طاهر المصري وعبدالرؤوف الروابدة.. برجوازية تخلط الأوراق!
جو 24 :
كتب تامر خرمه-
الندوة المثيرة للجدل، التي أقحمها النائب طارق خوري على اهتمامات الرأي العام، مازالت تثير كثيرا من علامات الاستفهام، بيد أن القلق المتّصل بأجندة وأهداف هذه الفعالية لا يقتصر على عنوانها المتعلق بعزوف الأردنيين "من أصول فلسطينية" عن المشاركة بالانتخابات، بل يتجاوزه إلى الإصرار على استضافة شخصيّة يفترض البعض على أنّها تمثل ما اتّفق على تسميته بـ "المكوّن الفلسطيني"، وهو رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، مقابل من يعتبره كثيرون ممثلا لما يدعى بـ "المكوّن الشرق أردني"، ممثلا بدولة عبد الرؤوف الروابدة.
المشكلة أن كلا الرجلين رضيا بوضعهما في هذا السياق، فهل حقّا يمكن القول بأن أيّ منهما يمثّل مكوّنا ما من مكوّنات المجتمع الأردني؟ لن نتحدّث هنا عن شعارات الوحدة الوطنيّة وتجانس الشعب الأردني، ولا عن العلاقات الرومانسيّة التاريخيّة التي تربط شرق النهر بغربه. بصراحة إن مسألة الهويّة باتت مسألة ملحّة تستوجب طرحها على طاولة الحوار ومعالجتها دون أيّة تشنّجات. وليس المقصود هنا أنه يوجد ما يمكن اعتباره هويّة إثنيّة فلسطينيّة أو أردنيّة. فمثل هذا الطرح لن يخرج عن نطاق السذاجة، فالقضيّة سياسيّة بامتياز، يفرضها وجود كيان محتلّ، يصرّ على إقامة دولة دينيّة عنصريّة غرب النهر، دون أن تتوقّف أطماعه على حدوده المنتزعة.
ولكن ما هكذا تورد يا سعد الإبل!!
ما حدث في ندوة "خوري" هو محاولة غير بريئة للعب على وتر "المكوّنات الاجتماعيّة" لتحقيق مكاسب ذاتيّة بحتة، لا علاقة لها على الإطلاق بتمثيل الفلسطينيين في الأردن، فعبد الرؤوف الروابدة يمكن اعتباره ممثلا للأردنيين من "أصول فلسطينية"، مثلما يمكن اعتبار المصري ممثلا للأردنيين. ما لا نرضاه للرجلين هو قبولهما باعتبار كل منهما ممثلا لمكوّن اجتماعي دون غيره. فهل يا ترى يعيش "الشرق أردني" ظروفا اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة تختلف عن تلك التي يعيشها الأردني "من أصول فلسطينيّة"؟ وهل يمكن أن يختلف مصير أي من "المكوّنين" في ظلّ ما تشهده المنطقة من تغييرات جامحة؟! والأكثر أهميّة من هذا، هل يمكن القول بأن المجتمع الأردني يقتصر على هاذين "المكوّنين" دون غيرهما؟!
كما أنه من السذاجة ردّ أسباب العزوف عن المشاركة بالانتخابات إلى عوامل جينيّة، أو مكان ولادة الأب أو الجد. المشاركة في الانتخابات البلدية واللامركزية لن تكون بأي حال من الأحوال أفضل من المشاركة بنظيرتها البرلمانيّة، وأسباب العزوف عن تلك المشاركة معروفة للجميع، ابتداء من تجريد السلطات المنتخبة من أيّة صلاحيّات حقيقيّة، وليس انتهاء بغياب الثقافة الديمقراطيّة، وفقدان الثقة بالمؤسّسات الرسميّة.
أمّا هذا التصنيف المضحك لـ "أردني" يشارك بالانتخابات، مقابل "فلسطيني" عازف عنها، فهو ليس سوى استجداء لأصوات ما دعاه صاحبنا بـ "المكون الفلسطيني"، لتحقيق مكاسب سياسيّة عبر محاولة مكشوفة للعب بأوراق تناقضات مختلقة. وإذا أصرّ صاحبنا على اعتبار أن "الشرق أردنيين" يقبلون على المشاركة أكثر من أخوتهم من "الأصول الفلسطينية"، فالكلّ يعلم الدوافع العشائرية الكامنة وراء ذلك، ولا علاقة لتلك العوامل بجدوى المشاركة في انتخابات لم تتمّ ضمن عمليّة تغيير جذريّ.
الناخب غير المؤمن بإمكانية التغيير عبر صناديق الاقتراع، نتيجة لعدّة عوامل وأسباب لا يتّسع لها المجال هنا، لا يرى في هذه العمليّة سوى وسيلة لإيصال قريبه إلى موقع يمكّنه من تحقيق بعض المكاسب الخدميّة. هذا بالنسبة للمكوّن "الشرق أردني"، والمسؤول عن ذلك هو "السيستيم" نفسه، وإصرار الدولة على الانسحاب من مسؤوليّاتها الاجتماعيّة والسياسيّة، ولكن الأمر ليس كذلك فيما يتعلّق "بالمكوّن الفلسطيني"، ليس بسبب "أصوله"، وإنّما نتيجة الالقاء به فريسة للقطاع الخاص، الذي لا يعترف بمثل تلك الاعتبارات الاجتماعيّة.
بيد أن اللافت هو إصرار بعض رموز البرجوازية على إقناع "المكوّن الفلسطيني" بأنّها هي من يمثّله، وذلك عبر اختلاق تناقضات سخيفة تقتصر على مكان ولادة الأب أو الجد. ولكن هل فعلا يمكن اعتبار تلك البرجوازيّة التي كانت اللاعب الأهمّ في عمليّة إفقار الناس ومفاقمة التناقضات الطبقيّة، ممثلة لابن المخيّم الذي يتجرّع مرارة الفقر والعوز كلّ لحظة، شأنه في ذلك شأن ابن البادية والريف؟
نعم، يوجد تناقض في المجتمع الأردني، ولكن لا علاقة لهذا التناقض باسم الجد الرابع -كما اتّفق- بل هو تناقض بين طبقة مسحوقة، وبرجوازية تتحالف مع بيروقراطية عقيمة بهدف احتكار السلطة والثروة.. برجوازية لا هوية لها إلا رأس المال، ومثل تلك المحاولات البائسة لاستقطاب أصوات "مكوّن" اجتماعي ما، بهدف تحقيق مكاسب شخصيّة ضيّقة، على حساب التجانس الاجتماعي، لا يمكن أن تقود إلى أيّ مكان. "المحاصصة" هنا هي محاولة توزيع ثروات البلاد بين رأسمالية بيروقراطيّة عفا عليها الزمن، وبين نيوليبراليّة تطمح بتحقيق المزيد من المكاسب الضيّقة، عبر إثارة تناقضات ثانويّة داخل النسيج الاجتماعي الشعبي، والتلاعب بمصطلحات هويّاتيّة لا يدرك التاريخ كنهها، ولو كان ذلك على حساب مستقبل المنطقة.. أمّا فقراء البلاد فلا يمكن أن يمثلهم أيّ من الطرفين، المتصارعين على خبز الناس ومستقبلهم المجهول!