حين يكون عمل الفتاة نقمة عليها
وسط عتمة الحجرة التي تآلفت معها، تجلس منى شاهين ساعات طويلة قبل الخلود إلى النوم، تقضيها في التفكير بمصير حالها الذي رسمه لها والدها، حين تسبب بوصفها بلقب "عانس".
منى (وهو اسم مستعار)، كُتب عليها لقب "العانس" دون ذنب لها سوى حصولها على دخل شهري يصل قرابة 500 دينار، فكانت ضريبة ذلك رفض والدها لكل "عريس" يدق بابها للزواج، خوفاً من ذهاب "الغلة" إلى شخص غريب.
تقول منى، ذات الأربعة والثلاثين عاما، "في كثير من الأحيان أنام ودموعي على خدي فكل يوم يمر من عمري تقل فيه فرص الزواج."
منى لامانع لديها من أن تتزوج من أي عريس، حتى لو كان "يطمع" في دخلها الشهري إلا أن والدها يرفض كل عريس يأتيها "من الباب"، بعد رفض المتقدم للزواج لشرط والدها باستمرار الاستفادة من راتبها حتى بعد زواجها.
تقول منى، و الدمعة تقف في عينها والحزن يعتصر قلبها، "أشعر بأني مشروع مربح لكل من أراد الإحتفاظ بي"، وتعني بذلك والداها أو العريس، "دون مراعاة لمشاعري وكرامتي التي لطالما أهينت".
وكذلك هو حال تقوى صلاح، وهو اسم غير حقيقي أيضا، والتي تحلم كثيراً بالزواج وتكوين أسرة، إلا أن والدها وإخوتها يضعون عراقيل أمام زواجها كلما تقدم إليها شخص طالباً يدها للزواج.
تقوى التي احتفلت قبل نحو شهر بعيد ميلادها الواحد والثلاثين، تتخوف كثيرا من أن يفوتها قطار الزواج. وتتساءل "هل من العدل أن يكتب علي لقب عانس بمجرد أنني أحصل على 500 دينار كدخل شهري".
وتخجل تقوى، الحاصلة على شهادة بكالوريوس في العلوم الإدارية، من النقاش مع والدها حول أسباب رفضه للعريس، وبذلك لا تستطيع الإصرار على الزواج منه.
أما نوال، والتي تعمل مدرسة لغة إنجليزية، فهي الأخرى وقعت ضحية استغلال بعض الأهالي ممن يقومون بحرمان بناتهم من حقهن الزواج "طمعاً" براتبهن.
وتحصل نوال على دخل شهري قرابة 400 دينار، تعيل به أسرتها المكونة من أب و3 أخوة رغم أن أخوتها موظفون ووالدها يحصل على راتب تقاعدي.
وتقول نوال، وعمرها تجاوز الثلاثين عاماً، إنها ضحية ظلم الأهل وتحكمهم بمصير الأبناء، مسلّمة أمرها لله فلا حيلة لها لخوض مشاكل مع والدها الذي حرمها من أبسط حقوقها بقصد الانتفاع من راتبها الشهري.
ويتعارض حرمان كل من نوال وتقوى ومنى من حقهن بالزواج، مع المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.
ويؤكد الخبير المستقل في حقوق الإنسان ورئيس مرصد الإنسان والبيئة، طالب السقاف أن حرمان الفتاة من الزواج لأنها تعيل الأسرة يعتبر ظاهرة منتشرة في المجتمعات المدنية التي تكثر فيها فرص العمل خلافاً عن المحافظات، لافتاً إلى أن عمل الفتاة "قد يكون كذلك سبباً كبيراً لزواجها في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة".
ويوضح السقَّاف أن حرمان الفتاة من الزواج مهما كانت أسبابه يتعارض كذلك مع الحق الذي شرعه لها الدين الإسلامي، والذي يعبر عنه بمصطلح "عضل الولي" والذي يقصد به منع ولي المرأة لها من التزويج بكفئها.
ويلفت إلى أنه في مثل تلك الحالة ينتقل الحق في التزويج إلى القاضي رغم عدم موافقة ولي الفتاة سواء كان جداً أم أباً أم اخاً.
ويبيّن السقاف أن ولي أمر الفتاة قد يلجأ إلى أي وسيلة ضغط على إبنته لمنعها من الزواج كأن يقوم بإستغلال عاطفتها على إخوتها ومصير حالهم في حال تزوجت هي.
وتقول الصحافية والناشطة في حقوق الإنسان، رنا الحسيني، إن حق المرأة في الزواج حق شرعه لها الدين ومنصوص عليه في حقوق الإنسان، مشددة على أن حرمانها من هذا الحق يخالف الدين ويتعارض مع حقوق الإنسان.
وتبيّن أن حرمان الفتاة من الزواج دون أخذ رأيها ظاهرة موجودة في مختلف المجتمعات، مشيرة إلى أن الفتاة في مثل تلك الحالات توافق على ذلك بداعي الخجل الذي يميز الفتاة العربية عن الفتاة الأجنبية.
*أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين