jo24_banner
jo24_banner

الولي المدفون

ماهر أبو طير
جو 24 :

في تونس وموريتانيا ومصر والعراق ومالي ودول اخرى،نشهد قيام الحركات السلفية بحرق مقامات معروفة،لأسماء مصنفة بكونها اسماء لشيوخ صالحين،اشتهروا في تلك المناطق تاريخياً.

حرق المقامات لا يتناسب مع كون هذه المقامات ذات قيمة تاريخية،لكونها تعبرعن فترات معينة،الا ان الحرق من ناحية دينية اخرى يهز بقوة القناعات الشركية السائدة بين الناس،وهي قناعات تحظى احيانا بتغطيات شرعية.

الذين يذهبون لمقامات الاولياء،للدعاء وللتوسل عبرالولي المدفون في ذلك المقام يمارسون افعالا شركية موجودة في اغلب العالم العربي والاسلامي،وانتشار الشركيات بات مثل الوباء.

يتركون «الحي» اي الله عز وجل،ويسألون الميت اي المدفون تحت التراب،وفي احسن الحالات يسألون «الحي» عبر الميت !.

التي لا تحبل تذهب الى الولي المدفون،والذي يريد الرزق يذهب للولي الميت،والذي يريد وظيفة يتوسل بالميت،والذي يشعربالظلم يريد ان يتحرك الولي من قبره بسرعة البرق،لانصافه ورفع مظلمته.

الله يقول لك تعال وحيداً واطلب مني كما شئت،فلست بحاجة الى واسطة بيني وبينك،وهذا اساس الدين،وكثرة من المسلمين تفعل العكس،فلا تأتي وحيدة،والذين يتابعون يعرفون ان العالم العربي والاسلامي،مبتلى بهذا الشرك المناقض لمبدأ التوحيد،فكم تبقى من اصل الاسلام؟!.

النواح عند قبورالصالحين،وصولا الى كتابة اوراق الحاجات ورميها من خلف الشباك المعدني،وصولا الى النوم احيانا في هذه المقامات،وعقد خيوط الصوف عند الاشجار في تلك المقامات،وغير ذلك من ابتلاءات تهدم العقيدة في اصلها..

حرق المقامات في دول كثيرة،يأخذنا الى سؤال مهم:اذا كان الولي الصالح المدفون لا يقدر ان يدافع عن نفسه وعن مقامه،ولايقدر ان يمنع حرق المقام،فكيف سيقدر أن يلبي حاجة السائل او المحتاج؟!.

بعض الاسماء المعروفة من الصالحين،لو عادت اليها روحها لما قبلت كل هذه الشركيات التي تجري باسمها ومن حولها وحواليها،وكثرة منهم كان له مكانة رفيعة في حياته،واثر بالغ في الدين،ولا احد ينكر صلاحه،لكننا ننكر تحميل الصالحين وزر هذا الشرك.

في مصرشاهدت فقراء يبكون عند قبور لأسماء معروفة،وينادون على الميت،ويطوفون حول القبور كذات طواف الكعبة،لفك الكرب،وفي مقامات البدوي والحسين وزينب والدسوقي وغيرها من مقامات معروفة يتواجد فيها مئات الالاف يوميا من طلاب الحاجات.

السني في العراق يذهب للطلب من عبدالقادرالكيلاني،والشيعي يذهب للطلب من موسى الكاظم،ولو رد الله اليهما روحهما،لما قبلا هذا الشرك باسمهما،وعند قبريهما،والانقسام المذهبي وصل الى الراحلين،وكأن كل واحد يشتغل مع جماعة مذهبية محددة!.

حرق المقامات أسوأ من خطيئة الشرك،فالخطأ لايعالج بخطأ،لان هذه الاماكن باتت ذات قيمة تاريخية،ويمكن الاكتفاء بمنع الزيارات وتوعية الناس بشأن العقيدة،والشرك الملتبس بعناوين كثيرة.

يريد بعض الاحياء ان يثبت خطأ هذا الرأي،ويورد لك عشرات القصص عن عقوبات ابتلي بها من انتقد هذه الانماط،والذين يعرفون في عمق الدين،يعرفون ان هذه العقوبات ليست فعلا ربانياً،بقدرسرها المتصل بالرغبة بادامة هذا الشرك.

اذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة مكانته لم ينتقم ممن آذوه،فهل يعقل ان تكون كرامة الموتى الاخرين او الاحياء اعلى درجة،من النبي،فيتم الثأرممن ينتقد الشركيات،وهذه الانماط،والقصة لا تنطلي الا على البسطاء.

الله يقول طهّر قلبك وتعال الي وحيداً لأدللك،فقد سميت نفسي «الكريم» الذي لايبخل،و»الرحيم» الذي لايعجل،و»الصبور»الذي يرحم،و»العفو»الذي يجيرويغيث،وانت ترد باحضارواسطة،وكأنك تقول ان الله يريد «واسطة « تمون عليه،من اجل حاجتك.

كثيرا مايكون العاصي كثير الذنوب والخطايا،خير من مدعي التقوى،حين يكون العاصي موحدا في قلبه،لايعرف سوى الله لطلب المغفرة،فيما ُمدّعي الصلاح قلبه مستودع لعشرات الاسماء التي تأخذه الى الشرك الخفي.

يتركون «الحي» ويذهبون الى الميت،هذا فوق الفرق الساطع بين الخالق والمخلوق!.
(الدستور )

تابعو الأردن 24 على google news