عكس الانطباع السائد!
تتبدّى المفاجأة في الوجبة الأولى من مشاورات رئيس الديوان الملكي د. فايز الطراونة، مع الكتل النيابية، في أنّه هو من يصرّ على ضرورة أن تقوم الكتل النيابية باقتراح اسم لموقع رئيس الوزراء، بينما ما تزال بعض الكتل النيابية تتهرّب من المسؤولية عبر فكرة "تفويض" الديوان الملكي، خوفاً من أن تقوم هي بتسمية رئيس وزراء وتتحمّل مسؤولية ذلك أمام الرأي العام!
وجه المفارقة الصارخ (هنا) أنّ المشاورات الأولية تتناقض تماماً مع الانطباع السائد لدى المعارضة ونخب سياسية، بأنّ الاسم جاهز لدى القصر، وما هذه المشاورات إلاّ شكلية؛ فرئيس الديوان أبلغ الكتل التي التقاها بكل وضوح أنّ الملك ينتظر اسماً محدّداً لموقع رئاسة الوزراء، وليس أفكاراً عامةً وفضفاضة!
الطريف في الأمر أنّ الكتل بدلاً من أن تقوم بمهمتها الواضحة والمحدّدة بالتوافق على اسم رئيس الوزراء، وهو الأمر الطبيعي في أي نظام برلماني في العالم، اكتفت بإبلاغ رئيس الديوان الملكي بمواصفات الرئيس؛ من مثل أن يكون نظيفاً ومحترماً، ويمتلك برنامجاً سياسياً واقتصادياً، ويشعر بالفقراء، وصاحب كفاءة. وهي مواصفات فضفاضة هلامية، تختلف معايير تطبيقها، وربما يعتقد أغلب أفراد الشعب أنّها تنطبق عليهم، بينما قد يختلف أفراد الكتلة النيابية نفسها على تعيين الشخص الذي يقترب من تطبيق هذه الشروط!
بانتظار الوجبة الثانية من المشاورات (التي ستنطلق يوم الخميس المقبل، وستشمل كتل: المستقبل، والوعد الحرّ، والجبهة الموحّدة، والوسط الإسلامي)، فإنّ رسائل يوم الأحد أضعفت سيناريو "التفويض"، وكذلك أفسدت فكرة الهروب من استحقاق التسمية عبر المواصفات، وأرسلت برسائل واضحة إلى مجلس النواب بأنّ المطلوب فعلاً، وليس شكلاً، تسمية رئيس وزراء، وأن يقوم الأخير باختيار أعضاء الحكومة.
اقترحنا أمس سيناريو "تسليف الثقة" للحكومة الحالية، لمدة شهر واحد (ريثما تستقر الكتل النيابية وتتطور تصوراتها للحكومة البرلمانية)، لمواجهة الاستحقاق الدستوري في العاشر من الشهر المقبل، إذ يقتضي أن تكون الحكومة قد تشكلت للتقدم لنيل ثقة المجلس في ذلك التاريخ. وهي فترة محدودة، لمهمة جديدة ودور معقّد ليست الكتل النيابية مهيأة ولا ناضجة بعد للقيام به. فلا يوجد هناك ما يمنع أن يمنح المجلس نفسه أسابيع أخرى لترسيم الآليات بصورة أوضح، ولتشكيل حكومة أكثر وضوحاً في برنامجها وأجندتها، بدلاً من تشكيل حكومة على وجه السرعة (كيفما اتفق)، وبدون إدراك واضح لأهدافها ولطبيعة المرحلة الجديدة!
على أيّ حال، إذا كان مثل هذا السيناريو غير مستساغ لدى النواب، وهنالك قلق من ظلاله على الرأي العام؛ فإنّ المشاورات الجارية تدفع بكل وضوح السادة النواب إلى "ترتيب البيت الداخلي"، والعمل على تشكيل ائتلافات أغلبية للتوافق مبدئياً على اسم رئيس الوزراء الذي من الممكن التوافق معه لاحقاً على أسماء الوزراء.
في حال نجحت كتل نيابية في تشكيل ائتلاف أغلبية، فمن المتوقع أن تتحول الكتل الأخرى إلى لعب دور "حكومة الظل" في المجلس، وهو ما قد يمثّل الخطوط الأولى لتقاليد المرحلة الجديدة.
هذا المخاض رغم أنّه أكثر تعقيداً، ويواجه صعوبات ومشكلات جمّة، مع مجلس نواب لا يمتلك الخبرة والمواصفات السياسية ليكون مؤهلاً لتشكيل حكومة برلمانية، فضلاً عن أن تنبثق من رحمه (كما تطالب الجبهة الموحّدة)؛ إلاّ أنّ ذلك أفضل كثيراً من سيناريو التفويض، وهو الوجه الآخر للعودة إلى الآليات القديمة البالية والتقليدية، وطريقة فاضحة للتهرب من المسؤولية الجديدة للمجلس. فما نريده أن تنبثق آليات جديدة وتقاليد مختلفة في تشكيل الحكومات، أو على أعضاء المجلس الاعتراف بأنّهم أضعف من هذه المسؤولية، ويستقيلوا لتشكيل مجلس أكثر أهلية وكفاءة، لديه القدرة على إفراز حكومة برلمانية حقيقية.