إختيار رؤساء الجامعات بين هارفرد ...وعظام الرقبة
الاستاذ الدكتور سمير بطاينة
جو 24 :
اللجنة الموقرة لإختيار رؤساء الجامعات،
ماذا لو تقدم إليكم اردني تخرج من اكسفود و حصل على الأستاذية في برنستون وعمل عميدا ونائبا للرئيس في هارفرد وله مئات الأبحاث وبراءات الإختراع و الكتب ثم عاد للإردن فانتخب ابن عمه الأمي لأنه من عظام الرقبة!!! قد يبدوا للبعض أن هذا مستحيلا, فقد رأينا و سمعنا اساتذة (المعيون في العلم) من يحلف برأس ابيه وبقية شيوخ القبيلة أن الأخضر على كسرة خبز ابن عمه هو ربيع وليس عفن.
ما فائدة برميل من العسل المصفى إذا مزجناه بملعقة من السيانيد وهل سيشرب اعضاء اللجنة من دلو حليب ناصع البياض ذابت فية نقطة من سم قاتل؟
بياض الحليب وحلاوة العسل ليس من الامر الصعب على اللجنة وأي فرد أن يراه أو يتذوقه لكن اكتشاف الحليب المسموم والشهد الممزوج يحتاج إلى مختبر متخصص وتحليل وتدقيق وأخصائيين من مختلف المستويات وأجهزة ووقت وهذا ما نأمله من اللجنة الموقره. إن وضع جدول تفاضل عمل روتيني قديم للمفاضلات يصلح كألية قياس ومرجعية لأختيار موظفين من مختلف الدرجات أما اختيار الرئيس الذي ينتج الموظفين والمربين بمختلف المستويات فيحتاج إلى تفقد المشروعية والتأكد من صلاحيتها قبل منحه كتاب الشرعية.
لم تكن مشكلة قريش مع رسول الله عليه السلام في الشرعية (وهو كتاب التكليف الرباني له بأنه نبي) فهذه أسهل ما يمكن لقريش نقضه والتهكم به والسخرية منه بل اصطدموا بالمشروعية (الاستقامة) وهو ذلك التاريخ والسيرة لرسول الله فلم يجربوا عليه كذبا ولا لهوا ولا خسة ولا ظلما بل على العكس فاض عنة الأمانة والصدق ومواقف الرجال بكل مقتضياتها التي كانت سائدة في ذلك الزمان.
اللجنة -كما نعدها واملنا بها- على دراية وثقافة واسعة و تملك الادوات لإكتشاف نقطة السم في البياض, فقراءة كتب عن مناقب الرجال والفراسة وكتب مثل الأحكام السلطانية وكتاب الأمير و مقدمة ابن خلدون وكتب على هذا الغرار تعطي بعدا اخر للأسئلة المطروحة و يصبح فيها عمقا و تصبح للحركات معنى, فالضمة غير الكسرة, وتجعلنا قادرين على اكتشاف مكنون الذوات في لحظات, وإلا ما معنى المقابلة لعشر دقائق أو نحوها إن لم تكن اللجنة قادرة على قراءة كتاب الشخص من الهمسات.. ولنقرأ مثلا ذلك العمق عند كسرى في أسئلته الدقيقه لأبي سفيان والموجزة التي لم تتجاوز العشر دقائق والتي خلص منها كسرى ( رجل حكم يعرف كيف يكتشف الرجال) إلى خلاصة عميقة و دقيقة و صحيحة عن رجل حتى أنه لم يقابله , فقال إن كان كما تقول فسيملك موضع قدمي هذه...ولا مجال هنا إلى ذكر تفاصيل الأسئلة وإن كنت أتمنى على اللجنة أن تعود اليها, وللفائدة نذكر أن الأسئلة كانت مبوبة في ثلاثة أبواب: الباب الأول باب الإستقامة, فسأل عن قضيتين صدقه وأمانته والباب الثاني: باب الدوافع, لماذا أتى بهذه الدعوة ؟ هل يطلب شهرة أو يستجيب لطمع و شهوة في الحكم أو الإنتقام أم يستعيد ملكا لأبائه ثم جاءت بقية الاسئلة في الباب الثالث وهو وماذا يريد أن يفعل ( إلى ما يدعو).
على اللجنة أن تكتشف غايات كل متقدم لهذا المنصب هل هو طامح أم طامع هل يريد أن يتمختر بالمضافة أم يريد أن يقهر ويثأر أم يحقق انجاز يسجل له يفخر به, ويشكل نبراسا ومنارة لمن يأتي من بعده في الإصلاح والصلاح, وأن تعرف تاريخه (الاستقامة) يوم كان طالبا وباحثا, فمن سرق ممحاة زميلة في المدرسة سيسرق الأبحاث وتراب الارض, ويوم انتصب في مناصبه: هل له علاقة غرام مع الدينار أو جارة سكرتيرته؟ هل يشهد له طلابه به القدوة ؟ أم كان محابيا بعلامته على لون العيون أو فصيلة الدم ؟ وهل كان في إداراته مستقلا صاحب رأي يتحرى العدل أم ذيلا وصاحب هوى؟ ....وهل يملك رؤية واقعية حقيقة من وحي خبراته يتعرف بها على الواقع و عنده أفكار لأدوات يعالج مشكلاته وتستشرف المستقبل؟ وليست خطته و رؤيته وافكار مقتطفات من الانترنت!!!!
في كتابهم " لماذا نسيء إختيار القادة", قد نختلف مع جيفري و موران في التفصيل لكن ننسجم معهم في تعظيم شأن الإستقامة فقد جعلاها أول سمة من سبع سمات للقائد فقالا: "عندما تتمتع بالإستقامة فلن تهمك أي نقطة ضعف وعندما تفقدها لا يفيد أي نقطة قوة", الشطر الثاني صحيح بامتياز لكن الإنسان يحتاج مع الإستقامة ( الأمانة) إلى القوة ( العلم والفهم والدراية). فالإستقامة شرط لا ينبغي من وجوده الوجود ولكن يترتب على عدمه العدم, وليت اللجنة تبني على ذلك.
نحتاج إلى "ادمي" ,"مستقيم"," صاحب رأي", "صاحب موقف غير متردد مرتجف", "مستقل", "عنده من الكفاءات العلمية قدر معدل زملائه أو يزيد", نظافة بطانة بزته اهم من لمعان ظاهرها, فالطاوس يخفي نحول جسمه في فرد ريشه.