والفتنة أشد من القتل
محمد خازر المجالي
جو 24 :
يحار أحدنا فيما يجري في المنطقة عموما، هي بلا شك أحداث مؤلمة، وربما حرب عالمية لا سمح الله، مؤامرات على القضية الفلسطينية، وتخدير للشعوب بمشاريع تنموية عملاقة لإلهائها عن حقوقها، وفي حقيقة الأمر تحقيق لمصالح إسرائيلية، ومزيد من الهيمنة الغربية على مقدّرات الشعوب العربية، وتحكم أكثر في القرار العربي، أو لنقل: وجه جديد من استعمار بل استحمار الشعوب العربية.
تؤلمنا الأحداث العنيفة الدموية في سوريا، وتؤلمنا الجرأة الصهيونية على أقصانا وقدسنا، وتحيّرنا أوضاع مصر وليبيا واليمن وحصار قطر، ولا نَعجب كثيرا من حال العراق الذي يكشف فيه الشيعة عن حقيقة أمرهم وأهدافهم، كل ذلك مقلق بلا شك، خاصة وأن فينا سماعين لأعدائنا ممن جندوا أنفسهم لخدمتهم وتسيير مخططاتهم، فالخطورة تزداد مع وجود أهل النفاق، أو ما يسمى بالطابور الخامس الجاهز لأية إشاعة، وربما الملبي لأي ناعق يريد ببلدنا التردي والانمحاق.
لا شك أن في أردننا تراكمات من أخطاء نتيجة لسياسات إن أحسنا الظن فيها فهي اجتهادات خاطئة لم تعالَج، وإن أسأنا الظن فهي حظوظ نفس ومصالح شخصية على حساب أمن وطن وكرامة مواطن، أدت إلى شبه انهيار اقتصادي، وأن يصبح الفساد ثقافة اعتيادية، وبغض النظر عن ذلك كله، فنحن أمام واقع شديد الحساسية، أوضاع خارجية مؤلمة، وأوضاع داخلية مقلقة، تطورت إلى حراكات ذات سقوف عالية جدا، تهدد كيان الوطن الذي هو نظام وأرض وإنسان.
والمصيبة أن الثقة مفقودة بين المواطن وحكومته ونوّابه، نتيجة لتراكم هذه السياسات الفاشلة، والإصرار على وجوه بعينها تبعث على التقزز واليأس من وجودها، فالمنهجية واحدة، والوسائل تكاد تكون جامدة، بل هناك استفزاز للمواطن حين تتناقض السياسات الاقتصادية مثلا، حين يكون الوضع صعبا وفي الوقت نفسه نرى الإسراف والهدر العام للمال واللامبالاة في التعيينات والمحسوبية، وعدم إحداث أي علاج لملفات فساد كبيرة يعرفها الجميع، فهذا يزيد في يأس المواطن، ولولا إيمانه بالله تعالى، وصبره الفائق، وارتباطه بنظام يتنسّم من خلاله عبق النبوة، ويتطلع من خلاله إلى مزيد من الحرية والتألق، لربما انهار الأردن، فلا نريد أن نسير في هدمه.
من حق المواطن أن يطمئن على حقيقة وضعه السياسي والاقتصادي، فضلا عن مستقبل أجياله، فقد ازدادت الإشاعات والتخوفات من مصيره وسط هذه الأحداث، ونثمّن عاليا موقف جلالة الملك من قضية القدس، وتقديم المبادئ على المصالح، وهذه لن يضيّعها الله تعالى، فلا أحد يدري ما في قابل الأيام، ولكننا نطمئن إن كنا على الحق، أما غير ذلك فهو القلق ولو ملكنا أسباب المال والمراوغة السياسية، فالزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.
نداء إلى الأردنيين أن يعوا أن الفوضى السياسية على وجه التحديد لا تأت بخير، بل هي الفتنة التي هي أشد وأكبر من القتل، والحفاظ على رأس النظام أمر مهم بل شرعي، ولا يعني هذا عدم النصح له بالحق ونقده، فالدين النصيحة كما قال صلى الله عليه وسلم، ومنها النصح لأئمة المسلمين وعامتهم، وقال أبو نعيم الأصفهاني: "من نصح الولاة والأمراء اهتدى، ومن غشهم غوى واعتدى"، وللنصيحة آداب ليس مجالها الآن.
نعم، وصل الأمر إلى درجة من الإحباط والقلق لا نختلف عليها، وقصّر كثيرون حين سكتوا عن الخطأ تلو الآخر، وجاملوا أو خافوا أو أخفوا، لتكون الضحية وطن ومواطن معا، ولكن ما زال في الأفق أمل، ولا نريد أن نغامر ونسمع لكثيرين لا يريدون خيرا لهذا الوطن، فلا نسهم في مزيد من تهديده حين تحركنا أهواء خارجية، ومبادئ تتنافى وثقافة شعبنا، ونغتر بالشعارات، ولا نحسب للحقيقة حسابها الواقعي.
الخطأ لا يعالَج بالخطأ، طالب الغالبية بحكومة إنقاذ وطني رموزها مقبولون معروفون بنزاهتهم وولائهم لوطنهم، لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولكن لم يتم هذا، فطالبوا بجدية حكم ومحاصرة للفساد وهيبة للدولة وإصلاح ما بين الحكومة والمواطن وتعزيز ثقة شبه مفقودة، ولم يتم هذا، لأن المنهجية والعقلية لم تتغير كذلك، وطالب كثيرون بتفاعل أكثر بين القمة والقاعدة لمواجهة أخطار جسيمة كثيرة خارجية، ومع ذلك وكأن الأمر لا يعنينا، أقرّ بهذا كله، ومع ذلك فليس الحل بهذه الشعارات والهتافات والولاءات المكشوفة لأبواق خارجية هي التي تريد فعلا تسليم الوطن للفوضى، وبالتالي إلغاؤه.
لئن كانت هناك جريمة، فما يطلبه بعضنا جريمة أعظم، فهل يدرك النظام أولا شدة تمسك المواطنين به ليلتف كلّ على الآخر وننجو جميعا، والأمر لا يتحمل مكابرة فليس وقتها الآن، وهل يدرك أصحاب الهتافات عاقبة الأمور حين تنفلت الأمور ويحدث ما لا تحمد عقباه وربما يقتل بعضنا بعضا! فقد أكّد الإسلام أيما تأكيد على وجود رأس يلتف الناس حوله، فكما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما" لأنها علامة فوضى وفتنة، وحين نتذكر أن الصحابة شرعوا في اختيار الخليفة قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأهمية وجود الرأس.
حمى الله أردننا من الفتن، ومن أن تسود الفوضى، وأصلح الله الجميع: حاكما ومحكوما، لننهض بأردننا وأمتنا، وليس ذلك على الله بعزيز.