قراءة في قانون حق الحصول على المعلومات والمعايير الدولية
كتب: أمجد صفوري ويزن طلفاح
ضمنت التشريعات والمواثيق الدولية حق الحصول على المعلومة، على إعتبار أنه حق أساسي للانسان، ويسهم في دعم حرية الرأي والتعبير، وتنمية الديمقراطية والشفافية. اذ تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة في جلستها الاولى سنة 1946 القرار رقم (59) الذي ينص أن ” حرية الوصول الى المعلومات حق أساسي للإنسان وانها محك جميع الحقوق التي كرست الامم المتحدة لها نفسها “
ولضمان تطبيق حق الوصول الى المعلومات في أي دولة يتوجب وجود قانون ينص على هذا الحق. وقد وضعت أكثر من خمسين دولة في العالم قانونا ً لضمان حق الوصول الى المعلومات، اذ نص دستور بعض الدول صراحة على هذا الحق كتايلاند ونيبال.
لم تترك الشرعة الدولية حق الوصول الى المعلومات دون تعريف واضح وتحديد لتفاصيله ومتطلباته حيث عرفت الامم المتحدة هذا الحق بانه ” حق الانسان في الوصول الآمن الى المعلومات التي تحتفظ بها الجهة العامة وواجب هذه الجهة في توفير هذه المعلومات له”.
وضعت الامم المتحدة ضمانات قانونية يجب توفرها في تشريع حق الوصول الى المعلومات ومنها :
- مبدأ الكشف الاقصى عن المعلومات: ويقوم هذا المبدأ على افتراض أن جميع المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات العامة يمكن الوصول اليها من قبل أفراد الشعب وأن اي قيد على ذلك يجب أن يطبق في ظروف محدودة جداً .
- استثناءات النشر المحدوده: ويعني انه في حال وجود مصلة عامة مشروعة لحجب اي معلومة (كحجب المعلومات) اذا كان في كشفها خرق لخصوصية الافراد أو تهديد للامن الوطني أو اذا كان يضر بسير العدالة في قضية جنائية أو تهديد للسلامة العامة أو الفردية. تصاغ هذه الاستثناءات بأدق عبارة وأضيق معنى كي لا تمنح الموظف العام مجالاً واسعاً للاجتهاد وبالتالي حجب المعلومات .
- كلفة الوصول الى المعلومات: ويعني ان لا تكون كلفة الوصول الى المعلومات الموجودة بحوزة الهيئات العامة مرتفعة بحيث تثني الساعين لهذه المعلومات عن السعي لها .
- فترة الاستجابة لطلب المعلومة: تحدد فترة الحصول على المعلومة اذ ان معظم القوانين تحدد هذه الفترة من اسبوعين الى ستة اسابيع .
- تفسير القوانين الاخرى بما ينسجم مع احكام قانون حق الوصول الى المعلومات: ويعني اخضاع جميع القوانيين المتعلقة بالمعلومات في الدولة وانسجامها مع المبادىء الاساسية لقانون حق الحصول على المعلومات.
- حماية الافراد من أي عقوبات قانونية أو ادارية او مسلكية اذا قدموا معلومات عن سوء فعل ادارتهم: والمقصود بسوء الفعل هو ارتكاب جرم أو الاخلال بواجب قانوني او عدم اقامة العدل او الفساد او سوء الادارة الخطير .
كان الاردن أول بلد عربي يصدر قانوناً لضمان الحق في الوصول للمعلومات. فبعد اقراره من البرلمان وصدور الارادة الملكية، نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 17/6/2007 تحت اسم ( قانون ضمان حق الحصول على المعلومات ).
و طرحت تساؤلات متعددة من قبل المختصين حول مدى توافق أحكام هذا القانون مع المعايير الدولية من حيث: تضمين مبدأ الكشف الأقصى و ترويج ثقافة شفافية الحكومات و استثناءات النشر المحدودة و كلفة الوصول الى المعلومات و فترة الاستجابة لطلبات المعلومات اضافة الى حماية الافراد من اي عقوبات قانونية او ادارية او مسلكية اذا قدموا معلومات عن سوء ادارتهم . كما تطلب قانون الوصول الى المعلومات تفسير القوانين الاخرى بما ينسجم مع احكامه.
أولا ً : الكشف الاقصى ، واستثناءات النشر محددة
في قانون ضمان حق الحصول على المعلومات الاردني ، أشارت المادة (7) من القانون الى أنه و” مع مراعاة احكام التشريعات النافذة ، لكل اردني الحق في الحصول على المعلومات التي يطلبها وفقاً لاحكام هذا القانون اذا كانت له مصلحة مشروعة أو سبب مشروع ” .
وبينت المادة (8) من القانون انه ” على المسؤول تسهيل الحصول على المعلومات وضمان كشفها دون ابطاء وبالكيفية المنصوص عليها في القانون ” .
رغم نص المواد (7) و(8) من القانون على ضرورة تسهيل الحصول على المعلومات، وتماشيها مع المعايير الدولية، الا ان عدداً من المواد في القانون فرغت هذه المواد من مضمونها لشمولها على عبارات فضفاضة وتحديدات على نوعية المعلومات ومنها المادة (10) التي بينت المعلومات التي لا يجوز طلبها وحددتها بالمعلومات التي ” تحمل طابع التمييز الديني أو العنصري أو العرقي أو التمييز بسبب الجنس أو اللون” .
كما جاءت المادة (11) لتضع شروطاً جديدة على اعطاء المعلومات ومنها الفقرة (أ) حيث اشارت الى انه ” يجري اطلاع مقدم الطلب على المعلومات اذا كانت محفوظة بصورة يتعذر معها نسخها أو تصويرها ” .
و وضعت الفقرة (ب) و (ج) من المادة ذاتها محددات اضافية حيث اوضحت هذه المواد انه ” اذا كان جزء من المعلومات المطلوبة مصنفا ً والجزء الآخر عير مصنف فتتم اجابة الطلب بحدود المسموح به وفقا لاحكام القانون“، وانه ” اذا كانت المعلومات مصنفة ، فيجب أن يكون تصنيفها سابقاً على تاريخ طلب الحصول عليها” .
وبالعوده الى الفقرة الاولى من المادة (13)، تنص المادة على انه يجب على المسؤول الامتناع عن المعلومات المتعلقة بالاسرار والوثائق المحمية بموجب أي تشريع آخر. وهنا، يبرز القانون المؤقت ( قانون حماية اسرار ووثائق الدولة لسنة 1971 ) والذي لم يعرض على مجلس الامة حتى الآن وبقي بصفة مؤقتة .
ثانياً: فترة الاستجابة لطلبات المعلومات
أوضح قانون ضمان حق الحصول على المعلومات الاردني كيفية تقديم الطلب للحصول على المعلومات من خلال انموذج معتمد لهذه الغاية ، على أن يتضمن الطلب اسم مقدمه ومكان اقامته وعمله اضافة الى تحديد موضوع المعلومات التي يرغب في الحصول عليها بدقة ووضوح .
وحددت الفقرة (ج) من المادة (9) فترة الاجابة على طلب المعلومة وأكدت "على المسؤول اجابة الطلب أو رفضه خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ تقديمه” . اشترطت الفقرة (د) من المادة ذاتها انه في حال رفض الطلب فيجب ان يكون القرار معللاً ومسبباً. اذ يعتبر الامتناع عن الرد ضمن المدة المحددة قراراً بالرفض .
وفي حال رفض الاجابة على طلب اعطاء المعلومة، حددت الفقرة (ا) من المادة (17) محكمة العدل العليا للنظر في قرار رفض طلب الحصول على المعلومات على ان تقدم الدعوى من مقدم الطلب ضد المســؤول خــلال (30) يوماً من اليوم التالي لتاريخ انتهاء المدة الممنوحة بموجب هذا القانون لاجابة الطلب او رفضه او الامتناع عن الرد عليه.
ثالثاً: تطلب قانون الوصول الى المعلومات تفسير القوانين الاخرى بما ينسجم مع احكامه.
طلب المشرع الاردني ان يراعي قانون ضمان حق الحصول على المعلومات لاحكام التشريعات النافذة ومن هذه التشريعات قانون حماية اسرار ووثائق الدولة .
كما بينت المادة (19) من القانون ان مجلس الوزراء يصدر الانظمة اللازمة لتنفيذ احكام هذا القانون بما في ذلك نظام تحدد فيه الوثائق المحمية التي يجوز الكشف عليها والتي مضى على حفظها مدة لا تقل عن ثلاثين سنة .
رابعاً : كلفة الوصول الى المعلومات .
نصت الفقرة (ا) من المادة (11) من قانون ضمان حق الحصول على المعلومات على ان ” يتحمل مقدم الطلب الكلفة المترتبة على تصوير المعلومات المطلوبة بالوسائل التقنية أو نسخها" وهذا يعطي سلطة تقديرية لتحديد التكلفة المادية للحصول على المعلومات.
خامساً: حماية الافراد من أي عقوبات قانونية أو ادارية او مسلكية اذا قدموا معلومات عن سوء فعل ادارتهم.
لم يضع قانون ضمان حق الحصول على المعلومات أي عقوبات قانونية أو ادارة او مسلكية على الافراد اذا قدموا معلومات عن سوء ادارتهم. لكن قانون حماية اسرار ووثائق الدولة وضع عقوبات في حال مخالفته ونصت المادة (14) على أن ”من دخل او حاول الدخول الى مكان محظور قصد الحصول على اسرار او اشياء او وثائق محمية او معلومات، يجب ان تبقى سرية حرصا على سلامة الدولة عوقب بالاشغال الشاقة المؤقتة. واذا حصلت هذه المحاوله لمنفعة دولة اجنبية عوقب بالاشغال الشاقة المؤبدة واذا كانت الدولة الاجنبية عدوة فتكون العقوبة الاعدام”.
أما المادة (15) فنص على “ من سرق اسرار او اشياء او وثائق او معلومات كالتي ذكرت في المادة السابقة واستحصل عليها عوقب بالاشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن عشر سنوات“ و “ اذا اقترفت الجناية لمنفعة دولة اجنبية كانت العقوبة بالاشغال الشاقة المؤبدة واذا كانت الدولة الاجنبية عدوة فتكون العقوبة الاعدام” .
الخـلاصـة:
يتضح من المقارنة بين قانون ضمان حق الحصول على المعلومات الاردني والمعايير الدولية لممارسة هذا الحق أن المشرع الاردني لم يلتزم بهذه المعايير و وضع قيوداً على اعطاء المعلومات من حيث المعلومات المصنفة وغير المصنفة ، وحدد استثناءات واسعة على المعلومات المتاحة للاطلاع من خلال القانون ومن خلال القوانيين الاخرى كقانون حماية أسرار ووثائق الدولة.
وفي مبدأ فترة الاستجابة لطلب المعلومات، يتضح ان المدة المنصوص عليها في القانون، (30) يوما،ً تتماشى مع المعايير الدولية لكن القانون اعطى المسؤولين عن الاجابة عن المعلومات حق الامتناع عن الرد ضمن المدة المحددة واعتبره قراراً بالرفض .
وحول إنسجام التشريعات الاخرى مع احكام قانون حق الحصول على المعلومة نجد أن المشرع طلب ان يراعي هذا القانون أحكام قانون حماية اسرار ووثائق الدولة ، وهو قانون مؤقت وضع عام 1971 وفيه العديد من الفقرات التي تجعل وثائق ومعلومات ومجالات كبيرة صعبة المنال ويصعب الوصول اليها بالاضافة الى العبارات الفضفاضة التي وردت في قانون حماية اسرار ووثائق الدولة كنصه على أن الوثائق السياسية الهامه جدا وذات الخطورة المتعلقة بالعلاقات الدولية او المعاهدات هي من الوثائق المصنفه بدرجة "سري للغاية" و بالتالي لا يجوز اعطاء معلومات عنها.
وإن كان مبدأ الشفافية لدى الحكومات يهدف لاتاحة المعلومة وبالتالي يبقي التواصل مع المواطن، فانه في الوقت ذاته يحقق عدداً من المزايا للمجتمع ومنها اعطاء المواطن حق الاعتراض المبرر على اعمال الحكومة وتمكينه من طلب التعويض بما يلحقه من ضرر وتجعله في وضع افضل للتخطيط لنشاطاته وتوسع فرص المشاركة في وضع قواعد المجتمع وتشريعاته كما تجعل الموظف العمومي اكثر حذراً وحرصاً في اعماله خشية من المساءلة من المواطنيين .
وعند النظر لقانوني ضمان حق الحصول على المعلومات وحماية اسرار ووثائق الدولة من زاوية هذا المبدأ، نجد من ناحية انه اعطى المواطن حق الاعتراض لدى محكمة العدل العليا ، لكنه من ناحية ثانية خالف هذا المبدأ من خلال العقوبات المشددة المنصوص عليها وتصنيفة للمعلومات بدرجات متعددة والعبارات الفضفاضة الواردة فيه .
في المحصلة، اذا كان وجود قانون ضمان حق الحصول على المعلومات ضرورة لأي مجتمع ديمقراطي وحقاً انسانياً كحق التعبير والرأي ، فالمطلوب في الاردن أن يعاد النظر في هذا القانون وقانون حماية اسرار ووثائق الدولة ليتماشى القانونان مع المعايير الدولية الناظمة لهذا الحق الانساني لأن المحددات والضوابط والعقوبات الواردة في كلا القانونين ادت الى افراغ القانون من فاعليته في ضمان حق الحصول على المعلومات وبات قانوناً لحرمان حق الحصول على المعلومات.
*أُعدَّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان بالتعاون مع برندة ( صحيفة رسل الحرية)
مركز حماية و حرية الصحفيين