jo24_banner
jo24_banner

ليس اول العار ولا آخره

ماهر أبو طير
جو 24 :

ليس مثل هذا العار، الذي يلحقنا في حياتنا، العار الذي يرتسم على وجوهنا، امام ما تتعرض له القدس، المدينة التي تعد رمزا عربيا واسلاميا، قبل ان تكون مدينة فلسطينية بالمعنى الواقعي، او السياسي.
يوم اسود، كان يوم البارحة، الثالث عشر من ايار، ذكرى يوم القدس بالمفهوم الاسرائيلي، وهو اليوم الذي يحتفل فيه الاسرائيليون، بالقدس، باعتبارها مدينتهم، وقد عاشت القدس، امس، يوما اسود، عبر اقتحامات المسجد الاقصى، وعسكرة المدينة بعشرات الاف الجنود، وتحويلها الى مدينة أسيرة لقوة الاحتلال، وقبيل ساعات من افتتاح السفارة الاميركية في القدس، اليوم الاثنين.
اشبعنا المدينة، لطما وعويلا، غير ان المدينة تتعرض الى عمليات تهويد متواصلة لتغيير هويتها الاجتماعية والدينية والثقافية والسياسية، ليس ادل على ذلك مما يتعرض له السوار الاجتماعي الذي يحمي المدينة من الفلسطينيين الذين يعيشون فيها، والذين يتعرضون الى وضع مأساوي من حيث الوضع الاقتصادي، والاضعاف المتواصل لهم، وسياسات الامن، وسحب هويات الاقامة، في مدينتهم، فوق الاجراءات المرتبطة بمصادرة الارض وبناء المستوطنات، وغير ذلك.
هذا العار، ليس جديدا، حتى لا نتباكى على مانراه اليوم، فالسفارة الاميركية في القدس، ليست جديدة تماما، اذ سبقها وجود قنصلية اميركية في القدس، واقتحامات الاقصى، مستمرة على مدى عشرات السنين، وقد تعرض الاقصى الى ماهو اسوأ ايضا، من حيث اقتحامه واطلاق النار داخله، وحرق منبر صلاح الدين الايوبي، نهاية الستينات، وغير ذلك من اجراءات، تأسست على سقوطين للقدس، الاول عام 1948، والثاني عام 1967، بما يعني ان القدس، ومنذ سبعين عاما تتعرض الى اجراءات، قوبلت من جانب العرب والمسلمين، اما ببيانات ناقدة حادة، وفي احسن الحالات مظاهرات في كل مكان.
محنة القدس اليوم، ليست محنة الفلسطينيين وحدهم، والذين يظنون انها محنتهم لوحدهم يفتقدون الى البصيرة، فالمدينة لم تعرف تاريخيا، الا بوصفها مدينة عربية ومدينة اسلامية، وهي في عنق اكثر من مليار ونصف المليار عربي ومسلم في هذا العالم، فاذا سألت احدهم قال لك انه لا يعرف عما يجري فيها، او ان هذا الملف مطلوب من الفلسطينيين لوحدهم، باعتبارهم اهل المكان.
ما شهدناه امس الاحد في القدس، من عربدة اسرائيلية، وما سوف نشهده اليوم، امر على ما فيه من عار وشعور بالمرارة، يكشف ايضا، ان كل ردود فعل العالمين العربي والاسلامي، لا قيمة لها في ميزان واشنطن، ولا في ميزان الاسرائيليين، الذين خبروا طوال العقود، ان خير ما فينا هو الكلام، وفنونه في مواجهة الاحتلال، باستثناء ما قد يأتي به الزمن، من ردود فعل داخل فلسطين، من جانب شعب متعب، ومنهك، تطرقه كل الجهات لزيادة تعبه، وجعله ضعيفا، وهي مراهنة قد لا تكون صائبة تماما.
هذه هي نتيجة التنازلات، وللمفارقة فان الذين قبلوا بالقدس الغربية عاصمة لاسرائيل، ظنا منهم، او توهيماً عبرهم، ان القدس الشرقية ستكون عاصمة للفلسطينيين، يقفون اليوم امام الساعة الصعبة التي تكشف الجميع، فاسرائيل ذاتها احتلت كل القدس، وتعتبرها عاصمة موحدة لها، ولا نسمع صوتا لاولئك الذين تبنوا حل تقسيم المدينة، على امل الظفر بقطعة ارض منها، بل يتوارون بعيدا عن الاعين، بعد الذي رأيناه ونراه كل يوم.
كل هذا يقودنا الى الاستخلاص الاساس، الاستخلاص الذي تقره الفطرة، ويعرفه كل واحد فينا، فلا حل للقدس، سوى زوال الاحتلال كليا، من كل فلسطين، وغير ذلك مجرد جدولة للازمات والعواطف والوعود والانتظار، وقد خاب كل من ظن ان هناك حلا غير ذلك.

الدستور

 
تابعو الأردن 24 على google news