الثقة الشعبية المفقودة
لميس أندوني
جو 24 : تهليل الجهات الرسمية بنجاح الانتخابات، خاصة أنها لاقت "قبولاً دولياً"، يتجاهل المؤشرات الأهم عن العملية الانتخابية نفسها، ونسبة المشاركة الفعلية ودلالة النتائج بالنسبة لواقع الأردن ومستقبله.
في الوقت نفسه فإن المعارضة - خاصة لا حصراً - التي قاطعت الانتخابات، يجب عليها دراسة النتائج جيداً، وأن تبدأ التخطيط للمرحلة الأصعب، معترفة بفشلها في قيادة الشارع بصراحة وصدق مع النفس والشعب.
فالانتخابات جاءت دليلاً على حالة فقدان الثقة في العملية السياسية الرسمية، والعمل السياسي المعارض المنظم في آن واحد، أما نتائجها فعكست حالة من التفكك المجتمعي هي إنذار ونذير لما قد يأتي.
إذ أن نسبة التصويت، إن كانت الأرقام دقيقة، تعني أن ثلثي من يحق لهم الاقتراع اختاروا عدم ممارسة حقهم، في استنكاف يؤشر على غياب الثقة في إمكانية التغيير إلى الأفضل عن طريق الانتخابات، أو حتى من خلال أية وسيلة أخرى.
إضافة إلى عامل الخوف "من التغيير" والإحساس بالإحباط الذي عُبر عنه، بالمشاركة أو عدم المشاركة، فبعض الذين شاركوا صوتوا " لخيار استقرار الأردن" ، وبعض من لم يصوتوا أيضا أدركوا أن لا جدوى من العملية السياسية، بينما يرى آخرون أن الانتخابات جاءت في سياق الأجواء السياسية السائدة.
لا شك أن خيبة الأمل "بالثورات العربية" بشكل عام، وحمام الدم السوري بشكل خاص، والتدخل العربي والغربي للسيطرة على مستقبلها، أثر على قرار الكثيرين، حتى أن بعض الناخبين، اختار المشاركة، من دون أمل كبير بالتغيير الحقيقي، لكن درءا لمستقبل قريب شبيه بالجارة القريبة شمال الحدود، أو حتى مثل الوضع المتفجر حالياً في مصر.
"الخوف من البديل" هو عامل على الجهات الرسمية والمعارضة فهمه ودراسته، فهو ليس فقط خوفاً متخيلاً، بل إن معظم الأردنيين، مهما اختلفت توجهاتهم السياسية، يعيشون كوابيس الموت للحالة التي انتهت اليها سورية، وينامون على وقع الاضطرابات في مصر، وجزء من هذه المخاوف إنما سببه سيطرة الإسلاميين وامتداد نفوذهم، وسواء هذه المخاوف كان مبالغ بها أو دقيقة، إلا أنها حاضرة خاصة بعد التدهور المقلق الذي يعصف بأم الدنيا.
لكن من الخطأ أن يعتمد النظام على هذه المخاوف، متسلحاً بنسبة المشاركة بين المسجلين والتي تعدت الـ 57%، لو افترضنا دقة الأرقام، لأن الخوف وحده، لا يصنع مستقبلا و لا يحل أزمة سياسية أو اقتصادية.
قليل من الخوف، عند النظام والشعب، ضروري، للتنبه إلى حساسية المرحلة، لكن حذار من استخدام حالة الخوف لمواصلة سياسات محددة، خاصة في الجانب الخاص بإجراءات اقتصادية مؤلمة، لأن اليأس من الجوع وقلة الحيلة لا يعرفان الحذر ولا الاعتدال ولا التفكير بالنتائج، فكلها تصبح من أشكال الترف الذهني لا يقدر عليها المطحون ولا يبالي بها المغبون حتى السَّحق.
أما المعارضة بما فيها القوى الجديدة في الحراك الشعبي، فيجب أن تفكر طويلاً بأسباب سيطرة الخوف و الإحباط، لأنها أيضاً تتحمل جزءا مهماً، من الوضع الذي وصلنا إليه، إذ انه يعني أنها لم تنجح بكسب ثقة الأردنيين، أو على الأقل قطاع واسع منهم، بقدرتها على تمثيلها وقيادة برنامج للتغيير.
لا ننكر أن السياسات الرسمية، من الترهيب من العمل الحزبي، وثلاثة عقود من الأحكام العرفية، وإرثها الباقي، والاعتقالات، وحملات التشويه المتعمدة للمعارضة، أقامت الحواجز بين الحراك الشعبي وبقية الناس، لكن آن الأوان لفترة مراجعة نقدية مُعَمقة لمواجهة الأخطاء إن كان في الأساليب أو الشعارات أو الخطاب السياسي، التي أبعدت فئات مهمة عن الانضمام إلى الاحتجاجات والخروج إلى الشارع.
فانقسام المعارضة حول المشاركة والمقاطعة، والأهم تدني بعض الجدل العلني بين الطرفين، أضر بالمعارضة، فاختلط الخطاب السياسي، وضاعت فرصة نقاش قيِّم بنّاء، بل سادت لهجة الاستعلاء والاستهزاء، وحتى الإقصاء.
ما زلتُ على تأييدي المعلن للحراك، ولشبابه و شاباته، لكن هناك هوة بين الحراك وقطاعات واسعة ، من الفئات التي انطلق الحراك لأجل الدفاع عن حقوقها، تستوجب إعادة تقويم صريحة وشجاعة، وفاء للأكثر معاناة بيننا والتزاما بمستقل الأردن.
أما الجهات الرسمية، فيجب أن لا يعميها "انتصارها"، فلا انتصار على شعب، وأن لا تسد آذانها عن المظالم التي أدت إلى الحراك، فحتى الناخب الذي اختار الاستقرار، وأعطى ثقته بها، لا يزال ينتظر حلولاً لأزمة سياسية اجتماعية مرشحة للتفاقم .العرب اليوم
في الوقت نفسه فإن المعارضة - خاصة لا حصراً - التي قاطعت الانتخابات، يجب عليها دراسة النتائج جيداً، وأن تبدأ التخطيط للمرحلة الأصعب، معترفة بفشلها في قيادة الشارع بصراحة وصدق مع النفس والشعب.
فالانتخابات جاءت دليلاً على حالة فقدان الثقة في العملية السياسية الرسمية، والعمل السياسي المعارض المنظم في آن واحد، أما نتائجها فعكست حالة من التفكك المجتمعي هي إنذار ونذير لما قد يأتي.
إذ أن نسبة التصويت، إن كانت الأرقام دقيقة، تعني أن ثلثي من يحق لهم الاقتراع اختاروا عدم ممارسة حقهم، في استنكاف يؤشر على غياب الثقة في إمكانية التغيير إلى الأفضل عن طريق الانتخابات، أو حتى من خلال أية وسيلة أخرى.
إضافة إلى عامل الخوف "من التغيير" والإحساس بالإحباط الذي عُبر عنه، بالمشاركة أو عدم المشاركة، فبعض الذين شاركوا صوتوا " لخيار استقرار الأردن" ، وبعض من لم يصوتوا أيضا أدركوا أن لا جدوى من العملية السياسية، بينما يرى آخرون أن الانتخابات جاءت في سياق الأجواء السياسية السائدة.
لا شك أن خيبة الأمل "بالثورات العربية" بشكل عام، وحمام الدم السوري بشكل خاص، والتدخل العربي والغربي للسيطرة على مستقبلها، أثر على قرار الكثيرين، حتى أن بعض الناخبين، اختار المشاركة، من دون أمل كبير بالتغيير الحقيقي، لكن درءا لمستقبل قريب شبيه بالجارة القريبة شمال الحدود، أو حتى مثل الوضع المتفجر حالياً في مصر.
"الخوف من البديل" هو عامل على الجهات الرسمية والمعارضة فهمه ودراسته، فهو ليس فقط خوفاً متخيلاً، بل إن معظم الأردنيين، مهما اختلفت توجهاتهم السياسية، يعيشون كوابيس الموت للحالة التي انتهت اليها سورية، وينامون على وقع الاضطرابات في مصر، وجزء من هذه المخاوف إنما سببه سيطرة الإسلاميين وامتداد نفوذهم، وسواء هذه المخاوف كان مبالغ بها أو دقيقة، إلا أنها حاضرة خاصة بعد التدهور المقلق الذي يعصف بأم الدنيا.
لكن من الخطأ أن يعتمد النظام على هذه المخاوف، متسلحاً بنسبة المشاركة بين المسجلين والتي تعدت الـ 57%، لو افترضنا دقة الأرقام، لأن الخوف وحده، لا يصنع مستقبلا و لا يحل أزمة سياسية أو اقتصادية.
قليل من الخوف، عند النظام والشعب، ضروري، للتنبه إلى حساسية المرحلة، لكن حذار من استخدام حالة الخوف لمواصلة سياسات محددة، خاصة في الجانب الخاص بإجراءات اقتصادية مؤلمة، لأن اليأس من الجوع وقلة الحيلة لا يعرفان الحذر ولا الاعتدال ولا التفكير بالنتائج، فكلها تصبح من أشكال الترف الذهني لا يقدر عليها المطحون ولا يبالي بها المغبون حتى السَّحق.
أما المعارضة بما فيها القوى الجديدة في الحراك الشعبي، فيجب أن تفكر طويلاً بأسباب سيطرة الخوف و الإحباط، لأنها أيضاً تتحمل جزءا مهماً، من الوضع الذي وصلنا إليه، إذ انه يعني أنها لم تنجح بكسب ثقة الأردنيين، أو على الأقل قطاع واسع منهم، بقدرتها على تمثيلها وقيادة برنامج للتغيير.
لا ننكر أن السياسات الرسمية، من الترهيب من العمل الحزبي، وثلاثة عقود من الأحكام العرفية، وإرثها الباقي، والاعتقالات، وحملات التشويه المتعمدة للمعارضة، أقامت الحواجز بين الحراك الشعبي وبقية الناس، لكن آن الأوان لفترة مراجعة نقدية مُعَمقة لمواجهة الأخطاء إن كان في الأساليب أو الشعارات أو الخطاب السياسي، التي أبعدت فئات مهمة عن الانضمام إلى الاحتجاجات والخروج إلى الشارع.
فانقسام المعارضة حول المشاركة والمقاطعة، والأهم تدني بعض الجدل العلني بين الطرفين، أضر بالمعارضة، فاختلط الخطاب السياسي، وضاعت فرصة نقاش قيِّم بنّاء، بل سادت لهجة الاستعلاء والاستهزاء، وحتى الإقصاء.
ما زلتُ على تأييدي المعلن للحراك، ولشبابه و شاباته، لكن هناك هوة بين الحراك وقطاعات واسعة ، من الفئات التي انطلق الحراك لأجل الدفاع عن حقوقها، تستوجب إعادة تقويم صريحة وشجاعة، وفاء للأكثر معاناة بيننا والتزاما بمستقل الأردن.
أما الجهات الرسمية، فيجب أن لا يعميها "انتصارها"، فلا انتصار على شعب، وأن لا تسد آذانها عن المظالم التي أدت إلى الحراك، فحتى الناخب الذي اختار الاستقرار، وأعطى ثقته بها، لا يزال ينتظر حلولاً لأزمة سياسية اجتماعية مرشحة للتفاقم .العرب اليوم