رئيس الوزراء المفقود !
لميس أندوني
جو 24 :
صعوبة البحث عن رئيس وزراء جديد، لا تتعلق تماماً، بغياب وجوه ونخب قادرة على تحمل المسؤولية، بل لأن البحث يُجرى داخل "الصندوق نفسه"، عدا أن الصفة الأولى التي يتم إعطاؤها الأولوية، هي التخلي عن مواقف ومبادئ ورؤى، في حالة وجودها، والخضوع "للأمر الواقع".
يخطر في بالي أكثر من اسم، ليست كثيرة لكنها موجودة، من شخصيات ذات مصداقية ونزاهة، ومؤهلة لتبوؤ المنصب، لكن بصراحة لا أتمنى ذلك الخيار لأي منها، في الوقت الراهن، لأن العادة جرت باستقطاب مثل هذه الشخصيات لحرقها لا للاستفادة منها ومن مواهبها وقدراتها.
احتواء الأصوات المعارضة، وتدجينها، أصبحا عرفاً يتشارك في ذنب اقترافهما وممارستهما الجهات الرسمية والشخصيات المعنية نفسها، في مؤشر على فقدان البوصلة والإرادة في التغيير، ولأن قوانين اللعبة تتطلب القبول بها لدخول نادي الرؤساء والوزراء السابقين، في أمل أن يكون بعض منهم من الواعدين اللاحقين.
وتعدو الجلسات التي يتردد بها كلمات أصحاب الدولة وأصحاب المعالي، أكثر أهمية من القرارات المصيرية، وأثمن الحفاظ على الولاية العامة والاستقلالية.
فالولاية العامة؛ هي من أهم شروط رئاسة ناجحة، تتطلب تحدياً حقيقياً ، ولا أعني هنا مساهمة مؤسسات الدولة وأجهزتها في صنع القرار، من حيث توفير المعلومات وتقويم الأوضاع بعلمية، بل أعني سياسة الإملاء، تفترض جرأة أدبية وأخلاقية عالية، جرى تطويعها ليس فقط بأساليب الترغيب والترهيب، بل وطمسها بقيم مشوهة تُغَلِّب الوجاهة على الشجاعة، والمحسوبية على المسؤولية الوطنية.
تجربة رئيس الوزراء السابق الدكتور عون الخصاونة، الذي انتقدتُ وعارضتُ بعض سياساته في هذه الزاوية، دلت على أن قوانين اللعبة لا تتحمل التزام الحدود الدنيا من الولاية العامة حتى من قبل الشخصيات الموالية تاريخيا، والتي جاءت أصلاً من صلب النظام.
لكن الأهم ، هو التزام برنامج إنقاذ وطني واضح المعالم والتفاصيل، في ظل توافق وطني، إن لم يتوفر الإجماع، لعبور مرحلة حرجة ليست بسبب الأزمة السياسية الاقتصادية فحسب، بل لأن الضغوط الخارجية مرشحة إلى التصعيد على الأردن في خضم صراع المحاور الإقليمية المدعومة دولياً.
المشاورات الجارية، تستطيع أن تكون خطوة بالاتجاه الصحيح، إذا كان هناك استعداد جدي للاستماع والأخذ باقتراحات بديلة، للسياسات والإجراءات السياسية والاقتصادية التي تم فرضها، وأن لا يكون هدف البحث عن رئيس وزراء، هو إيجاد معادلة الترضية التقليدية، التي تحافظ على توازنات بين القوى والفئات المتنفذة، على حساب قضايا الناس والوطن.
المواطن معذور إذا لم ير في عملية البحث هذه أكثر من تسويق للأوهام لأن طبق البيض الذي ارتفع سعره، ما يجعله من مظاهر الترف لدى العائلات الفقيرة، مؤشر أكثر صدقية من أنباء الاجتماعات والمشاورات والتكهنات في بورصة الأسماء والمرشحين، التي لا تعني الكثير أمام قسوة الغلاء الحالي والمقبل.
عدا عن أن منصب رئيس الوزراء، فقد دلالة كبيرة، فالجميع يأتون للتنفيذ من دون رؤية، ولا يختلف رئيس عن آخر إلا بقدرته واستعداده على تحدي الإرادة والمعاناة الشعبيتين.
وما زلنا نتحدث عن مفاهيم "النزاهة والشجاعة"، في وقت يُجرى فيه تقزيمها واختصارها بالاستقواء على الشعب.
أفهم أن يحاول رئيس وزراء، كائن من كان، باعتماد سياسة المحاولة والفشل، لكن يجب أن يتحلى بالجرأة، لأن يعلن فشله ويستقيل علناً، ليس من قبيل المزاودة ، بل وفاء وارضاء للضمير، أو على الأقل أن يطالب بعرض الحقائق جميعها على الشعب، إذا كان المطلوب المشاركة في تحمل المسؤولية بما في ذلك التضحية والعطاء.
لكن المشاركة في تحمل المسؤولية ، تشترط المشاركة في صنع القرار، وقد تم ضرب هذا الشرط في الانتخابات النيابية، بفضل النظام الانتخابي، وبالتالي فإن التعويض عن ذلك يتطلب مصارحة ومكاشفة، داخل وخارج أروقة مجلس النواب والحكومة .
ليس لدي أوهام، لكنني أطالب الرئيس الجديد ولا يهمني كثيرا من يكون، وأتحداه أن يعطي وعدا بالاستقالة إذا لم يقدر على التحدي، فذلك أكثر وأكثر وطنية، من الاستمرار في الطريق نفسه التي سار عليها مَنْ قَبلُه، لأن هناك فرقا بين القبول بالمنصب، وإغراءاته، والقبول بمسؤوليته، وهذا الفرق اسمه الشجاعة. العرب اليوم
صعوبة البحث عن رئيس وزراء جديد، لا تتعلق تماماً، بغياب وجوه ونخب قادرة على تحمل المسؤولية، بل لأن البحث يُجرى داخل "الصندوق نفسه"، عدا أن الصفة الأولى التي يتم إعطاؤها الأولوية، هي التخلي عن مواقف ومبادئ ورؤى، في حالة وجودها، والخضوع "للأمر الواقع".
يخطر في بالي أكثر من اسم، ليست كثيرة لكنها موجودة، من شخصيات ذات مصداقية ونزاهة، ومؤهلة لتبوؤ المنصب، لكن بصراحة لا أتمنى ذلك الخيار لأي منها، في الوقت الراهن، لأن العادة جرت باستقطاب مثل هذه الشخصيات لحرقها لا للاستفادة منها ومن مواهبها وقدراتها.
احتواء الأصوات المعارضة، وتدجينها، أصبحا عرفاً يتشارك في ذنب اقترافهما وممارستهما الجهات الرسمية والشخصيات المعنية نفسها، في مؤشر على فقدان البوصلة والإرادة في التغيير، ولأن قوانين اللعبة تتطلب القبول بها لدخول نادي الرؤساء والوزراء السابقين، في أمل أن يكون بعض منهم من الواعدين اللاحقين.
وتعدو الجلسات التي يتردد بها كلمات أصحاب الدولة وأصحاب المعالي، أكثر أهمية من القرارات المصيرية، وأثمن الحفاظ على الولاية العامة والاستقلالية.
فالولاية العامة؛ هي من أهم شروط رئاسة ناجحة، تتطلب تحدياً حقيقياً ، ولا أعني هنا مساهمة مؤسسات الدولة وأجهزتها في صنع القرار، من حيث توفير المعلومات وتقويم الأوضاع بعلمية، بل أعني سياسة الإملاء، تفترض جرأة أدبية وأخلاقية عالية، جرى تطويعها ليس فقط بأساليب الترغيب والترهيب، بل وطمسها بقيم مشوهة تُغَلِّب الوجاهة على الشجاعة، والمحسوبية على المسؤولية الوطنية.
تجربة رئيس الوزراء السابق الدكتور عون الخصاونة، الذي انتقدتُ وعارضتُ بعض سياساته في هذه الزاوية، دلت على أن قوانين اللعبة لا تتحمل التزام الحدود الدنيا من الولاية العامة حتى من قبل الشخصيات الموالية تاريخيا، والتي جاءت أصلاً من صلب النظام.
لكن الأهم ، هو التزام برنامج إنقاذ وطني واضح المعالم والتفاصيل، في ظل توافق وطني، إن لم يتوفر الإجماع، لعبور مرحلة حرجة ليست بسبب الأزمة السياسية الاقتصادية فحسب، بل لأن الضغوط الخارجية مرشحة إلى التصعيد على الأردن في خضم صراع المحاور الإقليمية المدعومة دولياً.
المشاورات الجارية، تستطيع أن تكون خطوة بالاتجاه الصحيح، إذا كان هناك استعداد جدي للاستماع والأخذ باقتراحات بديلة، للسياسات والإجراءات السياسية والاقتصادية التي تم فرضها، وأن لا يكون هدف البحث عن رئيس وزراء، هو إيجاد معادلة الترضية التقليدية، التي تحافظ على توازنات بين القوى والفئات المتنفذة، على حساب قضايا الناس والوطن.
المواطن معذور إذا لم ير في عملية البحث هذه أكثر من تسويق للأوهام لأن طبق البيض الذي ارتفع سعره، ما يجعله من مظاهر الترف لدى العائلات الفقيرة، مؤشر أكثر صدقية من أنباء الاجتماعات والمشاورات والتكهنات في بورصة الأسماء والمرشحين، التي لا تعني الكثير أمام قسوة الغلاء الحالي والمقبل.
عدا عن أن منصب رئيس الوزراء، فقد دلالة كبيرة، فالجميع يأتون للتنفيذ من دون رؤية، ولا يختلف رئيس عن آخر إلا بقدرته واستعداده على تحدي الإرادة والمعاناة الشعبيتين.
وما زلنا نتحدث عن مفاهيم "النزاهة والشجاعة"، في وقت يُجرى فيه تقزيمها واختصارها بالاستقواء على الشعب.
أفهم أن يحاول رئيس وزراء، كائن من كان، باعتماد سياسة المحاولة والفشل، لكن يجب أن يتحلى بالجرأة، لأن يعلن فشله ويستقيل علناً، ليس من قبيل المزاودة ، بل وفاء وارضاء للضمير، أو على الأقل أن يطالب بعرض الحقائق جميعها على الشعب، إذا كان المطلوب المشاركة في تحمل المسؤولية بما في ذلك التضحية والعطاء.
لكن المشاركة في تحمل المسؤولية ، تشترط المشاركة في صنع القرار، وقد تم ضرب هذا الشرط في الانتخابات النيابية، بفضل النظام الانتخابي، وبالتالي فإن التعويض عن ذلك يتطلب مصارحة ومكاشفة، داخل وخارج أروقة مجلس النواب والحكومة .
ليس لدي أوهام، لكنني أطالب الرئيس الجديد ولا يهمني كثيرا من يكون، وأتحداه أن يعطي وعدا بالاستقالة إذا لم يقدر على التحدي، فذلك أكثر وأكثر وطنية، من الاستمرار في الطريق نفسه التي سار عليها مَنْ قَبلُه، لأن هناك فرقا بين القبول بالمنصب، وإغراءاته، والقبول بمسؤوليته، وهذا الفرق اسمه الشجاعة. العرب اليوم