jo24_banner
jo24_banner

بني سلامه:انسداد الأفق الإصلاحي سيقودنا الى سلطة مطلقة ومجتمع عاجز

بني سلامه:انسداد  الأفق الإصلاحي سيقودنا الى سلطة مطلقة ومجتمع عاجز
جو 24 :
* من سوء التقدير أن يركن الحكم  إلى الطابور الذي يعاند إرادة الشعب والتاريخ 


نشرت المجلة الدولية World Affairs Journal التي تصدر في الولايات المتحدة الامريكية باللغة الانجليزية دراسة علمية  للاستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك بعنوان: الإصلاح السياسي في الأردن : واقع وتطلعات. حيث هدفت الدراسة إلى التعرف على مفهوم الإصلاح السياسي والياته، وكذلك التعرف على دوافع الإصلاح السياسي في الأردن واستعراض محطات الإصلاح السياسي في عهدي الملك حسين والملك عبد الله الثاني.

كما هدفت إلى التعرف على معوقات الإصلاح السياسي في الأردن وكذلك سعت الدراسة إلى تقديم خريطة طريق تحدد ملامح الإصلاح السياسي المنشود في البلاد.

وبينت الدراسة بان موضوع الإصلاح السياسي يأتي على رأس أجندة الخطاب السياسي الأردني بشقيه الرسمي والشعبي منذ استئناف الأردن لمسيرة الديمقراطية بعد هبة نسيان في العام 1989  ، وبالرغم من الإجماع على موضوع الإصلاح السياسي في البلاد، إلا انه لا زال معضلة ولغز محير، يكتنفه الغموض، وتنقسم حوله الآراء حيث يحتدم النقاش ويثور الجدل. فمن الناس من يعتقد أن الإصلاح في الأردن قد بدا قبل قيام الدولة الأردنية في إشارة إلى الثورة العربية الكبرى عام 1916 باعتبارها بداية مسيرة الإصلاح والنهوض بالأمة العربية والأردن جزء منها، ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن كل ما تم انجازه منذ إنشاء الدولة الأردنية عام 1921 حتى الوقت الحاضر هو إصلاح ويعود الفضل في تحقيقه أولا وأخيرا إلى النظام السياسي، ولا يقبل هذا الفريق من أي إنسان أي انتقاد للنظام السياسي معتبرا أن مثل هذا النقد من شانه أن يمس بالاستقرار السياسي، والإصلاح السياسي ليس أولوية لهذا الفريق الذي يناؤ الإصلاح ويسعى للحفاظ على الوضع القائم لحماية مصالحه والاستفادة من استمرار الأوضاع على ما هي عليه لتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحقيقة أن مسار الأحداث في البلاد اثبت أن أصحاب هذا الفريق الذي يعرف بالقوى المحافظة او بتيار الشد العكسي او الحرس القديم هو الأعلى صوتا والأكثر تأثيرا على عملية صنع القرار. 

كما اوضحت الدراسة موقف الفريق الثاني والذي يمثل الأغلبية الصامتة في ألمجتمع والذي لديه نظرة مناقضة للفريق الأول، حيث يضع أنصار هذا الفريق الإصلاح السياسي على رأس الأولويات من اجل تحقيق التطور السياسي والتنموي فيسعى أنصار هذا الفريق إلى تغيير الأوضاع السياسية القائمة باتجاه انتقال سياسي وسلمي إلى ملكية دستورية وحكومة برلمانية، وبالمحصلة دولة مدنية ديمقراطية وتعددية، ويرى هذا الفريق أن تسريع وتيرة الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد هي ضرورة ومصلحة للنظام والمجتمع على حد سواء ، حيث أنها تعزز شرعية النظام السياسي من جهة وتلبي التطلعات والمطالب الشعبية من جهة أخرى ، ولا سيما أن النظام السياسي يحظى بإجماع من قبل كافة أفراد المجتمع الأردني. حيث يرى أنصار هذا الفريق أن الإصلاح لا يتحقق إلا في ظل تعديلات دستورية جوهرية وحقيقية، فالمدخل إلى أي إصلاح حقيقي يجب أن يكون دستوريا، عبر إصلاح دستوري شامل وعميق، فالإصلاح الدستوري هو الخطوة الأولى لكافة الإصلاحات الأخرى، والإصلاح الدستوري المنشود من قبل أنصار هذا الفريق هو الذي يقوم على المبادئ الديمقراطية وعلى رأسها  مبدأ الأمة مصدر السلطات فلا سيادة لفرد أو قلة على الشعب، كما انه لا بد من فصل حقيقي للسلطات، ووضع نهاية لتغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات، وربط مبدأ ممارسة السلطة بالمسؤولية، واستعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها وعلى رأسها البرلمان عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة ودورية تنتج برلمان قوي وفاعل يمارس الدور المنوط في الرقابة والتشريع وغير خاضع  لاملاءات أيه جهات أخرى  ، وتشكيل حكومة برلمانية، وغير ذلك من تقاليد النظام البرلماني مما يؤدي في المحصلة إلى إنشاء دولة المؤسسات والقانون، وإقامة مجتمع العدالة والمساواة والمواطنة، وأخيرا محاربة كافة أشكال الفساد. 

وكشفت الدراسة انه بين هذين الفريقين، يقف النظام السياسي في منتصف الطريق فيقوم بين الحين والآخر بتقديم بعض الأفكار الإصلاحية المشوبة بالبطء والحذر ألشديد وكأنه يمارس التمويه والمماطلة  والعمل على إخفاء حقيقة استمرارية الوضع القائم، فجل الإصلاحات التي أنجزت تمثل الحد الأدنى الذي يجعل الإصلاح عنيد أو عصي على اختراق مفاصل الدولة العميقة، فالإصلاحات والتعديلات الدستورية التي جاءت في مرحلة ما، تم التراجع عنها لاحقا، ومجملها اصلاحات شكلية قبل بها النظام ولا تعدو أن تكون إلا أدوات لتكريس الاستبداد والحكم  المطلق في ظل نظام مغلف بطابع برلماني وتعددية حزبية، مع تكريس كامل السيطرة الدولة على كافة مفاصل الحياة، واحتواء المعارضة، وإعادة إنتاج النخب التقليدية المتكلسة.

 والمحصلة النهائية لحالة الإصلاح السياسي في البلاد هي انسداد في الأفق الإصلاحي يصل أحيانا إلى حد الردة، والتراجع عن بعض الخطوات الإصلاحية وبقاء الأوضاع على ما هي عليه حيث نجد سلطة مطلقة ومجتمع عاجز.

والقت الدراسة الضوء على موضوع الإصلاح السياسي في الأردن من خلال تحديد المفاهيم والمصطلحات للتعرف على مفهوم الإصلاح وما ينطوي عليه من معاني ودلالات، ثم تناولت الدوافع والأسباب التي تبرر القول بضرورة الإصلاح نتيجة الإخفاق الذي تبدو مظاهره على كافة ألمستويات و تناولت آليات الإصلاح المنشود  ومحطات الإصلاح في الأردن في عهدي الملك حسين والملك عبد الله الثاني، وكذلك معيقات الإصلاح في الأردن للوقوف على ابرز التحديات التي تقف في وجه تحقيق الإصلاح ، وأخيرا وضع خريطة طريق ترسم ملامح الإصلاح المنشود. 

واستعرضت الدراسة دوافع الإصلاح في البلاد حيث، شهد الأردن الكثير من الأزمات والأحداث التي كان لها آثارها السلبية على المجتمع والدولة في آن واحد، والتي يمكن تلخيصها في:

1-تراجع وانكفاء المسيرة الديمقراطية، وتغليب الطابع الأمني على الدولة واستهتار الحكم بحقوق وحريات المواطنين التي كفلها الدستور، واستمرار العبث بالدستور.
2-فقدان الثقة بالحكومات المتعاقبة نتيجة غياب الشفافية والمصداقية في إدارة الشأن العام، وهيمنة وتغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات في البلاد، وتهميش مؤسسات الدولة، والانفراد بالرأي والقرار.
3-فقدان هيبة الدولة وتراجع ثقة المواطنين بالكثير من مؤسسات الدولة وعلى رأسها البرلمان، وذلك نتيجة استمرار تزوير الانتخابات وطغيان ظاهرة المال السياسي،و فشل البرلمان في القيام بالدور المنوط به بالرقابة و المسائلة و التشريع .
4-ارتفاع المديونية الخارجية إلى ما يقارب 45 مليار دولار، وارتفاع العجز إلى ما يقارب 5 مليارات، وما يترتب على ذلك من ارتفاع الأسعار، وزيادة نسب الفقر والبطالة والجوع.
5-نهب الثروات الوطنية، وبيع المؤسسات العامة للبلاد، وذلك تحت مسميات الخصخصة وذرائع جذب الاستثمارات.
6-استشراء الفساد بمختلف أشكاله المالي والإداري والتشريعي والسياسي والأخلاقي في كافة مفاصل الدولة والمجتمع.
7-زيادة إحباط وقلق وغضب الأردنيين من جراء الأزمة في البلاد، واستمرار إبعادهم عن المشاركة الحقيقية في صنع القرار مما أدى إلى زيادة مستوى العنف الاجتماعي في البلاد، بما في ذلك المشاجرات في الجامعات والاشتباكات العشائرية.
8-تراجع الإدارة العامة، واستمرار حالة التخبط والارتباك في إدارة شؤون البلاد، وإدارتها أحياناً بالولائم والمكارم والأعطيات، وتقديم الولاء على الانتماء، والثقة على الكفاءة في إشغال المواقع القيادية في الإدارة العامة.
9-تنامي الشعور العام بعدم فاعلية وكفاءة النظام السياسي، وإن الهدف النهائي للسياسات العامة هو إضعاف وإذلال وتجويع الأردنيين من أجل ترويضهم وتهيئتهم لمشهد جديد يتم فيه تقديم المزيد من التنازلات على حساب مشروعهم الوطني وأجيالهم المستقبلية.
10-زيادة ضعف وهشاشة الدولة وتصاعد وتيرة الأطماع الصهيونية تجاهها، وتراجع الدور الإقليمي للأردن ولا سيما في محيطه العربي.

حيث شكلت العوامل والظروف السابقة الحاضنة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية لنشوء حركة الاحتجاجات في ألبلاد فولد الحراك الشعبي من رحم هذه الظروف.  فالاستبداد والفساد شكَّلا البيئة الخصبة والمناخ الدافئ لنشوء الثورات الشعبية العربية، والأردن ليس استثناءاً.

 لقد جاء الحراك الشعبي بعد أن وصلت الأمور إلى مرحلة اللاعودة وبعد أن فشلت الأحزاب والقوى السياسية في فرض أجندتها الإصلاحية على النظام السياسي ،و عجزه عن مواجهة الأزمة التي تعشيها البلاد .وهكذا تمثل الظروف السابقة دوافع رئيسية لتحقيق الإصلاح الشامل في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، وتبني نهج جديد في إدارة الدولة ، وذلك لتجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد ، وللحفاظ على أمنها واستقرارها ، وتجنيبها أي تفاعلات غير ايجابية في ضوء ما يشهده الإقليم من تحولات، ولتحقيق التنمية والتقدم .

ووفق الدراسة يمكن ملاحظة أهم آليات الإصلاح في الأردن على النحو التالي : 

1-جاءت الدعوات والمطالب بالإصلاح في ظل الأزمة التي تعاني منها البلاد على كافة المستويات، فالإخفاق السياسي والاضطراب الاجتماعي والظروف الاقتصادية الصعبة، جعلت الإصلاح أمرا حتميا لا مناص منه، فكان لا بد من التصدي لهذه الأزمة باتخاذ قرارات حاسمة وإجراء إصلاحات جذرية. 

2-غلبة الطابع السلمي على المطالب الإصلاحية، فقد قوبلت حركة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد بسياسة الاحتواء من قبل السلطة، وانتهاج سياسة الأمن الناعم باستثناء حالات معينة نظرا لخصوصيتها كأحداث دوار الداخلية وسلحوب وساحة النخيل، حيث تم استخدام القوة لفظ التجمعات السلمية ، وذلك على النقيض مما شهدنا في أكثر من بلد عربي ، حيث تحولت أعمال الاحتجاج إلى عنف وحروب أهلية دموية، وهذا يعكس وعي النظام السياسي وقدرته على التكيف مع الظروف والمستجدات، فالانحناء أمام مطالب الجماهير والاستجابة لها هي نقطة قوة وليس علامة ضعف أو خوف. 

3-إن كافة القوى السياسية والاجتماعية والتيارات الإصلاحية في الأردن تطالب بإصلاح النظام لا تغييره، فالنظام السياسي الأردني يقف على أرضية صلبة ويحظى بإجماع شعبي ولا احد يطعن أو يشكك في شرعيته، وهذه نقطة ايجابية استطاع النظام أن يوظفها لاحتواء المعارضة وتقديم بعض الإصلاحات التي أسهمت في عبور البلاد مرحلة الربيع ألعربي  وتجنب نذر الحرب الأهلية التي كانت تلوح في سماء دول أخرى مثل مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها. 

إن التدرج والبطء في الإصلاح  هو وسيلة وليس غاية في حد ذاته، فالتغييرات التدريجية البطيئة التي تنفذ على مراحل، وبخطوات محدودة، ومتوازنة، ومدروسة بأسلوب انتقالي، ومرحلي، هي الإصلاحات المطلوبة، والتي تحقق الإصلاح المنشود، دون أن تعرض الأمن والاستقرار لأي مخاطر، أما إذا كان البطء والتدرج يعني خطوة إلى الأمام وخطوة أو أكثر إلى الخلف مما يعني جمود وركود الحياة السياسية، وإجراء إصلاحات وهمية تعكس رؤية النظام،  وتمثل نوعا من الالتفاف على المطالب ألشعبية فان هذه الإستراتيجية ربما تدفع بالقوى الإصلاحية إلى العنف نظرا لتنامي الاحتقان والتوتر بين القوى الإصلاحية والنظام السياسي ومن يسانده من الطابور التسلطي والمنتفع من بقاء الأوضاع على ما هي عليه من جمود وركود، وقد يكون من سوء التقدير أن يركن النظام إلى هذا الطابور الذي يعاند إرادة الشعب والتاريخ ، والأمثلة كثيرة على هذا الوضع في التاريخ الماضي والواقع المعاصر.


وكان من ابرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة ان الإصلاح السياسي في الأردن هو مطلب شعبي قديم، وان مسيرة الإصلاح السياسي في البلاد قد حققت بعض الانجازات غير انها لم تكن كافية للدفع باتجاه احداث إصلاحات حقيقية عميقة وشاملة، إذ يكثر الحديث عن الإصلاح غير ان الواقع العملي أو الممارسة الفعلية تشير إلى الجمود والتراجع في مسيرة الإصلاح . وان خروج الأردنيين كافة إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للسياسات المُتبَعة والأوضاع السائدة هو دليل على نفاد صبرهم وفقدانهم الثقة بالحكومات، وقلقهم على مستقبلهم وعدم اطمئنانهم لما يجري في الوطن، لا بل عدم ثقتهم بالكثير من الذين يتولون المسؤولية والقرار في وطنهم، وعجزهم كمسئولين عن معالجة هموم وقضايا الوطن.  كما أن خروج المواطنين إلى الشوارع والساحات العامة هو دليل على حيوية هذا الشعب، وحرّي بالمسئولين الإفادة من هذا السلوك الحضاري واستخلاص ما فيه من نتائج وعبر، والبحث عن حلول علمية مدروسة لكافة المسائل التي تشغل هموم الناس، وتثير اهتمامهم.  فالذين يعبرون اليوم عن مطالبهم ورغباتهم بأسلوب سلمي وديمقراطي قد يلجئون في الغد إلى وسائل أخرى إذا ما استنفذوا هذا الأسلوب السلمي للتعبير عن رغباتهم ومطالبهم وتحقيق أهدافهم وأمانيهم.وإن ما قام به المواطنون في الأردن من مسيرات واعتصامات ومبادرات وحراك مكثف يكشف عن الحاجة إلى الإصلاح والاستعداد التام للمشاركة فيه إذا أتيحت لهم الفرصة، وفُتحت أمامهم الأبواب دون تضييق أو تهديد، مما يفرض الحاجة إلى إعادة التفكير والمراجعة لقضية الإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي تحت مظلة الديمقراطية وما يرتبط بها من العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المتراكمة.

وقدمت الدراسة عدد من التوصيات أبرزها ضرورة إجراء المزيد من التعديلات الدستورية من اجل ترسيخ المبدأ الديمقراطي "السيادة للشعب" وكذلك الحد من تغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات، وإعادة النظر بمجمل القوانين الناظمة للحياة السياسية وفي مقدمتها قانون الانتخاب وقانون الأحزاب السياسية و ذلك من اجل بناء دولة القانون والمؤسسات وإقامة مجتمع العدالة والمساواة، وعبور مرحلة الربيع العربي إلى شاطئ الأمان.

وقد استندت الدراسة الى العديد من الدراسات العلمية والتقارير الدولية التي تناولت الاوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد ويذكر ان مجلة شؤون العالم مجلة دولية انشات سنة 1837  وهي مستمرة بالصدور منذ ذلك التاريخ وينشر بها الكثير من الساسة والمفكرين من مختلف انحاء العالم وتنشر دراسات رفيعة المستوى. 

 
تابعو الأردن 24 على google news