الاردن تحت حصار فشلكم يا وزير التخطيط
جو 24 :
تامر خرمه - لا يمكنك الارتجال، واختيار مفرداتك بعفويّة عندما تكون سياسيّاً. العمل في الحقل العام يستوجب دقّة عالية في اختيار المصطلحات المناسبة، للتعبير عن رأيك كرجل دولة، أو عن موقف الحكومة التي تعمل ضمن فريقها.
التصريحات التي تصدر عن أيّ مسؤول، لا تمثّل شخصه، بل تمثّل الدولة بجهازها الإداري.
لكن مع الأسف، لا يبالي بعض المسؤولين فيما يصدر عنهم من عبارات قد لا تكون مناسبة، أو قد يتمّ استغلالها على نحو لا يرضي دوائر صنع القرار. ولكن الذي يتحمّل المسؤوليّة قبل أيّة جهة أخرى، هو المسؤول ذاته، الذي يطلق تصريحات رسميّة، دون دراسة مفرداتها بعناية.
وزير التخطيط والتعاون الدولي، عماد فاخوري، قال في خلال جلسة نقاشيّة في منتدى طلال أبو غزالة، إن الأردن عاش "حصارا" اقتصاديا خانقا خلال السنوات الستّ الماضية. وذلك في محاولة إطلاق وصف ما على إغلاق الحدود مع سوريّة والعراق نتيجة الأحداث التي تعصف بالإقليم.
ولكن عن اي "حصار يتحدث الوزير !! من هي الدول التي فرضت حصاراً على الأردن؟ هذه المفردة تعيد إلى الأذهان معاناة الشعب العراقي الشقيق خلال سنوات الحصار العجاف، عندما كان يحاربه العالم بأسره. كما تذكّرنا بأزمة الجزيرة الكوبيّة، التي تستمرّ الولايات المتّحدة بحصارها رغم انتهاء الشيوعيّة، وتخلّي هافانا عن احتكار التجارة الخارجيّة، بل وفتح الأسواق أمام الاستثمارات الأجنبيّة. فهل يعاني الأردن ما عانته بغداد وهافانا؟!
الحصار الحقيقي الذي يعانيه الأردن هو احتكار نادي النخبة المخمليّ لمواقع صنع القرار وللمناصب التي تمكّن من رسم سياسات الدولة، خاصّة فيما يتعلّق بسياساتها الخارجيّة. لماذا فشل الأردن الرسمي في تحميل الدول المانحة مسؤوليّاتها تجاه قضيّة اللاجئين من مختلف الدول العربيّة، والذين هربوا من الموت في بلدانهم إثر عبث هذه الحكومات "المانحة" في الإقليم؟
السياسة الخارجيّة ليست بالمستوى الذي يلبّي الطموح، هذه المسألة يعرفها معالي الوزير وغيره من العاملين في الحقل العام. القضيّة ليست "حصاراً" فرضت على الدولة الأردنيّة، بل فشلا في إدارة هذه الملفّات، وتراجع الدور الرسمي إلى مستويات غير مقبولة. هذا ما ألقى بظلاله على المؤشّرات الاقتصاديّة، وإلاّ فكيف يمكن تفسير تراجع المساعدات والمنح الخارجيّة في ظلّ ازدياد توافد الأشقّاء اللاجئين؟
كما أن التدهور الاقتصادي الذي يعانيه الأردن لا يمكن ردّه فقط إلى قضيّة اللاجئين، ماذا عن فشل الفريق الاقتصادي الذي يخشى الاقتراب من أموال كبار الأثرياء، ولا يجد بديلا عن فرض المزيد من الضرائب على الطبقات الفقيرة؟ وهنا يجدر التنويه إلى عبارة وردت في تصريحات الرجل، حيث قال إن الأردن "أصبح يرى الضوء في نهاية النفق، بعد اجراءات صعبة تحملها الشعب الاردني".
يعني هذا أن صاحبنا يصرّ على الدفاع عن تلك السياسات التي لم تقد سوى إلى المزيد من التراجع. لا ندري أيّ ضوء هذا الذي لا يراه سوى الفريق الحكومي، والذي تبرّر "رؤيته" إصرار الحكومة على المضي قدماً بذات السياسات، و"عدم التراجع" عن رفع الدعم من السلع الأساسيّة، بعد أن بلغت "منتصف الطريق"، على حدّ وصف الوزير.
"منتصف الطريق"! يعني أن كلّ ما عاناه الشعب نتيجة الإصرار على تغييب مبادئ العدالة الاجتماعيّة لم يكن سوى "نصف البؤس"، وأن النصف الأصعب قادم لا محاله! وأن الحكومة تصرّ على مصادرة "دراهم معدودة" من عرق الفقراء، عوضاً عن فرض ضرائب عادلة على الشركات الأجنبيّة التي استحوذت على اقتصاد البلد، أو حتّى الاقتراب من النخب الاقتصاديّة التي تتمتّع بمزايا غير مبرّرة.
"الحصار" هنا هو حصار هذه النخب لغالبيّة أبناء الشعب، والتخبّط في رسم سياسة الدولة الخارجيّة إلى جانب سياساتها الاقتصاديّة. رفع الدعم عن السلع الأساسيّة وفرض المزيد من الضرائب على المبيعات لن يقود إلى أيّ "ضوء في نهاية النفق"، والأجدى أن تشمّر الحكومة عن ساعدها وتعمل بجدّ على اجتراح حلول جذريّة، عوضاً عن اجترار ذات الوصفات الجاهزة، فـ "لا يمكن حلّ مشكلة بنفس العقليّة التي ابتكرتها".