البعثة الإسرائيلية الغائبة
لا يبدو الرأي العام في الأردن، معنيا، بعودة البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، الى عمان، بعد حادثة مقتل أردنيين داخل السفارة، ومغادرة البعثة بعد ذلك، واحتفاء رئيس الحكومة الإسرائيلية، بالقاتل، علنا.
الصحافة الإسرائيلية، منشغلة بتحليل سيناريوهات، عودة البعثة الدبلوماسية الى عمان، والواضح ان هذه التحليلات سطحية، الى الدرجة، التي لا تقرأ فيها، المزاج الشعبي المعادي لإسرائيل من جهة، إضافة الى ان ما طلبه الأردن، من الحكومة الإسرائيلية، للتحقيق بالحادثة، لم يكن مجرد محاولة لاطفاء غضب الرأي العام، في الأردن، بقدر كونه، تعبيرا عن نفاذ صبر الأردن، إزاء تصرفات كثيرة، بدرت من الإسرائيليين.
ملف المسجد الأقصى لوحده، وبكل تعقيداته، وما فعلته الحكومة الإسرائيلية، وما تواصل فعله، حتى يومنا هذا، من فتح بوابات الحرم القدسي، لمجموعات يهودية، لاقتحامه، امر كفيل بجعل العلاقات السياسية، بهذه الحالة، وهناك اراء على مستوى محدد، تقول ان نتنياهو أيضا، لا يريد ان تعود البعثة الدبلوماسية، لأنه يستفيد من هذا الوضع، عبر مزيد من التصعيد، بشأن ملف الأقصى، اتكاء على ان لا تنسيق بين الأردن، وإسرائيل، في هذا الملف، مثلما هناك اراء تقرأ المشهد، بطريقة مختلفة، تقول ان نتنياهو يريد الضغط على الأردن، لاجباره على تجاوز حادثة السفارة، عبر ما يجري في الأقصى، ووضعه امام حل وحيد، هو التنازل عن كل ملف حادثة السفارة، من اجل ان تراعي إسرائيل، حسابات الأردن في المسجد الأقصى.
الوقت يلعب دورا في تحديد الموقف السياسي، وقد مرت أسابيع كافية، لم تتجاوب فيها الحكومة الإسرائيلية، مع طلبات الأردن، بشأن حادثة السفارة، والأرجح ان نتنياهو لن يفعل شيئا، ولن يقدم أي تنازل، وهو الذي أصر على ان يحتفي بالقاتل، علنا، من اجل شعبيته، حتى لو كان الثمن إعادة البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، الى فلسطين المحتلة.
إذا أراد نتنياهو استعادة العلاقات «السياسية» مع الأردن، فقد كان بإمكانه فعل ذلك، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكنه فعليا، يستند الى امرين، لتخفيف الانحدار في العلاقة، أولهما وجود واشنطن كطرف بين الأردن وإسرائيل، وهو طرف ضامن للعلاقة، ويخفف أي حدة، والثاني، وجود علاقات متعددة المسارات لا تنقطع، حتى لو انحدرت العلاقة السياسية، وبينهما ركون نتنياهو الى ان ملف الأقصى، ملف يمكن استعماله كل فترة، لأحراج الأردن، على مستويات كثيرة، واجباره على التنسيق، او البحث عن وساطة بين الطرفين.
من التفاهات التي قيلت بحق العلاقة الأردنية الإسرائيلية، حض البعض على استعادة العلاقة، من اجل جوازات سفر اردنية محجوزة، في السفارة الإسرائيلية، في عمان، او من اجل حصول اخرين على تأشيرات لزيارة فلسطين المحتلة، او ما يتعلق بالتطبيع التجاري والاقتصادي، وهنا لابد ان يقال ان إسرائيل أولا، هي المستفيدة، من وقف تدفق الأردنيين الى فلسطين المحتلة، من اجل عزل الفلسطينيين في الداخل، وقطع روابطهم الاجتماعية والاقتصادية مع الأردن، وهي معنية تماما بأن تبقى السفارة مغلقة حاليا، لكنها لا تفهم ان حادثة القتل وتداعياتها، لن يتم تجاوزها، تحت وطأة قصة جوازات السفر المحجوزة، او حاجة أردنيين لتأشيرات.
المشهد معقد جدا، ما بين الذي يريده الأردن، خصوصا، ان حادثة القتل، جاءت بعد فترة قليلة، من مقتل القاضي الأردني، رائد زعيتر، وهي حادثة اغمضت إسرائيل عيونها عن كلفتها على الداخل الأردني، مثلما تتعمد هنا ان تحرج الدولة الأردنية، امام مواطنيها، عبر تمجيد المشهد الذي يقول، ان موظفا في البعثة يقتل أردنيين، ثم تغادر البعثة بكل سلامة، ثم يتم الاحتفاء بالقاتل علنا.
شعبيا، لا يأسف أحد على غياب البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، وسياسيا، فان كل الملف ترك ندبة كبيرة لا يمكن تجاوزها ببساطة، والأرجح ان إسرائيل تسعى للاستفادة من دلالات الحادثة، اكثر واكثر، الى الدرجة التي تفعل فيها كل ما تريده، ويواصل الإسرائيليون، زيارة الأردن، كسياح، مع بقاء البعثة الأردنية، في اسرائيل، في مسعى إسرائيلي واضح، لمزيد من التصعيد الضمني، خصوصا، ان تل ابيب، تم صفعها من جانب الأردن، في ملف الأقصى، قبل فترة قصيرة، وهي هنا، ولربما، تريد خلط الملفات، والاستفادة، من التناقضات والفروقات، الى اكبر قدر ممكن.
اما عودة البعثة، او عدم عودتها، فهي مجرد مظهر سطحي، لحقيقة الازمة القائمة، اذ ان ماهو خلف هذا المظهر اعقد بكثير، من حصر كل القصة، بتأشيرة إسرائيلية، لم يعد ممكنا الحصول عليها.