jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. القوى الناشئة ومهمّة استنهاض الأغلبيّة الصامتة

بانوراما الحراك.. القوى الناشئة ومهمّة استنهاض الأغلبيّة الصامتة
جو 24 : كتب تامر خرمه

بعيدا عن شعارات النخبة السياسية، التي طرحها البعض لاستجداء الشراكة في السلطة والوصول إلى البرلمان، قرّر نشطاء الحراك في مدينة معان اختيار اسم ذات الحملة، التي جمعت القوى الشبابية بعمّال الكهرباء في العاصمة عمان، شعارا لفعاليّة الجمعة، حيث جاء شعار "صمتك بكلفك" ليلخّص جوهر الأزمة المركّبة، ويلامس هموم الأغلبيّة الصامتة، في محاولة لاستنهاضها من أجل معركة التغيير الوطني الديمقراطي.

قراءة الواقع الشعبي وإدراك تناقضاته والعمل على تغييره، مهمّة تخلّت عنها النخب التي آثرت في خطابها توجيه النصح للنظام واستجداء اعترافه السياسي، الأمر الذي يفسّر عجز الحراك عن تجاوز إطاره النخبوي على مدى سنتين تولّت خلالهما الأحزاب الكلاسيكيّة زمام المبادرة، في محاولة لاستثمار الربيع العربي من أجل تحقيق بعض المكاسب المحدودة، دون محاولة التواصل مع الناس أو طرح قضاياهم التي لم يكن لمطلب تعديل قانون الانتخاب -بطبيعة الحال- أن يحتلّ مكاناً متقدّما في سلّم أولويّاتها.

هذه الحالة التي يمكن توصيفها بالتودّد الذي يرتدي مظهر الصراع في علاقة الأحزاب الكلاسيكيّة بالسلطة، حكمت على الحراك بالمراوحة مكانه، بل والتراجع في كثير من المحطّات، الأمر الذي أتاح للسلطة الإمعان في سياسة رفع الأسعار والتعبير عن انحيازها الأعمى لفئة احتكرت الثروة، وفرضت على الفئات الشعبيّة تسديد فواتير مغامراتها الاقتصاديّة.

القوى الناشئة التي أدركت عبثيّة لعبة الصراع الناعم واستجداء المشاركة السياسيّة، تبنّت خطابا ينسجم مع المصلحة الشعبيّة ويلبّي طموح الناس، غير أنّه مازال أمام هذه القوى كثير ممّا ينبغي إنجازه لتجاوز أخطاء الماضي، التي كانت نتيجة طبيعيّة للنزعة الاستعراضيّة وهوس الظهور الإعلامي.

هذا ما أدركته بعض القوى الشبابيّة والشعبيّة التي تجاوزت حالة الهوس بالذات، ونجحت في توحيد جهودها، وملامسة هموم الناس وأولويّاتهم، وبدأت بمراكمة فعاليّات من شأنها نقل الحراك نقلة نوعيّة، تحمل السلطة في قادمات الأيّام على النظر إليه من زاويّة النديّة.

المئات التي شاركت في فعاليّة الجمعة بمعان، كان لقرار رفع أسعار المشتقات النفطيّة -مجدّدا- الفضل الأوّل في استنهاضها، غير أن أهميّة هذه الفعاليّة تكمن في شعارها، حيث بدأ نشطاء الحراك بمحاولات جديّة لاستنهاض الشارع ودفعه باتجاه انتزاع مطالبه، بعيدا عن شعارات النخبة السياسيّة، فكانت فعاليّة "صمتك بكلفك-1" بداية لسلسلة فعاليّات يعتزم الحراك المضي بها في تلك المدينة، التي لا يمكن للسلطة أن تواجه خروجها عن صمتها.

أمّا في العاصمة عمّان، فقد عبّر شعار "صمتك بكلفك" عن الحالة النوعيّة التي ارتقى إليها نشطاء الحراك فيما يتعلّق بوسائل وآليّات العمل، فبعيدا عن ساحة "الحسيني" ومناطق الاستقطاب الإعلامي، عقدت حملة صمتك بكلفك اجتماعها بصمت، ليلتقي شباب الحراك بعمّال الكهرباء الذين نجحوا في تشكيل نقابتهم المستقلة، واعتزموا المضي في حراكهم المطلبي في مواجهة تعسّف السلطة وانحيازها ضد المصالح الشعبيّة.

الشريحة التي خرجت إلى الشارع قبل بدء الربيع العربي، وكانت السبّاقة إلى مواجهة قرارات السلطة وسياساتها، لم تكن من النخبة المرتعشة، بل كان العمّال هم أوّل من قرع جدران الخزّان وطالب بالعدالة الاجتماعيّة.. فعمّال الموانئ وعمال المياومة هم أول من كسر حاجز الصمت، قبل أن تتوالى الاحتجاجات العمّاليّة، ويبدأ العمّال بتشكيل نقاباتهم المستقلّة، بعيدا عن سيطرة أصحاب العمل والأجهزة الأمنيّة التي أفرغت الاتحاد العام للنقابات العماليّة من جوهره الطبقي.

كما نجح عمّال الكهرباء بتوحيد صفوفهم، واعتزموا مواجهة قرار رفع فاتورة الكهرباء، وانحياز السلطة الأعمى للمستثمرين الذين فرضوا على شركة الكهرباء الوطنيّة أن تتحمّل أفدح الخسائر، وتضمن أرباحهم على حساب المواطنين.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه موجة الاحتجاجات العماليّة، وأعلن عمّال المياومة إضرابهم في كافّة مديريّات الزراعة، جاء لقاء عمّال الكهرباء بالقوى الشبابيّة ليشكّل بداية منعطف قد يكون الأكثر أهميّة منذ بدء الحراك، فوضعت حملة "صمتك بكلفك" يدها على الجرح، وبدأت أولى خطواتها على طريق استنهاض الشارع لمعركة التغيير.

محاولة استنهاض الشارع والانعتاق من الحالة النخبويّة التي فرضها الخطاب الكلاسيكي على الحراك الشعبي، هي ما دفع "أحرار العاصمة" إلى الإعلان عن سلسلة فعاليّات تحدّدت بوصلتها بالتوجّه إلى الأحياء الشعبيّة، عوضا عن أضواء الحسيني.. لتبدأ أولى هذه الفعاليّات في حيّ نزّال، بمشاركة عدد من القوى الناشئة، كتيّار التغيير والتحرير، وبعض نشطاء الحراك الشبابي الأردني وحراك حيّ الطفايلة.. ورغم تواضع أعداد المشاركين في هذه الفعاليّة، إلاّ أنه لا يمكن إنكار أهميّتها في نقل الحراك الشعبي إلى مرحلة متقدّمة، في حال استمرار مثل هذه الفعاليّات، ضمن إطار يوحّد جهود القوى الشبابيّة والشعبيّة الناشئة.

فعاليّة حيّ نزّال لم تكن هي الفعاليّة الوحيدة التي شهدتها العاصمة عمّان، فقد جابت حيّ الطفايلة مسيرة رفعت ذات الشعارات التي رفعها نشطاء الحراك في مدينة الطفيلة، وتجاوزت "الخطوط الحمراء" تنديدا بقرار رفع الأسعار، وباعتداء مجموعات البلطجيّة وقوّات الدرك على المشاركين في مسيرة اربد يوم الجمعة السابقة.

عودة المركز الأمني- السياسي إلى ذات الأساليب البائدة في التعامل مع الفعاليّات الاحتجاجيّة، والاعتداء على المشاركين في المسيرات السلميّة، يكشف –رغم كلّ شيء- مخاوف السلطة التي فشلت في إجهاض الحراك، فرغم انحساره في الآونة الأخيرة، إلاّ أن الحراك عاد للهيمنة على المشهد السياسي، في الوقت الذي تتّجه فيه السلطة الى استفزاز الأغلبيّة الصامتة بقرارات رفع الأسعار، الأمر الذي أربك صنّاع القرار ودفعهم إلى مثل هذه المحاولات اليائسة لاستعادة هدوء الشارع.

ولكن عودة الغزل السياسي لضبط سلوك القوى الكلاسيكيّة، وانسحاب الاسلاميّين من فعاليّة الجمعة في مدينة إربد، ترك نشطاء الحراك مكشوفين دون أيّ غطاء سياسيّ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى اتساع الفجوة بين القوى الناشئة والأحزاب السياسيّة، ما يحقّق في نهاية الأمر مصلحة السلطة التي تستهدف تصفية الحراك وعزل مكوّناته.

وفي النهاية، فإن إصرار القوى الحزبيّة على تجنّب الصدام، والحفاظ على شعرة معاوية التي تربط المعارضة الكلاسيكيّة بالسلطة، يضع القوى الناشئة أمام مسؤوليّة الارتقاء بوسائل وآليّات عملها، بما يمكّنها من احتلال موقع الطليعة في قيادة الشارع نحو تحقيق أهدافه، لتفرض على الأحزاب السياسيّة أن تتعامل معها من منطلق النديّة، عوضاً عن اتخاذها كأدوات لتنفيذ قرارات القيادة الحزبيّة.. هذا ما أدركته الحراكات الشبابيّة في العاصمة عمّان، عندما أعلنت فعاليّة حيّ نزال، وكذلك عندما تجنّبت الاستعراض الإعلامي، وبدأت بالعمل على الأرض من خلال حملة "صمتك بكلفك".
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير