عندما يتحوّل مجلس الأعيان إلى ورقة تفاوض مع الكتل النيابيّة !!
تامر خرمه- جرت العادة على تشكيل مجلس أعيان جديد فور انتهاء عملية الاقتراع وانتخاب أعضاء المجلس النيابي، إلا أن مجلس الأعيان مازال ذات المجلس الذي تشكل عند انتخاب أعضاء البرلمان السابق.
هذا التأخير في تجديد مجلس الأعيان، الذي شهد عددا كبيرا من الاستقالات وباتت إعادة تشكيله ضرورة ملحة، لا يمكن تفسيره إلا بمحاولة استغلال المجلس كأداة تفاوض مع الكتل النيابية من أجل حملها على منح الثقة للحكومة القادمة، حيث مازال التعامل مع مقاعد مجلس الأعيان ينطلق من اعتبارها جوائز ترضية، كما تحوّل هذا المجلس إلى إحدى أدوات النظام لاستيعاب الكتل النيابية التي تمّ إفرازها عبر انتخابات شابها ما شابها من تجاوزات وخروقات تقوّض نزاهتها.
أضف إلى ذلك التأخر في تشكيل حكومة جديدة، الأمر الذي يمكن اعتباره أيضاً أداة تفاوضية لضمان نيل الحكومة المقبلة ثقة الكتل النيابية بعيدا عن المنغصات أو حالات "الشغب السياسي".
ولن نتحدث هنا عن المطالب الشعبية المتعلقة بتحقيق مبدأ "الشعب مصدر السلطات" وبإلغاء سياسة التعيين وفرض صناديق الاقتراع كممرّ إجباري ووحيد لعضوية مجلس الأمّة، ولكن جوهر الفكرة التي من أجلها وُجد مجلس الأعيان يتلخص بمحاولة الاستفادة من أصحاب الخبرات والكفاءات لخدمة الدولة وتحقيق مصلحتها على أحسن وجه، لذا ينبغي النظر إلى هذا المجلس بعين الاحترام، لا ان يتمّ التعامل معه كأداة تفاوضية أو اتخاذه جوائز ترضية يتمّ منحها في توزيع الحصص على بعض الأشخاص الذين تحالفوا مع النظام لمواجهة مطالب الحراك المتعلقة بالإصلاح، ونفذوا أجندة السلطة التنفيذية دون تفكير بالمصلحة الوطنية.
كما أن زيادة عدد مقاعد مجلس الأعيان إلى 75 مقعدا تفرض على صناع القرار التفكير بقضية التمثيل، حيث أدى قانون الانتخاب إلى إقصاء شرائح واسعة من الأردنيين وحال دون تحقيق المشاركة السياسية المنشودة، فلم يشارك في الانتخابات النيابية سوى 30% ممن يحق لهم الاقتراع، الأمر الذي يستوجب التفكير الجدي بتحقيق أوسع مشاركة ممكنة في مجلس الأعيان وتمثيل الشرائح والقوى السياسيّة التي تم اقصاؤها.. هذا إذا أردنا لهذا المجلس أن يبقى مجلس الحكماء الذي له وزنه واعتباره.
أمّا تحويل مجلس الأعيان إلى اداة تفاوضيّة، في ظلّ افتقار البرلمان إلى الشرعية الشعبية، و"مكافأة" فايز الطراونة عبر تعيينه رئيساً للديوان الملكي، والتوجه لتشكيل الحكومة القادمة ضمن تسويات لا تمتّ للمصلحة الوطنية بأيّة صلة.. كلّ هذه المؤشرات تدلّل على أننا دخلنا في نفق مظلم عبر قفزات واسعة إلى الوراء، فعوضاً عن التقدم ولو قيد أنملة باتجاه تحقيق الإصلاح السياسي، باتت حتى المحافظة على بقاء الحال كما هو عليه أقرب إلى الاستحالة، ناهيك عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تطرّفت إلى أقصى درجاتها.. ولا عزاء للوطن !!