صندوق (باندورا) الدولي
نحمل الحكومات المسؤولية الأولى والأهم عن تفاقم الأزمة الاقتصادية، ووصولنا إلى هذه المرحلة الحرجة، ولكن لا بد من التذكير أن هناك سياسة دولية ضغطت وتضغط على حكومات الدول "الأضعف" لفرض سياسات معينة تهدف إلى انسحاب الدولة من دورها في الرعاية الاجتماعية وبالتالي اتساع الفروقات الطبقية.
حديث رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، عن ضرورة رفع الدعم عن تسعيرة الطاقة الكهربائية لإنقاذ الاقتصاد الوطني، لا يختلف في فحواه، عن تصريحات مماثلة يرددها مسؤولون من دول متعددة، ليس فقط لتشابه أعراض الأزمات الاقتصادية لكن لأن كلا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يعرض الوصفة ذاتها في كل الأمكنة والأزمنة.
لا شك أن هناك خللا لأن بعض أنواع الدعم الحكومي تفيد الأغنياء والميسورين، لكن الفقراء والشرائح المتوسطة والدنيا من الطبقة الوسطى على وجه الخصوص، هم من يدفع الثمن الباهظ على معيشتهم من جراء رفع الدعم ورفع الأسعار، سواء للسلع الأساسية أو أنواع الطاقة.
هنا يجب توضيح بعض النقاط، التي يتم تناولها في الإعلام وخاصة مؤخراً التي تبرئ صندوق النقد الدولي من دوره في الدفع بسياسات، نيولبرالية، لا تخدم العملية التنموية:
أولاً، إن الحكومات هي التي تتصل بالصندوق، الذي يجلس في واشنطن "لا على باله ولا خاطره "، فتهب على أثرها المؤسسة الدولية للمساعدة: هذا صحيح في ظاهره، وأخطاء الحكومات المتعاقبة تعيدنا إلى الصندوق ووصفاته، لكن هذه الرواية تغفل دور الحكومات الغربية بالدفع في سياسات اللبرلة كجزء من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي تجعل الدول التي لا تقاوم التبعية تدور في حلقة مفرغة من إعادة إنتاج سياسات الإفقار والتفقير.
ثانياً، الجزء الأساسي من اللبرلة الاقتصادية هو الخصخصة، وخاصة خصخصة الثروات الوطنية والخدمات الحكومية،وما ينتج عنه من حرمان الدولة من موارد المقدرات الوطنية و ضرب أسس العدالة الاجتماعية، وخاصة عندما يستشري الفساد في معايير الخصخصة في غياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
لذا يدعو اقتصاديون ،وقد يكون أبرزهم المصري الدكتور محمد النجار إلى ضرورة تحديد نسبة معينة للخصخصة بما لا يمس بالسيادة وحتى لا تتحول إلى بيع لثروات الأوطان، هذا إذا كان الهدف إنشاء اقتصاد مختلط بين القطاع العام والخاص.
هذه الأفكار، لا تلقى تجاوبا عند الحكومات العربية، سواء حكومات ما قبل الثورات وما بعدها، لأن القرارات تصبح محكومة بمصالح الفئات المستفيدة وإثبات حسن النية أمام واشنطن، التي تشترط خصخصة من دون ضوابط ومعايير وطنية.
ثالثاً، شروط رفع الدعم عن السلع وأشكال الطاقة، قد لا تكون دائما موجودة في الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، ولكن أتحدى أن يكون هناك مسؤول صحافي قد التقى مسؤولا غربيا، سياسيا أو اقتصاديا ولم يسمع هذا الشرط، الذي أصبح بمثابة "الكوبلية " الدائمة الترديد في معظم اللقاءات العامة والخاصة - فالرسالة السياسية واضحة وتعتمد على مدى استعداد الحكومات للخنوع والخضوع.
ولعل هذا يفسر لماذا تجاهلت حكوماتنا كل الطروحات البديلة، لأن عملية اللبرلة نفسها تخلق شرائح مستفيدة، لا تريد التخلي عن" امتيازاتها" وتتلاقى مصالحها مع شروط الغرب الاقتصادية السياسية، وتعدو متنفذة إلى درجة تعيق أي قرارات بديلة، وأكبر مثال على ذلك عدم الاستجابة إلى مطلب دمج وإلغاء المؤسسات المستقلة، رغم توفيرها مئات الملايين على الخزينة.
الحجة عادة ما تكون أن العوائد من مثل هكذا قرار تأخذ فترة زمنية طويلة، لكن هذا ينطبق أيضا على عوائد التوفير من رفع الدعم الحكومي، لكن الواضح أن غضب المتنفذ أهم من غضب الفقير.
لكن الوصفة السحرية، هي الوصفة الوحيدة المشروعة، فصندوق النقد الدولي، ليس مؤسسة، منفصلة عن السياسة الغربية، لكنه أهم أدواتها وما لا يقوله الصندوق تقوله أمريكا سواء في اتفاقيات مكتوبة أو لقاءات شفوية.
الجدير بالذكر أن الصندوق يقوم منذ فترة بحملة " لتوضح صورته ومهمته" ولم لا، لأن الحق بالنهاية على الحكومات، التي تضعف نفسها بنفسها، لأنها تخاف وتمنع مساءلة الناس لها، فتصبح حبيسة مساءلة الصندوق وواشنطن، وليصرخ من يصرخ احتجاجاً أو ألماً.
(العرب اليوم )