"عيد" استقلال فلسطين.. وعلى الأرض السلام
جو 24 :
تامر خرمه -
قبل يومين أعلنت السلطة الفلسطينيّة عطلة رسميّة احتفاءً بما وصفته بـ "عيد الاستقلال". نعم، بذات الوصف. سلطة رام الله اعتبرت أن فلسطين باتت مستقلّة، وها هي تحتفل بهذا "الاستقلال"، تحت ظلّ التنسيق الأمني مع الاحتلال.
أطرف ردود الأفعال عبّر عنه أحدهم، حيث تساءل بكلّ ما أوتي من دهشة: "هي فلسطين استقلت؟؟ ايمتى؟؟ طب احكولي خبروني. طيب والناس مصدقة !! والدوائر الحكومية معطلة !! والكشافة طالعين مسيرات!".
الإجابة المحزنة على ذلك التساؤل جاءت عبر تعليق على "الفيسبوك"- حقيقة أن 15 نوفمبر هي ذكرى استقلال "المنظّمة" عن تحرير فلسطين!!". مع الأسف، يمكن اعتبار هذا التاريخ الأكثر بشاعة بين كلّ محطّات الذاكرة. في ذلك الوقت حلّ مشروع بناء الدولة التبعيّة مكان مشروع التحرير، وكانت مهزلة "التنسيق الأمني"!
السلطة الفلسطينيّة حقّقت نقلة نوعيّة رغم كلّ شيء. فقد "نجحت" في تحويل الفدائيّ إلى عنصر أمنيّ، وفي بناء دولة تابعة أسوة بأخواتها من خليج المحروقات إلى بحر الظلمات. وحتّى بعض معارضي هذه السلطة، باتوا يحترفون أيضاً لعبة تعديل "الميثاق" والعزف على أوتار "الشرعيّة الدوليّة"، التي لا يعلم سوى الموتى من أين استمدّت "شرعيّتها"!
متى بدأت فصول هذه الكوميديا السوداء؟ ربّما يجدر تحميل اليسار الطفوليّ مسؤوليّة ما اقترفه ذات يوم من مغامرة، أفضت إلى كلّ تلك التراكمات التي أوصلتنا إلى ما نعانيه اليوم. الجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين كانت هي من اقترح على الراحل ياسر عرفات، زعيم منظّمة التحرير الفلسطينيّة، مشروع الحلّ المرحلي، الذي تبنّاه أيضاً الشاعر الراحل محمود درويش.
وهكذا، تمّ عقد مؤتمر الجزائر في العام 1987. نقول هذا للتذكير لا أكثر. وقتها رضيت منظّمة خلقت لهدف التحرير، أن تلعب بذات الأوراق التي فرضها الاستعمار. إذا ما نظرنا للأمر ضمن هذا السياق، فلن يكون مستغرباً ما تقوم به سلطة "أوسلو" هذه الأيّام. ما قدّم من معطيات، لا يمكن أن يفضي سوى إلى مثل هذه النتائج.
ولكن لماذا رضي ما يصف نفسه بـ "اليسار القوميّ" الانصياع للحلّ المرحلي؟ أكانت ذريعة "الوحدة الوطنيّة" مقنعة حقّاً، حتّى يتخلّى الرفاق عن أبجديّاتهم الثوريّة؟ وما هي "الوحدة الوطنيّة"؟ هل هي وحدة الفصائل أم وحدة الشعب.
ذات نقاش حزبيّ دار منذ سنوات، أعلن أحد الرفاق الذين كان لهم تأثير كبير خلال فترة الربيع العربي، أن المطلوب على الساحة الفلسطينيّة هو اعتماد مقاربة الوحدة الشعبيّة، عوضاً عن الوحدة الوطنيّة، التي لا تعني سوى تسوية خلافات الزعامات.
وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى ما وصف بـ "تقدّم" مشروع "المصالحة" بين حركتيّ فتح وحماس. ليس من المهمّ بالنسبة للقضيّة الفلسطينيّة تحقيق هذه المصالحة في نهاية المطاف. بل المطلوب هو العودة إلى المشروع التحرّري، عوضاً عن الاكتفاء بمحاصصات نظم سياسيّة، أنشئت تحت ظلّ الاحتلال، بهدف تخليصه من مسؤوليّاته، وضمان استقراره وبقائه.
فلسطين لم تستقلّ يا جلاوزة التنسيق الأمنيّ. بل وصل إلى محاولة الهيمنة والسيطرة على المنطقة، عبر اتّفاقيّات اقتصاديّة أحكمت قبضتها على الأردن. واليوم يسعى الاحتلال إلى فرض شروطه على الجميع. وعلى ضفّتيّ النهر، لا يملك كلّ من قبل باللعب وفق القواعد المفروضة، سوى تنفيذ الأوامر. أيّ استقلال يمكن الحديث عنه؟ الأرض باتت مضغة الأغراب.. وعلى الأرض السلام!!