أفلام ومهرجانات دولية توثق انتهاكات الفن السابع في خدمة حقوق الإنسان
إعداد وترجمة: إسراء الردايدة
عمان - سينما حقوق الإنسان؛ عالم من الأعمال السينمائية؛ الروائية والوثائقية؛ القصيرة والطويلة، التي تصور حقوق الإنسان والانتهاكات التي يتعرض لها الأفراد حول العالم، تمتاز بأنها تحمل طابع الصدق فيما تقدمه مهما كان نوعها.
وتأتي هذه الفئة من الأفلام لتعكس الحالة الفعلية التي تدور في دائرة هذه الحقوق، وقد تحوي شيئاً من التجربة، وأحيانا الكثير من القسوة وحتى الخيال.
ولا تخلو هذه الأفلام، في سعيها لتشخيص الواقع، من صور عنيفة وبشعة، وأخرى لحالات سلمية ومنها ما ينقل رسالة عاطفية، وحتى تقريراً لوضع صعب وعرضاً لأراء مجموعات أو أفراد، لأكبر عدد من المعنيين من أجل إلقاء الضوء على قضية ما، وإحداث تغيير فيها وإثارة الرأي العام والجهات المعنية في هذه الصلات.
وتبع الحاجة لهذا النوع من الأعمال لقوتها من حيث الصورة، فضلاً عن قوة السينما باعتبارها فن ومرآة تعكس حالة المجتمع بتطرقها لقضايا إنسانية واجتماعية.
وتلقي هذه الأعمال بظلالها على الحالة العامة بحسب المخرج والهدف، ومن هنا فإن الكثير من العاملين في مجال حقوق الإنسان، وحتى صناع السينما، وجدوا فيها قوة مضافة لإحداث تغيير في مجتمعاتهم من أجل وضع حد لكل انتهاك يمس البشرية وحقوقها التي يعود تاريخها للعام 1948.
وحتى ما قبل ذلك للعام 1855 والتي عرفت باتفاقية برلين وقبلها، بدأ مفهوم حقوق الإنسان بالظهور مع الثورة الفرنسية والأميركية. وتمتاز سينما حقوق الإنسان بسيطرة ثيمة "الصدق"، عليها ولو كانت خيالية بمعنى أنها تتطرق لمواضيع موجودة في الحياة اليومية ولو نسجت أحداثها من سرد الخيال؛ فالخيال لا يعني حقيقة ولكنه يعكسها بتلك الصور والكلمات التي يجسدها، كما أنه لا يخدم مصالح تجارية بل إنسانية بحتة.
والهدف من كل عمل بالعادة هو أن يحمل موقفاً ويدفع للتضامن ويحفز المجتمع والأفراد للانخراط في مناقشات سياسية وأخلاقية حوله، وهي أداة مصورة تحمل روحاً للتأثير في قلب مشاهدها ومن تصل إليه بدءاً من المنظمات الحقوقية المحلية، وحتى الدولية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان.
وبروايتها للوقائع، تبذل الأفلام من خلال قوة حضورها ومهرجاناتها المتعلقة بحقوق الإنسان عالمياً جهوداً واضحة للتعريف بهذه الحقوق، وتسليط الضوء على ما يدور في مختلف البقاع التي تتعرض لانتهاكات وحروب، وحتى من تهميشات مجتمعية للأفراد سياسياً واجتماعياً.
ومن هنا ترتبط الحياة اليومية وواقعها بما يقدم الفن السابع ليصبح أداة فعالة في المجتمع من خلال تقديمه فناً نادراً ولائقاً، ومحتوى قويًا يخاطب البشرية بمشاعرها ويحرك فيها دوافعها وغريزتها ويحفزها على النضال من أجل العادلة والمساواة وحماية النفس البشرية، ووضع حدأً ا لكل انتهاك يطول المدنيين.
وعلى هذا النطاق، نظمت العديد من المهرجانات العالمية احتفاء بالإنتاجات السينمائية التي تتمحور حول حقوق الإنسان، بدءا من بوينس آيريس براغ، باريس، نورمبرغ، بولونيا، أمستردام، وارسو، موسكو، سيول، برشلونة، جنيف، لندن، نيويورك،Burlington ، ومناطق أخرى في الولايات المتحدة.
وفي وقت لاحق ظهرت مهرجانات أصغر في دول مختلفة وخاصة في الوطن العربي ودول المغرب العربي، وجميعها تنبع من اهتمام المجتمعات المتنامي بالأداء الفعلي والحاجة لوضع حد لكل انتهاكات تتعرض لها البشرية بما في ذلك تلك المهرجانات التي تعقد في أمستردام، وكندا، وبلجيكا، والبرتغال، والبوسنة، تركيا ومولدوفا.
ووصل الحد إلى أن بعض المهرجانات العالمية خصصت جوائز لحقوق الإنسان، من خلال منظمات دولية مثل جمعية الفيلم السياسية الأمريكية التي خصصت جائزة منذ العام 1998. وغالبية هذه المهرجانات أنشأتها منظمات حقوق إنسان دولية ومحلية ومنظمات غير حكومية وجامعات ومؤسسات ثقافية وحكومات.
وتختلف مدة هذه المهرجانات التي تنظم بين أيام قليلة وأخرى تصل لأسبوعين وتعرض بين عشرة أفلام وحتى مئات، مع مناقشتها بحضور ناشطين حقوقيين وصناع سينما.
والغاية من هذه المهرجانات هي خلق وعي بأهمية حقوق الإنسان والمساهمة في تنمية المجتمعات المدنية، وعرض الجانب الآخر للأخبار والأفلام التجارية وتعزيز نوعية السينما لتصبح أداة فعالة في معالجة قضايا المجتمع وتنمية المهنية والاحترافية في هذا المجال والتأثير بمن حولهم في مجال حقوق الإنسان والنشطاء والسياسيين، والكتاب والصحفيين وغيرهم من صناع الرأي.
وتتوزع طبيعة الأعمال السينمائية بين روائية ووثائقية، والوثائقية منها لها أشكال مختلفة بين الصراع على السلطة ومناطق النزاع المسلح وقضايا العرق وانتهاكات حقوق الأطفال والتجارة بهم، وإجبار النساء على ممارسة البغاء كما في الهند وتايلند، وتجارة الرق في مالي والبرازيل، وجرائم الحرب في الشيشان وأفغانستان وفلسطين، والمذابح في البوسنة وتشيلي وليبريا، والعنف من الدولة ضد الشعب كما في المكسيك وجنوب إفريقيا.
وتصنف الأعمال الوثائقية في سينما حقوق الإنسان لأنواع مختلفة؛ النوع الأول منها ينتمي للأفلام الوثائقية التوضيحية 'explanatory' وهي توثق حالة خاصة في بلد معين أو موضوع ما ضمن مجموعة من المقابلات والصورة المثيرة للإعجاب والمميزة، وتحتوي زيارات ميدانية ومقابلات وتعليقات، أما أفلام الشجب والتي تعرف بـ" denunciatory" فهي أفلام تركز على إساءة معينه ونمط من الانتهاكات، وتوضح المسؤولية حول هذه الانتهاكات بشكل واضح. وعادة ما تشمل صور مفجعة وبشعة وقاسية وعنيفة تصدم المشاهد. ويمكن أن تصل مدتها لأربع ساعات، أو دقائق قليلة ولكنها عادة ما تكون ذات وقع قوي.
أما الأفلام البحثية الوثائقية أو "search"، ففيها يكون صانع الفيلم أشبه بمحقق خاص وتحري يحمل المشاهد خلال رحلة بحثه وتحقيقاته ويشاركه التفاصيل. ولا تقدم هذه الأفلام حداً قاطعاً، وتبقى الأسئلة الحاسمة مفتوحة دون إجابة عليها.
وهناك أيضا الأفلام التي تحمل شهادة أو 'testimonial'، وهي ذات طابع مجزأ وتفاصيل شخصية توضح المشكلة العامة.
وعلى صعيد الأفلام الروائية، التي تتعامل مع القضايا الرئيسية لحقوق الإنسان، فقد تحتوي على قائمة واسعة وأكثر شمولية تظهر الآثار المدمرة للصراعات السياسية، ومنها أفلام الحرب العالمية الأولى ومنها فيلم "Jaccuse" في العام 1919 للمخرج هابيل غانس، وفيلم تشارلي شابلن (The Great Dictator" (1940" من العام 1940 وفيه يتناول أحداث النازية لهتلر في ألمانيا وموسوليني في ايطاليا، وغيرها من الأعمال الكثيرة.
وتكتسب الأفلام الروائية أهميتها في توعية أكبر شريحة من الجماهير حول العالم، فيما يخص بانتهاكات حقوق الإنسان والعنف السياسي، وتناولت اضطهاد المرأة بطرق مختلفة والتمييز والعنف المنزلي والسياسي. وظلت هذه المواضيع غائبة بشكل واضح في الأفلام الروائية حتى الستينيات من القرن الماضي، لتتحول بعد ذلك إلى منجم خصب بدأ من هوليود، وحتى السينما الأوروبية المستقلة أو الواقعية، وسينما آسيا.
ومن هنا فإن كل عمل يحمل فناً بحد ذاته ورسالة تناقش محوراً أو قضية حقوقية إنسانية، لها وقعها وتختلف في طريقة عرضها. ولعل ما يدل على أهمية زيادة الوعي بكل هذه الحقوق وما يثبت فعاليتها هو استمرارية استحداث أعمال ومهرجانات دولية تعرض فيها هذه الإنتاجات الدولية.
*أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين