هل هناك ما يستدعي الاحتفاظ بجودة وحسان في موقعيهما ؟!
كتب د. حسن البراري - حسنا فعل الزميل فهد الخيطان عندما ناقش فكرة ابقاء الوزيرين ناصر جودة وجعفر حسان في الحكومة المقبلة -في مقالته المنشورة في صحيفة الغد يوم الاربعاء الماضي- عارضا مسوغات بقائهما من عدمه.
الخيطان تطرق الى ظاهرة التغيير السريع للحكومات وكيف انها ساهمت في تعميق ازمتنا الاقتصادية وهذا كلام صحيح، فالأصل أن يبقى الوزير في منصبة لمدة كافية تسمح له بتبني برامج وخطط واليات عمل ربما تساهم في احداث التطور المنشود، عندها فقط يمكن للمراقبين تقييم اداء الحكومات والوزراء بشيء من الحرفية والمهنية والموضوعية. الخيطان صور ان هناك تناقضا بين هذه الحالة - التغيير السريع للحكومات- التي "يعترض الارنيون عليها" وموقفهم الرافض من حالة شائهة متعلقة بالاحتفاظ فقط بوزرين - من قبيل الاحترام للملك - وفرضهما على كل كل رئيس جديد . وهذا بالحقيقة امر لا تناقض فيه ولا علاقة البتة بين تلك الرغبة العارمة لدى الاردنيين باستقرار الحكومات وتمسك الملك بهذين الوزيرين بالتحديد .
اطلاق البعض- كما اشار الخيطان- تعبير "معالي الشعب الاردني" على ظاهرة كثرة التوزير دون معايير، تأتي في سياق التندر على كثرة تغيير الوزراء وبخاصة النوع الرديء منهم وهم الغالبية في السنوات الأخيرة، وكثرة التندر رافقها ايضا تراجع في المكانة العامة لموقع الوزير، فلم يعد الوزير شخصية عامة تحترم بشكل تلقائي، وغالبا ما يفقدوا الاحترام العام لضعفهم وامتثالهم لما هو مقرر مسبقا، ولتحقيق الكثير منهم امتيازات شخصية يمولها دافع الضرائب. لن اخوض هنا في اسباب تراجع مكانة المنصب العام وغياب "رجال الدولة" الحقيقيين عن المشهد .
وحتى ننضج الحوار اكثر حول هذه المسألة بالتحديد لا بد ان نطرح عددا من الاسئلة الهامة لمحاكمة فكرة التجديد للوزيرين العابرين للحكومات ، والسؤال الاهم في هذا السياق هو: هل ينزعج الأردنيون فعلا من بقائهما رغم التغيير السريع والمباغت الذي يطالب البقية دائما؟ والسؤال الآخر هو هل تفضي كثرة تغيير الحكومات إلى تغير في النهج غير الشعبي أم ان أنها تعبير عن سياسة تهدف الى امتصاص الاحتقانات الناتجة عن ضجر الناس من السياسات العامة وخلق وهم التغيير بطريقة تذكرنا بضيعة تشرين لدريد لحام؟
ولكن هناك من يطرح مقولة تفيد بأن الوزراء العابرين للحكومات هم كفاءات قل نظيرها وبالتالي يجب ان تبقى لضمان استمرار البرامج العابر للحكومات أيضا. وأي نظرة سريعة على تأهيلهم العلمي والعملي لا تعزز هذه المقولة، ومع ذلك يتساءل البعض عن المعايير التي يستند عليها من يعيد تعيينهم وزراء. ولو أخذنا ناصر جودة كمثال. نقول أن معايير نجاج الوزير هي في تحقيق اهداف السياسة الخارجية الاردنية. وقد كتبت لوري براند في منتصف تسعينيات القرن الماضي كتابا تقول فيه أن الهدف الاول للسياسة الخارجية الاردنية هو الحصول على مساعدات لتغطية العجز في الموازنة. وهنا نسأل، هل نجح ناصر جودة في ذلك، ام ان ارقام العجز والديون ارتفعت بشكل يهدد استقرار المملكة؟ وإذا لم ينجح في ذلك، فلماذا يبقى؟ النائب مصطفى الحمارنة يقول أن السياسة الخارجية هي بيد الملك وأن وزير الخارجية مجرد ناقل رسائل ويقترح ايضا ان يكون قرار تعيين وزير الخارجية للملك. ربما يفهم البعض من كلام الحمارنة تزكية اعادة تعيين ناصر جودة لكن المهم في كلامة أن وزير الخارجية لا يتحمل مسؤولية الاخفاقات في السياسية الخارجية على اعتبار انه ليس صانعا لها وانما ناقلا لرسائل الملك.
والمعيار الآخر في نجاح وزير الخارجية في ادارة دفة السياسة الخارجية هو تحقق هدف حل الدولتين الذي تراه النخب الحاكمة بأنه يصب في مصلحة الدولة العليا. وفي هذا السياق يمكن الحكم على أننا ابعد ما نكون عن حل الدولتين، والمفارقة تتجلي هنا بابشع صورها عندما يطرح البعض فكرة الخيار الاردني على شكل كونفدرالية او غيرها. والآن اذا اعتمدنا هذين المعيارين لتقييم اداء جودة فلن نجد اي سبب يدعونا الى اعادة تكليفه بملف الخارجية لاسيما بعد فشله الذريع في ملف المعتقلين الاردنيين في الخارج وعدم تمكنه من حل لغز اعتقال السلطات السعودية للمواطن خالد الناطور منذ 48 يوما !! نفس الكلام ينطبق على الوزير جعفر حسان اذا ما قمنا بفحص انجازات وزارته ومساهمات البرامج التي يجري تبنيها في التوزيع العادل لعوائد التنمية وتجسير الفجوة الهائلة بين المركز "عمان" و"الاطراف" بقية محافظات المملكة . والطامة الكبرى أن الوزراء العابرون للحكومات عادة ما يكونون اقوى من رئيس الحكومة نفسه، وقصة سفر وزير الخارجية دون حتى اعلام رئيس الحكومة معروفة ولم يضبطها سوى القاضي عون الخصاونة عندما وبخ وزير الخارجية وطلب منه ابلاغه عما يقوم به، وعندها امتثل الوزير لرغبة رئيسه حينها .
بكل المعايير الموضوعية في الدنيا لا يمكن الحديث عن الوزيرين العابرين للحكومات على اعتبار انهما يمتلكان مهارات غير متوفره في مئات الأردنيين، بل هذه الفئة على وجه التحديد هي مسؤولة عن اخفاقات اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية ندفع ثمنها جميعا ، فلماذا اذن يقبل المواطن الاردني ابقاءهم وتحويل البقية الى كومبارس يدخلون ويخرجون دون ان يفهموا لماذا كلفوا ولماذا جرى الاستغناء عنهم بهذه السرعة ؟ ورغم رفضنا لهذا التطبيق المجزوء والرغائبي البعيد عن اي مسوغ منطقي لفكرة استقرار الحكومات، فاننا نؤكد خطورة التوزير غير المستند الى اي معايير وكذلك التغيير السريع للحكومات لاسباب متعلقة بشراء المزيد من الوقت لتفويت فرصة الاصلاح ! باختصار، غابت المعايير وتسيد المشهد من لا يمتلك الكفاءة والمؤهلات، ولهذا تراجعت مكانة الموقع العام.وبات بقاء جودة وحسان مطلب لنخب معروفة لسبب واحد فقط بان ذلك يعجب صانع القرار.