2024-04-16 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عيرتني بالشيب

ماهر أبو طير
جو 24 : منذ العام 1990، وهي تجلس هنا، عراقية في وسط البلد، كانت تبيع السجائر العراقية، سومر وغيرها من السجائر، وفي وسط البلد خبرناها ونحن طلبة نفر من الجامعة للتسكع، وكان نصيبنا من سجائرها الثقيلة انذآك نصيبا كبيراً.

ها هي مكانها، كدت أقول لها: ياسيدتي أنت هنا، منذ زمن طويل، والعراق تغير، وانت ما زلت هنا، هل سجائرك ما زالت ثقيلة، أم أن تعب العراق بات هوالأثقل هذه الأيام؟! لم اسألها، ولم تجب بطبيعة الحال.

بقيت واقفا نصف ساعة وأنا اتأمل وجهها العراقي الصبور، وأخذتني تلك اللحظات الى بغداد والبصرة والسليمانية، فتذكرت أول زيارة في حياتي الى بغداد، العام 1992، وكأني في ذاك اليوم كنت اكتشف القمر، لأن هذه بغداد، بنخلها وخيلها وكل قصتها.

تتأمل عراق اليوم، فتحزن بشدة، فأنت أمام عراق في الوسط وعراق في الجنوب وعراق في الشمال وعراق في الغرب، لكنك لا تنسى أن أبا حنيفة وموسى الكاظم ما زالا هنا. حسنا.الراحلون باقون، والأحياء يرتحلون من مكان الى آخر.

لا تجد أكرم من العراقي بين العرب، ورغم ذاك العنف في شخصيته أحيانا إلا أنه منبع الابداع الاول في مشرق العرب ومغربهم، فهناك اشهر الموسيقيين والمؤلفين والشعراء والرسامين والعلماء والفقهاء، وقسوة الشخصية العراقية يتم استبدالها بمواهب لا تراها في شعب آخر، وكأن الظاهر قسوة والباطن رقة وأدب وحب وعلم.

كدّت مع آخرين أن أموت بالرصاص ذات يوم عند الحدود العراقية الكويتية، واذ كانت عمليات حفر الخندق تجري بين البلدين، اشتبك مزارعو الطرفين بالرشاشات، ويومها تناثر الصحفيون على الأرض، خوفا من الموت.

إحداهن كانت صحفية فرنسية، كاد قلبها يتوقف من الهلع، فيما العرب يستغفرون، لكننا أمة أدمنت على الموت المجاني لأي سبب.

طلبت من العجوز العراقية التي أمامي سيجارة، أردتها ثقيلة حتى يتعب قلبي، فوق تعبه.اريد استذكار لحظات تبددت، أعطتني السيجارة وقالت: الشيب جميل عليك ياولدي، قالتها وتبسمت!.

لم أفهم مغزى الكلام، هل تتغزل العجوز بشيبي حقا، أم تقول لي إنني بت كهلا. سمعت صوت ناظم الغزالي يرد على اسئلتي مغنيا من بعيد «عيرتني بالشيب وهو وقار». لم اهتم برده. وبحثت عن مرآة اقرب سيارة متوقفة لاتأمل شيبي وقصدها الحقيقي.

ذات مرة في رمضان، كنا نتناول طعام الافطار برفقة وفد رسمي العام 2009، على مائدة رئيس الحكومة العراقية، كدت أتوسل لأقنع المرافقين العراقيين ان علي ان اذهب لشراء «العقيق والفيروز» من بغداد القديمة، فما استجابوا، وبقينا في المنطقة الخضراء، ألعن في سري، السجن في قصر رئاسي.

في قصر الكوفة هنا بئر ماء لعلي بن أبي طالب، اشرب شربة ماء منه العام 1995، واستسقي للكوفة ايضاً، واذ تهبط الطائرة قبيل حرب 2003 في مطار بغداد، ذات محاولة لكسر الحصار، تكتشف وانت الذي سافرت كثيرا، أنه لا مدينة في الدنيا جميلة من أعلى مثل بغداد. نخل وينابيع وانهار.

تركت العجوز بعباءتها السوداء، وبقيت افكر بقصدها إذ قالت إن شيبي جميل، وكدت أن أخط في باطن كفها حرفاً ونثراً سؤالا يقول: ياسيدتي، هل تشيب بغداد ايضاً، وهل شيبها جميل؟!.

لم أكتب لكنها أجابت دون أن اسأل: بغداد لا تشيب ابداً.الدستور
تابعو الأردن 24 على google news