عداء السلطة للأحزاب
التشكيك بنزاهة الانتخابات النيابيّة لم يقتصر على أحزاب المعارضة السياسيّة، بل وصل الأمر إلى أن طرحت الأحزاب الوسطيّة علامات استفهام على العملية الانتخابيّة، حتى قرّر حزب التيّار الوطني الانسحاب من البرلمان وإغلاق كافّة مقرّاته في المحافظات.
التيّار الوطني الذي كان له دوره الرئيس في تكريس الحضور الرسمي داخل المجلس النيابي، والذي شغل رئيسه عبد الهادي المجالي منصب رئيس المجلس لتسع سنوات متتالية، أدرك عبثية الإصلاح من الداخل، نتيجة تفريغ السلطة التشريعيّة من مضمونها وتجريدها من دورها، عبر الإصرار على قانون انتخاب يحول دون تحقيق المشاركة السياسيّة المنشودة، حيث تناسلت القوائم الوطنية لتصل إلى 61 قائمة تفتقر أغلبها لأي برنامج سياسيّ، ويقتصر دورها على تحقيق طموح رئيس القائمة بالوصول إلى البرلمان، بعيداً عن إماكنيّة انتخاب القوائم استنادا إلى برامجها تمهيداً لتشكيل الكتل النيابيّة.
عداء السلطة للأحزاب تجاوز قوى المعارضة الوطنيّة ليشمل كافّة الأحزاب السياسيّة، حيث يمنع قانون الانتخاب، بالإضافة إلى التجاوزات التي شابت العملية الانتخابيّة، القوى الحزبيّة من المشاركة الفاعلة في البرلمان.. هذا ما أدركه أيضاً حزب التيّار الوطني الذي قرّر الاستقالة من المجلس النيابي، في خطوة تسلّط الضوء مجدّدا على واقع الحياة السياسيّة ورفض السلطة لأيّ حضور فاعل للأحزاب، بصرف النظر عمّا إذا كانت معارضة أم لا.
بناء نموذج "ديمقراطيّ" مجرّد من العمل الحزبي الحقيقي، لغايات الدعاية البحتة، هو ما يضبط إيقاع التوجهات الرسميّة، التي تحاول إقناع العالم بهذا النموذج المتناقض مع أبسط الاستحقاقات المطلوبة لبناء دولة المؤسّسات، ففي كلّ التجارب الديمقراطيّة تكون الأحزاب هي الركيزة الأولى لبناء وتفعيل الحياة السياسيّة.. أمّا النموذج الأردني فيقتصر على نمط غريب من "الشخصنة" و"المخترة".. وفي النهاية تصرّ السلطة على الترويج لقراراتها بمفردات من قبيل "الإصلاحات" و"الإنجازات" !!