ما هو دور الملك؟
محمد أبو رمان
جو 24 : تقفز الورقة النقاشية الثالثة للملك على الورقتين السابقتين، لتطرح قضايا حساسة ومهمة جداً، ترتطم مباشرةً بالسجالات الدائرة بين النخب السياسية حول الحكومة البرلمانية، ومستقبل النظام السياسي. لكن أهم ما في الورقة على الإطلاق هو إعادة تعريف دور الملك نفسه في المشهد السياسي المقبل.
ما لا يقل أهمية ودلالة عن المضمون هو "التوقيت". إذ تأتي الورقة في ذروة النقاش النيابي حول الحكومة البرلمانية، لتقدّم "أجوبة ملكية"؛ بعضها صريح، والآخر ضمني. لكن الأهم من ذلك أنّها تقطع الطريق تماماً على التيار السياسي المتنامي الذي بدأ يشكّك في جدوى "المشاورات النيابية" في تشكيل الحكومة البرلمانية، في ظل فشل الكتل وتخبطها، ويطالب هذا التيار بالعودة إلى الطريقة التقليدية، بدعوى عجز النواب عن تقديم نموذج إيجابي!
الملك يتجاوز تلك النقاشات مسافات واسعة إلى الأمام، عندما يقدّم رؤيته ليس فقط لدور البرلمان وتطويره ومفهوم الحكومة (مستقبلاً) ومسؤوليتها، بل أيضا لدور الملك نفسه، الذي سيتراجع خطوة إلى خلف في المشهد السياسي، تاركاً المجال للحكومات والمعارضة لإدارة "الصراع الداخلي"، والتفاهم على الثقة والبرامج والتفاصيل.
دور المؤسسة الملكية سيكرّس مستقبلاً لتكون مظلّة الوحدة الوطنية، ولحماية أمن البلاد، ومنع الانجرار إلى حالة من الاستقطاب السياسي (كما يحدث حالياً في دول الربيع العربي)، وعنواناً لصون قيم النزاهة الوطنية، والدفاع عن "أمننا القومي" في السياسة الخارجية بالتنسيق مع مجلس الوزراء، وحماية القيم الوطنية، مثل التعددية والتسامح.. إلخ.
لا يدع الملك "مساحة رمادية" ولا مكاناً للتأويل، عندما يعنون بوضوح الدور الجديد بـ"الملكية الدستورية الهاشمية"، أسوة بالملكيات المتقدمة. وهو تعريف في غاية الأهمية، ويخترق ما كان بالأمس إحدى المحرّمات الرئيسة في المشهد السياسي، وكان يمثّل خطاب المعارضة الراديكالية.
مع "الإصرار" الملحوظ على تطوير دور الملكية، فإنّ هنالك تأكيداً مجاوراً لذلك على توخي الحذر واختيار مبدأ "العبور الآمن" نحو هذا النموذج؛ بتطور النظام السياسي والبرلماني والحزبي، ونضوج العملية السياسية، أي الانتقال المرحلي المتدرج، الذي ستتكيّف معه المؤسسة الملكية، وتعيد هيكلة دورها تبعاً لتطوّر مفهوم حكومات الأغلبية وواقع الأحزاب السياسية.
مبدأ "العبور الآمن" يتبدى بوضوح في هاجس الفوضى والاختلال وانعدام الأمن والاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، كما يبدو واضحاً في ثنايا الرسالة. لذلك، يؤكّد الملك بشكل جلي على أهمية استقلالية المؤسسات العسكرية والأمنية والدينية العامة، وعدم تسييسها، لتقوم بدورها بمهنية وحياد، بعيداً عن الاستقطاب الذي يحصل، وهو ما اعتبره جزءاً مهماً في المستقبل من مسؤوليات الملك نفسه.
ثمة خطاب واضح نحو الأمام، ورفض للعودة إلى المرحلة السابقة. فمع الاعتراف بالصعوبات والمشكلات التي ستواجه التجربة الجديدة، وبرغم التعثّر الحالي، إلاّ أنّ الملك يؤكّد في الورقة الحالية أنّه لا رجعة عن الخيار الجديد، وأنّ علينا أن نتكيّف معه، ونطوّر مفاهيم وأدوات العمل السياسي، عبر الحكومات البرلمانية التي لن تأتي دفعةً واحدة اليوم، كما هي الحال في الدور الأوروبية. وهي مرحلة لا يمكن الوصول إليها إلاّ عبر اختراق الطريق الجديدة، وعدم الاستسلام لدعاية نخب سياسية ومراكز قرار تريد الإبقاء على المعادلة التقليدية، لارتباط مصالحها وأدوارها بها!
بالضرورة، نعاني من تشكيك كبير في مصداقية نوايا الإصلاح، وهو تشكيك مبرّر في ضوء التجربة الماضية؛ ونواجه مجلس نواب دون الطموحات بكثير، جاء عبر قانون فُرض فرضاً علينا جميعاً، إلاّ أنّ النظر إلى الأمام يقتضي إفساح المجال لمثل هذه الرؤية المتطورة ومساندتها لتحقيق هذه القفزة المهمة، فإن اختلفنا في المراحل، فنحن نتفق على الأهداف.
ما لا يقل أهمية ودلالة عن المضمون هو "التوقيت". إذ تأتي الورقة في ذروة النقاش النيابي حول الحكومة البرلمانية، لتقدّم "أجوبة ملكية"؛ بعضها صريح، والآخر ضمني. لكن الأهم من ذلك أنّها تقطع الطريق تماماً على التيار السياسي المتنامي الذي بدأ يشكّك في جدوى "المشاورات النيابية" في تشكيل الحكومة البرلمانية، في ظل فشل الكتل وتخبطها، ويطالب هذا التيار بالعودة إلى الطريقة التقليدية، بدعوى عجز النواب عن تقديم نموذج إيجابي!
الملك يتجاوز تلك النقاشات مسافات واسعة إلى الأمام، عندما يقدّم رؤيته ليس فقط لدور البرلمان وتطويره ومفهوم الحكومة (مستقبلاً) ومسؤوليتها، بل أيضا لدور الملك نفسه، الذي سيتراجع خطوة إلى خلف في المشهد السياسي، تاركاً المجال للحكومات والمعارضة لإدارة "الصراع الداخلي"، والتفاهم على الثقة والبرامج والتفاصيل.
دور المؤسسة الملكية سيكرّس مستقبلاً لتكون مظلّة الوحدة الوطنية، ولحماية أمن البلاد، ومنع الانجرار إلى حالة من الاستقطاب السياسي (كما يحدث حالياً في دول الربيع العربي)، وعنواناً لصون قيم النزاهة الوطنية، والدفاع عن "أمننا القومي" في السياسة الخارجية بالتنسيق مع مجلس الوزراء، وحماية القيم الوطنية، مثل التعددية والتسامح.. إلخ.
لا يدع الملك "مساحة رمادية" ولا مكاناً للتأويل، عندما يعنون بوضوح الدور الجديد بـ"الملكية الدستورية الهاشمية"، أسوة بالملكيات المتقدمة. وهو تعريف في غاية الأهمية، ويخترق ما كان بالأمس إحدى المحرّمات الرئيسة في المشهد السياسي، وكان يمثّل خطاب المعارضة الراديكالية.
مع "الإصرار" الملحوظ على تطوير دور الملكية، فإنّ هنالك تأكيداً مجاوراً لذلك على توخي الحذر واختيار مبدأ "العبور الآمن" نحو هذا النموذج؛ بتطور النظام السياسي والبرلماني والحزبي، ونضوج العملية السياسية، أي الانتقال المرحلي المتدرج، الذي ستتكيّف معه المؤسسة الملكية، وتعيد هيكلة دورها تبعاً لتطوّر مفهوم حكومات الأغلبية وواقع الأحزاب السياسية.
مبدأ "العبور الآمن" يتبدى بوضوح في هاجس الفوضى والاختلال وانعدام الأمن والاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، كما يبدو واضحاً في ثنايا الرسالة. لذلك، يؤكّد الملك بشكل جلي على أهمية استقلالية المؤسسات العسكرية والأمنية والدينية العامة، وعدم تسييسها، لتقوم بدورها بمهنية وحياد، بعيداً عن الاستقطاب الذي يحصل، وهو ما اعتبره جزءاً مهماً في المستقبل من مسؤوليات الملك نفسه.
ثمة خطاب واضح نحو الأمام، ورفض للعودة إلى المرحلة السابقة. فمع الاعتراف بالصعوبات والمشكلات التي ستواجه التجربة الجديدة، وبرغم التعثّر الحالي، إلاّ أنّ الملك يؤكّد في الورقة الحالية أنّه لا رجعة عن الخيار الجديد، وأنّ علينا أن نتكيّف معه، ونطوّر مفاهيم وأدوات العمل السياسي، عبر الحكومات البرلمانية التي لن تأتي دفعةً واحدة اليوم، كما هي الحال في الدور الأوروبية. وهي مرحلة لا يمكن الوصول إليها إلاّ عبر اختراق الطريق الجديدة، وعدم الاستسلام لدعاية نخب سياسية ومراكز قرار تريد الإبقاء على المعادلة التقليدية، لارتباط مصالحها وأدوارها بها!
بالضرورة، نعاني من تشكيك كبير في مصداقية نوايا الإصلاح، وهو تشكيك مبرّر في ضوء التجربة الماضية؛ ونواجه مجلس نواب دون الطموحات بكثير، جاء عبر قانون فُرض فرضاً علينا جميعاً، إلاّ أنّ النظر إلى الأمام يقتضي إفساح المجال لمثل هذه الرؤية المتطورة ومساندتها لتحقيق هذه القفزة المهمة، فإن اختلفنا في المراحل، فنحن نتفق على الأهداف.