خبراء: الفهم الخاطئ للكرامة حول العنف إلى جريمة .. ووزارة التربية مطالبة بخطة طوارئ
جو 24 :
هديل الروابدة - عقب حادثة احدى مدارس المقابلين وإصابة طالب من مواليد عام 2004 بعيار ناري في قدمه، انصدم الشارع الاردني ظهر اليوم الأربعاء بمشاجرة بين طالبين من مواليد عام 2001 في منطقة أبو نصير استدعى على اثرها احدهما اصدقاءه من خارج المدرسة ليقوم أحدهم -عشريني- باطلاق النار على رأس الفتى ويصيبه بعيار ناري.
آثار الصدمة سيطرت على المجتمع الذي لم يعتد أن يتجاوز عراك الأطفال التشابك بالأيدي قبل تفريقهم، فيما أكد خبراء ومختصون ضرورة أن تعلن وزارة التربية والتعليم حالة الطوارئ في مدارسها والمدارس الخاصة التي تشهد حالات تنمّر أيضا..
السعودي: الاسرة والتعليم
وزير التربية والتعليم الأسبق، الدكتور فايز السعودي، أكد على أن الأسرة والتعليم هما السببان الرئيسان في تطور التنمر لدى الطفل في ظل الظروف المعاصرة، لافتاً إلى عدم وجود معايير تضبط استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف السعودي إن الطالب يعاني من عدم توازن داخلي لما يعانيه من تعليم يفتقر إلى برامج الإبداع و يعتمد على التلقين في ظل البيئات المتناقضة في البيت والمدرسة، موضحاً أن " العالم أصبح يعيش في جهاز يوضع في جيب الإنسان ".
ويشير إلى تقصير وزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المحلي والمؤسسات الثقافية والدينية من خلال الإشراف وبناء القيم والمبادئ للطلاب في ظل الظروف التي تحيط بالطالب، لافتاً أن استمرار تقاعس هذه المؤسسات سيطور مظاهر العنف لأخطر مما وصلنا له.
ويؤكد السعودي، على ضرورة تعاون وزارة التنمية الاجتماعية ومجلس الأسرة الأردني، ومؤسسات المجتمع المدني، على الإشراف والتفاعل مع الأسرة ومتابعة عناية الأطفال لبناء قيم وضوابط اجتماعية، من خلال برامج تنمي القدرات العقلية وتحفز الإبداع و قدرات الذكاء .
فهم خاطئ للكرامة
وفي هذا المضمار، يرى دكتور علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن الفهم الخاطئ للكرامة وإثبات النفس لدى طلبة الجامعات والمدارس أجج شعورهم بأن أي سلوك أو نظرة عابرة من زملائهم هي انتقاص وإهانة لكرامتهم.
ومع غياب الرقابة من قبل الأهل وضعف التوعية المدرسية، وتوفر أدوات العنف ووجود السلاح في متناول أيديهم تحولت ظاهرة العنف إلى إجرام، بحسب ما قال الخزاعي لـ الاردن24.
ويضيف الخزاعي، كان من الواجب أن تعلن وزارة التربية والتعليم حالة الطوارئ في المدارس جميعها منذ أول حالة إطلاق نار بين الطلاب الأسبوع الماضي في إحدى مدارس منطقة المقابلين، وأن تعمم وتكثف الدروس القيمية، وتشرح خطورة هذه الظاهرة، والتركيز على حرمة إيذاء الإنسان لآخر وتنافي هذه السلوكيات مع النظرة الدينية التي تعتبر المجتمع كالجسد الواحد، والتذكير بالقيم المجتمعية والتربوية بين أفراد المجتمع، حتى لا تتكرر هذه السلوكيات الخطرة.
وفي ذات السياق، يؤكد على ضرورة أن تحل خلافات الطلبة التي غالباً تبدأ داخل أسوار المدرسة، حتى لا تتطور وتأخذ أبعاد أخرى وتمتد إلى خارج أسوارها، و يبدأ نظام الفزعات لطرفي الخلاف ويقع المحظور مثلما حصل هذا اليوم.
ويلفت الدكتور الخزاعي إلى أن الرضوخ للواسطات و الجاهات و الصلحات لإنهاء هذه القضايا، كان سبباً لتكرار الجريمة والعنف، فبحسبه "من أمن العقوبة أساء الأدب"، وشدد على ضرورة أن يحاسب المخطئ وأن يأخذ جزاءه ليكون رادعاً لغيره .
المحيط العربي الملتهب أجج العنف والعدوانية
من جانبه يؤكد استشاري الطب النفسي الدكتور فائق شعبان أن ظاهرة العنف المدرسي باتت بحاجة إلى دراسة معمقة و تكاتف الجهود من جميع الأطراف لبحث حلول جذرية ناجعة .
ويقول إن أصل المشكلة يقع على عاتق اللبنة الأولى في هذه المجتمع "الأسرة"، فالتوجيه الخاطئ من قبل الأهل بأخذ الحق باليد والقوة بدلاً من الحوار واللجوء إلى القانون، مع غياب الرقابة والإهمال على الأبناء أدى إلى ترسيخ مبدأ أن معيار القوة هي القوة الجسدية، في ظل الثقافة المجتمعية التي تعزز فكرة الواسطة والمحسوبية في أخذ الحق والتفوق على الآخر .
ويلفت شعبان، إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والألعاب الرقمية والنوعية الرديئة للمسلسلات والأفلام في تسويق العنف والسلاح والمخدرات والجنس على طبق من ذهب للمشاهد وطبع فكره أن هذه الصورة المثالية والحقيقية للرجولة.
ويضيف أن المحيط العربي والدولي الملتهب والحروب التي حولنا أدخلت المجتمع في حالة صدمة انبثق عنها سلوكيات عدوانية لدى ظهرت نتائجها بين الاطفال.
وتطرق شعبان إلى أن هذه السلوكيات أظهرت تفتتاً واضحاً بالترابط الإجتماعي، وخاصة في ظل غياب الوازع الديني والتربية الروحية والدينية الصحيحة.
ويختم حديثه لـ الأردن24، بضرورة إطلاق خطة تربوية أسرية دينية وقانونية، عبر مؤتمر وطني يجمع كل الأطراف لوضع حلول صارمة ومتوافقة لتعمل في بوتقة واحدة للخروج من هذه المعضلة المجتمعية المقلقة.
غياب القدوة
في ذات السياق، يؤكد الخبير التربوي مستشار المركز الوطني لتطوير المناهج محمود المساد، على غياب الجانب التربوي من الأسرة و مناهج التربية والتعليم، التي اقتصرت على التعليم ، والتحصيل العلمي الذي غابت عنه القيم، وضبط السلوك وتوجيهه، ساهم في انتشار ظواهر العنف والتنمر وتحويله إلى إجرام.
ويضيف أن القيم القليلة التي يتلقاها الطالب تعطى بطريقة التلقين وليس القدوة، والتعليم أصبح وظيفة منزوعة الدسم دون أي تعزيز للقيم.
ويوضح مساد أن ما انكشف من مظاهر العنف المزمن هو فقط 1% من حجم الظاهرة الحقيقي، وأن المشكلة امتداداتها ثقافية وتربوية ، ففي السابق كان العنف يقتصر على الكلمة وإن تطورت تصل إلى تشابك أيدي، أما الان بات الطالب يتجرأ على استخدام سلاح ناري، يحصل عليه غالباً من البيت.
وعن الإجراءات العلاجية الواجب اتباعها، يؤكد مساد على وجوب تضمين المناهج محتوً مشبع بالقيم، و تدريب المعلم ليكون المرشد والأب و ليتمثل هذه القيم ويمارسها، لتصبح التربية مبنية على محاكاة وتقمص شخصية المعلم وليس التلقين، والتركيز على التربية قبل التعليم، لبناء شخصية الطالب ، وتغيير مفهوم القوة عند الطلاب.