أطفال ورش الميكانيكا : "الاسترزاق" في أماكن يتربص بها الخطر
كتبت - نورة الزقلة
لم يدرك أحمد حسن ذو 12 ربيعاً، صاحب الجسد الصغير، أنه يمارس أسوأ أنواع العمل، حسب تصنيف منظمة العمل الدوليّة لعمالة الأطفال.
إذ انه و بحجمه الغضّ المرهق الملامح والمنهك القوى يتدلى تحت العربات ويتفقّد قطع الغيار، في ورشة للميكانيك دون تدريب أو تعليم أو حتى رعاية. فهو يعمل في بيئة تحفّها المخاطر الصحيّة، وملوثة بعوادم السيارات والدخان المسموم وزيوت المحركّات، ومثله كثيرون.
يغادر أحمد فصول الدرس " ليسترزق"- كما يقول- لكن مكان العمل لايتفق مع قدراته البدنيّة أو النفسيّة.
ولماذا ؟ لأن والده أجبره على العمل بحجة قصوره الدراسيّ وحاجته لمهنة مستقبليّة أجدى من الشهادات التعليمية !.
كشفت دراسة أجرتها دائرة الإحصاءات العامة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية 2007 حول عمالة الأطفال ان العدد الاجمالي للأطفال العاملين في المملكة يبلغ حوالي 32 ألف طفل، يتركز معظمهم في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية وتحديداً في كلّ من عمان والزرقاء وإربد.
وثمة أسباب قاهرة تدفع هؤلاء الأطفال للبحث عن العمل أهمها العوز والفقر والبؤس، و إجبار الاباء أبناءهم على العمل لضمان مصدر دخل إضافي للأسرة، فضلاً عن عدم وجود مخالفات حقيقية ومراقبة لمن يوظف طفل يعمل في مكان لايراعي به الطبيعة الجسمانية له.
وجود أحمد في بيئة خطرة يجعله عرضة للأضرار الصحيّة بسبب عوادم العربات والدخان السّام، كما و قد يكون عرضة لتحرشّات مشينة من الزوار المتوافدين لإصلاح سياراتهم ومضايقتهم له دون مراعاة لطفولته البريئة.
محمد ومازن ..نقيضان!
لكن ليس كل شيء بالاجبار، إذ ان محمد مبارك ، لم يجبَر على ترك المدرسة والتوجه الى الميكانيك، بل اختار مهنة والده التي امتهنها. كما انه يواظب على الدراسة. يعتبر محمد أن هذه المهنة لها مستقبلا ًوزبائن كثر، ويعتقد أن لا خطورة في العمل وهو بسن صغير ما دام والده معه يراقبه دائماً في الورشة ويحميه من أي مكروه.
لكن الطفل مازن المومني ذو العشرة أعوام ، يبكي بحرقة وهو يتحدثّ عن قصته، فوالده يضربه " كل ما رجوته الذهاب للمدرسة، لا يريدني أن أتعلم، بل يرسلني إلى الورشة لأقوم بشراء الدخّان له رغم أنهم يتحرّشون بي هناك .. ".
مازن خسر تعليمه مبكراً مثلما خسر طفولته، وهو الان مدمن على السجائر وأبوه يشجّعه على ذلك لانه " يجعل منه رجلاً"، كما يقول أبوه.
مسؤولية قبل الآوان...
و فيما يتعلق بتشغيل الأطفال، ليس الآباء وحدهم من يدفعون أبناءهم لذلك، فحازم العلي إبن الرابعة عشرة ربيعاً دافعه مختلف عمن سبقه من الأطفال فاليتم والحاجة إلى العمل بعد وفاة والده والإقامة في منزل الجد دفعاه الى الخروج للبحث عن عمل لاعالة أسرته الفقيرة .
وطبعا لا متسع للمدرسة في ظل مسؤولياته الجسام، فقرر الخروج من المدرسة من أجل لقمة العيش له ولأخته الصغيرة مهما تعرّض لمخاطر.
يقول حازم بثقة أنه "أصبح فناناً محترفاً بالورشة وأن ربّ العمل يحبه وهو بمثابة الأب يحميه ويشتري له الثياب ويطعمه أحسن الطعام".
أقربائي .. ويعملون عندي!
في مقابل ذلك، لا يجد صاحب ورشة، فضل عدم ذكر اسمه، ويعمل لديه أربعة أطفال ضرراً من تشغيل الصغار. لانه قريبهم، و ليسوا متفوقين تعليمياً فضلاً عن تسربهم الدائم من مدارسهم. لذا فمن الأفضل أن يستفيدوا في مهنة مستقبلية.
لا ينكر صاحب الورشة أن هؤلاء الأطفال منهم المدخّن ومنهم من يقوم بأعمال لا أخلاقية، لكنه يرد ذلك إلى عدم مراقبة الأهل أو صاحب العمل الذي تمتلئ ورشته بالأطفال.
ولأجل ذلك يشدد هذا الرجل على أن الحلّ الأمثل لدرء مثل هذه الآثار المؤسفة لعمل الطفل هو إبتعاث الأطفال للمدارس ومراقبتهم أسرياً لا إجبارهم على العمل في مكان قاسي البيئة لا يراعي طفولتهم.
الميكانيكا .. القطاع الأبرز في التشغيل
هذه القصص ليست غريبة ولا نادرة ، اذ تشير دراسة أجرتها دائرة الإحصاءات العامة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية عام 2007 حول عمالة الاطفال، أن المكاينيكا هي القطاع الأبرز لعمالة الاطفال حيث بلغت النسبة (40 %) وتتوزّع بقية النسب في عمل الأطفال بين الحدادة بنسبة (11 %) و النجارة بنسبة (10 %) و البيع بنسبة (7 %) وبنسبة مشابهة للأطفال العاملين في المطاعم والمخابز وغيرها.
أما عن أسباب تشجيع أصحاب العمل تشغيل الأطفال فهي متعددّه حسب نتائج الدراسة، أهمها انخفاض أجورهم فضلا عن إمكانية تشغيلهم لساعات طوال و توجيههم من دون الدخول معهم في نزاعات عمل.
ضرره أكبر
عمل الطفل له أضرار عميقة لا تقف على الطفل فقط بل تتعداه إلى المجتمع ككل، وأهم الأضرار التي يتعرض لها الأطفال الذين يعملون الورشات الميكانيكا هي مخاطر الالات الثقيلة والأصوات العالية التي تؤثر سماعياً بالإضافة للاضاءة الضعيفة، والتعرض للمواد الكيميائية، فضلاً عن المخاطر النفسيّة الجسيمة والوجود في بيئة غير رحمية، وبالمقابل حصولهم على أجور متدنيّة جداً تبلغ مابين 50 و80 دينارا شهرياً.
وفي هذا الصدد يقول مدير وحدة المساعدة القانونية في مركز عدالة لحقوق الانسان حسين العمري: "إن عمل الأطفال من حيث المبدأ غير محظور دولياً استناداً للمادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل اذا كان ضمن شروط و ضوابط بحيث لا يؤثر العمل على صحته النفسية و الجسدية أو يعرقل تعليمه". كما أن منظمة العمل الدولية حددت السن الأدنى لعمل الاطفال و هو 15 عاماً، والهدف من اباحة عمل الأطفال هو أن العمل يساعد في صقل شخصية الطفل، و من جانب اخر تعمل الآن لجان حقوق الطفل على التوصية برفع السن الادنى للعمل. .
لكن العمري أشار لوجود إشكاليات كبيرة في قانون العمل حيث ان عمل الأطفال يندرج تحت مسمى (التدريب المهني) كما أن قوانين العمل غير كافية لضمان حقوق الاطفال و بالتالي لا يمكن مقاضاة من يسئ للأطفال العاملين قانونياً أو حتى محاولة منع هذه الظاهرة .
*أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين