أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد
مصطفى صالح العواملة
جو 24 :
قد لا أكون مجانبا للواقع المؤلم ، حين أشخص حال هذه أمة العرب من محيطها إلى خليجها ، هذه الأمة التي قبلت التشتت بعد الحرب العالمية الثانية التي زُجّت في أتونها ، في الوقت الذي لم تكن تعلم بأنها كانت الهدف الاستراتيجي الأساس من هذه الحرب منذ بداية التخطط لها ، فإستراتيجيات الجغرافيا السياسية التي مورست ولا تزال تمارس على هذه البقعة من العالم لم تكن خبط عشواء ، أو نزوات مهووسين سياسيين ، بل كانت نتاج تخطيط عباقرة ومفكرين ذوي عقول عابرة للقارات ، تستفيد من العلم والمعرفة والتطورات التقنية بكل كفاءة واقتدار ، مع أنها لا تخلو من جنون وهوس السيطرة على العالم الذي أصبح قرية صغيرة في مجرة عملاقة ، أو حلقة ملقاة في فلاة مترامية الأطراف ، فكان نتاج هذا التخطيط زرع جسم هجين في وسط جسد هذه المنطقة الممتدة على طول شمال إفريقية وشرقها وحتى قَرنَها الصومالي وكامل بلاد الشام والرافدين وشبه جزيرتها العربية ذات الصحارى المترامية الأطراف ، ليكون هذا الجسم الهجين في مركز القلب منها وليشكل قنبلة قابلة للإنفجار في زمن محدد ولهدف أكثر تحديدا ، تحت مسمى عنصري يدعى إسرائيل يجمع به أكبر كم من يهود العالم على إختلاف جنسياتهم وأجناسهم وأعراقهم وثقافاتهم ، ووفق ذريعة ملفقة ومدبلجة بعناية تحت مسمى ( أرض الميعاد ) لشعب يقال أنه شعب الله المختار ، متجاهلين بديهية ديمغرافية في أن الدين لا يشكل جنسية للبشر وإلا لأصبح المسيحيون جنسا وجنسية والمسلمون جنسا وجنسية وأصحاب الديانات الأخرى غير معلومة المصادر أجناسا وجنسيات تتجانس حسب معتقداتها المختلفة ، وهي في واقعها مخالفة للسنة الكونية ونواميسها ، ولقد حاول المسلمون الأوائل إيجاد دولة وكيان سياسي يوحد معتنقي هذه الديانة تحت مسمى اصطلح على تسميته بالخلافة الإسلامية ، ولكنه سرعان ما تبدد وتشرذم وتلاشى تحت ضغط القوميات والشعوب والأجناس المختلفة التي انطلقت للتحرر من عقدة الاسلام السياسي والذي أصبح يتجه نحو الدين السياسي وليس السياسات الدينية ، وهذه النتيجة في واقعها سنه من سنن الكون وطبيعته ، فقد خلق الله الخلق شعوبا وقبائل ليتعارفوا وليس ليندمجوا تحت لواء أو راية سياسية واحدة ، ولله حكمة في هذا التعدد والتنوع لا يعلمها إلا هو ، والله هو القائل جل وعلا ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وتدرجت هذه التقوى في كمالها واكتمالها مع تدرج الأديان ، وتنامي الفكر الإنساني على مدى الأزمنة والعصور وغنى تجاربه وتنوعها ، ولذلك ومن خلال ما قلت سابقا ، إن اليهودية دين كباقي الأديان ، لا يمكن لها أن تشكل جنسا أو نوعا أو تكوينا متميزا لأي جماعة بشرية تعتنقه أو تؤمن به ، فاليهودي اليمني هو عربي يمني أصلا قبل أن يكون يهوديا ، وكذلك الأمر بالعراقي والمغربي والسوري والتركي والخرزي والألماني والفارسي والهولندي والفرنسي وخلافها من الجنسيات المختلفة ، وعلى اليهودي إبن هذه البلدان أن يكون مواطنا صالحا مخلصا في وطنه بعض النظرعن ديانته ومعتقده مثله مثل المسلم والمسيحي والبوذي والهندوسى وغيرها كثير من الديانات السماوية والوضعية المختلفة ، إن ذكاء المخططين في صناعة التاريخ وتشكيله حسب الأهداف المرسومة ، ولغايات محددة ، لعبة ذكية كلعبة العالم الكيميائي في تشكيل المواد وابتداع مواد جديدة بمسميات مختلفة ، ومن ثم إقناع مجموعات بشرية المختلفة بالفوائد التي سيجنونها من خلال تطبيق أفكارهم التي تصل حد جنون العبقرية وعبقرية المجانين ، كما يحصل في الكيان اليهودي الذي ركبته الصهيونية العالمية تنفيذا لأهدافها ومخططاتها الخبيثة ، للوصول إلى مصالح محددة صنعها قادتها وزعمائها بغية السيطرة على مصادر الطاقة المختلفة ، وكافة مستلزمات الصناعة والزراعة والإنتاج ، والتي تشكل المنطقة العربية المنبع الأساس لها في مجملها ، ومن ثم السيطرة على العالم ، وما هذا الكيان المصطنع والمزروع على أرض الواقع ، وما كل النظريات والمخططات السياسية الأخرى التي يجري تطبيقها حسب المراحل وتدرجاتها من راسمالية وشيوعية واشتراكية والبرغماتية وغيرها من التسميات المبدعة ، بإستغلال العباقرة والمفكرين المهووسين بالشهرة والإنحراف الخلقي والقيمي والفكري لوضعها ووضع اليات تطبيقها ، على ارض الواقع ، وإيجاد كيانات جيو سياسية مصطنعة تطبقها بكل الطرق والوسائل المتاحة على الى الجماعات البشرية المستهدفة حسب مواقعها ومناطقها لإبقاء العالم ، لتدور في حلقات مفرغة من الصراعات والحروب والتجاذات التي تصب في محصلاتها في الأهداف الكبرى لصانعيها وفق البرامج الموضوعة لها والمراحل المحددة لكل منها والوصول إلى الهدف النهائي في تكوين الحكومة الكونية وإظهارها للعلن بعد أن قبعت قرونا مختفية في دهاليز المكر والخديعة والتشكل بكل أشكال التلون حسب مقتضيات الظروف والأحوال ،لتكون عاصمتها القدس لتوسطها العالم القديم والحديث ، وما قرار هذا المهووس الترامب إلا تنفيذا لأوامر من صنعوه ولمعوه وهيئوه لهذه اللحظة التاريخية ، لتتحقق الأمنية الصهي+*39*ونية العابرة للقارات التي طال انتظارها قرونا من الزمن والعمل الدؤوب ، وتحويل العالم الى آلات تعمل في المصانع والمزارع والمعامل تعمل بأمرهم ولهم ، وإلى أين سيصل الأمر بهم بعد ذلك إلى ما أظنهم لا يعرفون له جواب ، ولكن حكمة الله التي وسعت كل شيء واطلعت على ما كان وما يكون وما سيكون ، ستحبط أعمالهم وتعيد توازن الكون وفيزياؤه ليعود المسلمون إلى دينهم الصحيح ويبتعدون عن تسييس الدين وإعادته لطبيعته التي ارتضاها الله لخلقه أجمعين ، وكما يريدها الخالق جل وعلا وعندها ( لا يعلم الذين أسرفوا في غيهم وغوايتهم إلى أي منقلب سينقلبون ) ،( وهو الذي يمهل ولا يهمل وهو علام الغيوب ) .