jo24_banner
jo24_banner

الجنرال

ماهر أبو طير
جو 24 : ليس اسوأ من السلطة، الا جنون السلطة، وبرغم نماذج لا تعد ولا تحصى، في حياتنا، عن جنون الذين يجلسون في السلطة، وكيف يتجرعون المرارة بعد الخروج من السلطة، الا ان كثرة لا تتعلم، لا من الموتى، ولا من الذين يسقطون عن كراسيهم؟!.

ذات مرة خلال عام 2001 التقيت وزميل، رئيسا سابقا لليمن، واخفي اسمه لاعتباراتي، والرئيس كان قد تم طرده من السلطة بانقلاب، وزميلي الذي كان في اليمن لحظة الانقلاب، اصطحبه الانقلابيون مع نفر من الصحفيين الى بيت الرئيس، والزميل يروي للرئيس كيف كان عسكر الانقلاب يعبثون بخزانة ملابس زوجته، وينثرون ملابسها الداخلية في استهتار ومتعة غير مسبوقين؟!.

الرئيس جن جنونه خلال الجلسة، وعيناه تفجرتا من الغضب، وعليك ان تتخيل لو عاد الى السلطة، وماذا سيفعل امام مشهد استباحة خصوصيات زوجته، وهي السلطة اللعينة، اذ كانت في يده، فلم يرحم غيره، وحين انتقلت الى غيره، لم يرحموه؟!.

في مرة اخرى وعلى متن الطائرة من واشنطن الى لندن مطلع عام 2012، جلس الى جانبي ايراني كبير في السن، واذ يتحدث يروي لك انه كان جنرالا مرافقا لشاه ايران، وانه حين سقط الشاه، هرب الى تركيا مشيا، ومنها الى الولايات المتحدة، حيث عمل عدة سنوات سائقا لسيارة تاكسي ينقل الركاب من مطار دالاس في واشنطن.

تدمع عيناه وهو يتحدث عن فروقات الحياة، فمن جنرال مرافق لشاه ايران، ومن صاحب سلطة، يتحول الى سائق تاكسي في مطار دالاس في واشنطن، فيتلقى البقشيش برحابة صدر لانه يريد ان يعيش، ونمضي نصف الساعات الثماني من واشنطن الى لندن وهو يروي لك حكايات السقوط من السلطة.

في قصة اخرى عام 1997 يدور الرئيس السوداني الراحل النميري، على مشعوذي العرب في اوروبا، بحثا عن مشعوذ يعيده الى السلطة، فينهبون ماله، ويصورونه وهو في جلسات السحر، لاستعادة موقعه المسلوب، فيتم ابتزازه، والنميري الذي كان يتسلل ليلا الى بيت مشعوذ محتال، في برلين في المانيا، لا يحقق غايته، بل ينفق مال الحرام في الحرام، وقد رحل لاحقاً، كما رحل مشعوذه.

في رابعة الحكايات وعلى متن الطائرة البريطانية القادمة الى عمان، يتكور الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف، على كرسيه بعد ان فقد موقعه، ومعه مرافق واحد، واذ اذهب للسلام عليه، يضطرب، فالخوف من الاغتيالات، في السماء كما في الارض، واذ تقرأ وجه الرجل تكتشف ان الرجال خارج السلطة يتحولون الى اشباح مذعورة، لا تنام ليلها وهي تحلم بالعودة الى السلطة.

هي السلطة، يقتلون ويسرقون، ويقدمون الخدمات لكل اجهزة العالم، لا يتركون درهما ولا دولارا ولا قطعة ذهب الا ويتم مد اليد اليها، كل الوسائل حلال عندهم، من التجسس الى فرق الاغتيالات، الى هتك حرمات شعوبهم، مرورا بالشعوذة والتصفيات، هي السلطة اللعينة، التي لا يفهم من هو فيها، ان الايام ستركله وسيخرج، برضاه او بقهر السماء اوالارض.

ذات مرة عام 1998 وكنت في لندن برفقة اعضاء في مجلس الاعيان الاردني في زيارة للخارجية البريطانية، واذ ذهبت برفقة احدهم للتنزه صباحاً في حديقة الهايد البارك، تأملت وجه رئيس وزراء بريطانيا العظمى، جون ميجر، يركب دراجته الهوائية، وكان قد خرج من موقعه للتو، يستمتع برياضته الصباحية، دون حرس، ودون خوف من احد.

السبب معروف، لم يستبد في سلطته، ولم يعتبرها اداة لقهر الاخرين، ولم يعتبرها مكسبا او ارثا شخصيا، بل استعد جيدا لهذه الساعة، وخطط لها فلا مظالم في عنقه، ولا دماء، ولا حقوق لشعبه.

«إذا أردت أن تختبر شخصية الرجل، أعطه السلطة». أبراهام لنكولين.الدستور
تابعو الأردن 24 على google news