التغوّل على البلديّات.. مسخ البيروقراطيّة الليبراليّة
جو 24 :
تامر خرمه -
يبدو أن البيروقراطيّة تصرّ على تعطيل مشروع اللامركزيّة ووضع العصيّ في دواليب مسيرة استقلاليّة البلديّات، وكأنّ نصّ القانونين المتعلّقين بهاتين المسألتين لا يكفي، فوزارة البلديّات مثلاً تمعن في تغوّلها بأكثر ممّا كان يتيحه القانون.
وزارة البلديّات، التي قامت بحلّ المجالس البلديّة، وتشكيل لجان عوضاً عنها، في مخالفة للقانون، لم تتوقّف عند هذا الحدّ، بلّ تصرّ على نظم وتعليمات غير مبرّرة، كنظام الأبنية الجديد، الذي أدّى إلى تراجع إيرادات البلديّات لدرجة أن باتت تفتّش عن سبل لتأمين رواتب العاملين فيها.
توقّف الاستثمارات وتجميد حركة البناء نتيجة لهذا النظام، أدّى إلى انخفاض الإيرادات من 12 مليون إلى 300 ألف دينار، وفقاً لتصريحات المهندس حسين بني هاني، رئيس بلديّة إربد الكبرى لجو24. ترى، ما هي الفائدة من دفع البلديّات إلى هاوية الإفلاس، بعد كلّ الحديث الرسميّ الذي سمعناه عن ضرورة استقلاليّة البلديّات وتحقيق التنمية؟!
هذا التعنّت غير المبرّر يعدّ ارتداداً عن كلّ التوجّهات الرسميّة التي وعدت الناس بتحقيق التنمية. الغريب أنّ رؤساء البلديّات لا يحتجّون إلاّ على بعض حيثيّات هذا النظام، وتقتصر مطالبهم على تعديل 15% ممّا ورد فيه، تجنّباً لإفلاس بلديّاتهم، بيد أن الوزارة مازالت متشبّثة بموقفها.
الغرامات الخياليّة التي يفرضها هذا النظام يستحيل تسديدها. والنتيجة تتحمّل البلديّات النتيجة، حيث تصطدم الاستثمارات العقاريّة بحائط مسدود. فما هي الجدوى من ذلك؟! مثلا، هل فعلا تعتقد حكومة الملقي أن المستثمرين المحليّين في كلّ بلديّة قادرين على تأمين مواقف لكافّة شقق الأبنية التي يتمّ إنشاؤها؟! حتّى أن كثيراً من المدن الرأسماليّة المتقدّمة لا تمتلك مثل هذا الرفاه!
هل هذه هي أولويّات حكومة الملقي؟ عاصمة جديدة وأبنية تتماهى من أبنية طوكيو، في ذات الوقت الذي يريد فيه مصادرة خبز الناس بذريعة أن الدولة لا تحتمل الإنفاق على الدعم؟! إذا كنت لا تستطيع تأمين الخبز، فهل يكون من المناسب الحديث عن أبنية "نيويوركيّة" وعواصم "جديدة"؟!
تقويض الاستثمارات وتجفيف موارد البلديّات لا يمكن أن يصبّ في مصلحة التنمية. ويصعب إدراك إصرار الوزارة على هذا النظام. التعنّت هو المفردة الوحيدة التي يمكن أن تترجم الموقف الرسمي.
انتزاع صلاحيّات البلديّات قبل تعمّد إفقارها مسألة ليس تغوّلاً واعتداء على الديمقراطيّة اللامركزيّة فحسب، بل هو تخبّط لا يهدف إلى أيّ معقول. وليد المصري، وزير البلديّات، أغلق كلّ أبواب الحوار، فهل سيفعل رئيس الحكومة شيء بهذا الصدد؟!
التأرجح بين المركزيّة البيروقراطيّة والتوجّهات الليبراليّة لن يولّد إلاّ جنيناً مشوّهاً يحمل أبشع مورّثات الاتّجاهين. إذا كانت الحكومة تصرّ على المركزيّة فلتكن مركزيّة في كلّ شيء، وتعيد إلى القطاع العام هيبته، أمّا إذا كان الرئيس هو ذلك الجهبذ الليبرالي، فعليه ترك البلديّات تدير أمورها، دون كلّ هذا التغوّل الحكوميّ على صلاحيّاتها.