها لم يجر تضمينها في حملة مؤسسات المجتمع المدني التي انطلقت للمطالبة بالغاء مادة واحدة من قانون العقوبات ،اي مفارقة هذه !!!..
كما أثارت قدرة تحالف المنظمات الممولة من الخارج على احداث ضغط مثمر على مجلس النواب تساؤلات عديدة حول سبب عدم تحرّكهم في مختلف القضايا و القوانين المتصلة بحقوق الانسان وحريته -باستثناء تلك المتعلقة بالمرأة- مثل قانون منع الجرائم والذي يعطي الحاكم الاداري صلاحية حجز حرية المواطنين وتوقيفهم كما لو كان قاضيا، وبما يعتبر تغولا على السلطة القضائية أحيانا؛ فالقضاء قد يخلي سبيل متهم ثم يقوم الحاكم الاداري بتوقيفه دون الالتفات لقرار القضاء، ولماذا لم تتحد تلك المنظمات وتضغط على السلطة التشريعية والتنفيذية لإلغاء أو تعديل قانون منع الإرهاب الذي يمنح محكمة أمن الدولة صلاحية توقيف أي شخص ومحاسبته على "نوايا" لا يمكن اثباتها، ولماذا لم تتحرك تلك المنظمات دفاعا عن حرية التعبير والرأي لدى اقرار قانون الجرائم الالكترونية، لماذا لم تتحرك وتتحد مع الصحفيين لدى اقرار قانون المطبوعات والنشر العرفي؟!!
ماذا بعد الغاء المادة ٣٠٨؟
يؤكد اصحاب الاختصاص بان هناك منظومة تشريعية كاملة يجب تعديلها بعد الغاء المادة ٣٠٨، وهذا امر ليس سهلا وقد يأخذ وقتا طويلا جدا للشروع به وتبنيه من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وبذلك نكون امام نصوص متناقضة ومتضاربة ..
فاذا ما اعتبرنا الجاني مجرما - وهو كذلك بطبيعة الحال - ورفضنا تزويجهما ،فما هو مصير الجنين اذا ؟ هل نلغي جريمة الاجهاض ؟ ثم كيف سنثبت الانساب اذا كانت الفتاة المغتصبة ترفض اجهاض حملها ؟ هل نعدل الية اثبات الانساب في القانون وندخل قصة ال دي ان ايه ؟ الا يتطلب ذلك تعديل كل ما يتصل بالاطفال غير الشرعيين -مجهولي النسب- من اثبات نسبهم واعطائهم الارقام الوطنية والاثباتات الشخصية ؟! هل سنخفف عقوبة الزنا اذا ما تبين ان العلاقة تمت برضى الطرفين ؟ ثم ما مصير المعتدى عليها ؟ كيف سينتهي بها المطاف بعد تعرضها للاغتصاب ؟هل فكر المتحمسون لالغاء المادة ٣٠٨ بصعوبة تغيير العقلية الشرقية والمنظومة الثقافية السائدة ولو تعدلت كل نصوص الدنيا ؟ ما فائدة نص قانوني يرفضه الناس ويتناقض مع مبادئهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم؟
هي اسئلة نطرحها ،ونحن نعي تماما ونؤمن بان مرتكب الاغتصاب هو مجرم مدان ولا بد من ايقاع اقصى العقوبات بحقه، ولكن هذا حقيقة واحدة ،وهناك حقائق اخرى لا بد من وضعها بعين الاعتبار ونحن نفكر بصيغة قانونية مانعة وجامعة لهذه المعضلة ، وهذا لا يتأتى دون ان نعالج النصوص الاخرى ونغير من نظرة المجتمع للضحية ..
معهد تضامن اصدر مؤخرا احصائيات عن حالات الاغتصاب و القضايا المخلة بالاداب في بلادنا ، ونحن بدورنا ننشرها لتعميم الفائدة مفترضين دقتها وصحتها :
إرتفعت خلال عام 2016 أعداد الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة بنسبة 22% حيث وقعت 1536 جريمة خلال عام 2016 مقارنة مع 1255 جريمة خلال عام 2015، وذلك وفقاً للتقرير الإحصائي الجنائي لعام 2016 الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية وتم نشره مؤخراً.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى أن جرائم الإجهاض إرتفعت بنسبة 60% (16 جريمة عام 2016 و 10 جرائم عام 2015)، كما إرتفعت جرائم الزنا بنسبة 8% (119 جريمة عام 2016 و 110 جرائم عام 2015)، وإرتفعت جرائم البغاء بنسبة 15% (82 جريمة عام 2016 و 71 جريمة عام 2015)، فيما إرتفعت جرائم الخطف بنسبة 4.7% (199 جريمة عام 2016 و 190 جريمة عام 2015). كما إرتفعت أيضاً جرائم الإغتصاب بنسبة 13% (138 جريمة عام 2016 و 122 جريمة عام 2015)، وإرتفعت جرائم هتك العرض بنسبة 30% (982 جريمة عام 2016 و 752 جريمة عام 2015).
وفي النهاية لا بد ان نسأل : هل نحن اذن امام نموذج جديد لما يعرف بظاهرة ال (سنايبرز) اولئك الذين يضربون منظومة المجتمعات القيمية والاخلاقية سعيا لتفكيك تجانسها وتماسكها ووحدة نسيجها ، وتمهيدا لغزوها ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتحويلها الى نسخة مشوهة ورديئة من المجتمعات الغربية ؟!