الانتخابات.. درس للحراك والقوى الوطنيّة
بعد الوقوف على مجمل المشهد لما قبل الانتخابات وبعدها ،والتوقف عند مخرجات العملية الانتخابية أجد نفسي أسرد الملحوظات التالية:
الأولى : إيجابية، وكحالة نوعيّة عبّرت عن نفسها من خلال انعقاد الكثير من المناظرات التي جمعت مرشحي القوائم الوطنيّة، صحيح أنها تحتاج لوقت طويل لتكون ذات أثر في مخرجات العملية الانتخابية، ولكنّها مهدت لمرحلة جديدة في ثقافة الانتخابات، ، ستحمل من يفكّر بالترشح النظر لها بعين الريبة، إذ لأول مرّة يقف المرشح أمام أسئلة برامجيّة، سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة،ألقت خلفها جميع التابوهات العرفية، وعليه، فإن المستقبل (وإن كان البعيد ) سيُحسم لصالح البرامج الوطنيّة الحقيقيّة،والرؤى المستقبليّة الواضحة.
الثانية: المطّلع على مخرجات العمليّة الانتخابيّة، يدرك أنّ النُخبة تعيش في عالم آخر يجافي الواقع، وكلامهم عن الدستور و الإصلاح ومحاربة الفساد، ما هو إلا قصائد تُلقى بحضرة جمهور في إطار ضيق لا تتعدى مسامع النُخبة. لذلك نرى في المحصلة مشاركة حقيقية من قبل الكثير من الناخبين، لدعم حالة الفساد، بل والمقاتلة لأجل الدفاع عن رموزها واستمرارها.
الثالثة : هناك فرقان، في حال كون القانون الانتخابيّ متضمنا صوتين وبدون مقاطعة، أولهما: وجود نواب من الإسلام السياسيّ المنظم، وهم بالمناسبة أكثر إقصائيّة من معظم الموجودين حاليا، ولنا في نقابة المعلمين دليل، حين يتمسكون بأسنانهم بنظام انتخابيّ إقصائيّ ينتمي إلى العصر الحجريّ.
وثانيهما: مشاركة الحراك والقوى الوطنية في الانتخابات دون الحصول على أية نتيجة تذكر، ومردّ ذلك أنّ شباب من يُعدّ بالواعي او النُخبة او المثقف، سيجد نفسه ضمن أحد تيارين: تيار يجد ألف سبب للمقاطعة أو الحَرَد السياسيّ، والآخر، تُلقي به الانقسامات التي ما تزال تسِمُ تحركاتهم، إلى عدّة جهات، ما يضعفهم وبالتالي يخرجون من دائرة التمثيل أو التأثير السياسيّ.
بمعنى استحالة وصول قوى الحراك المبني على البرامجيّة إلى مجلس النواب، ما لم يكن هناك وقفة حقيقيّة وشجاعة، للتعاطي مع المرحلة، وإعادة تقييمها من خلال النقد الذاتيّ، وإعادة النظر بتحالفاتها، وصياغة برامجها، علّها بذلك تكون الكتلة الوازنة التي ربّما تكون خشبة إنقاذهم من بحر الخطر الذي يموج من حولهم، ومنبعه أدوات النظام من أجهزة أمنية وأحزاب إقصائيّة،عقولها مُغلقة مُطْلقة.