فيديو: "عاشقة فلسطين".. لبنانية تُقتل معنوياً بتهمة "العمالة" تروي تفاصيل حياتها داخل سجن النساء
جو 24 :
هز خبر إلقاء القبض على الناشطة اللبنانية جنى أبو دياب، من قبل المحكمة العسكرية الدائمة، وإيقافها لمدة 7 شهور، الأوساط اللبنانية، خصوصاً أن الفتاة قد اتهمت بالعمالة، بجرم التواصل مع العميل الإسرائيلي المُدعى عليه سليم الصفدي، حسب مذكرة الاتهام.
وتحمل أبو دياب، جواز سفر فلسطينياً تكريماً لها من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عبر سلطان أبو العينين، بعد إنشائها جمعية إنسانية (معاً إلى فلسطين) عام 2010 التي تهتم بالمخيمات الفلسطينية إنسانياً واجتماعياً.
كانت الناشطة أبو دياب، تُصر على براءتها من التهمة الموجهة إليها، لا بل كانت تطالب بالإسراع في محاكمتها من أجل الانتهاء من هذه القضية.
في النهاية، أُقفل الباب على هذه القضية، التي شغلت الرأي العام اللبناني في الأشهر السابقة، وأخلت المحكمة العسكرية سبيل الناشطة اللبنانية جنى أبو دياب، وكفّت جميع التعقبات عنها، وذلك بعدما أُوقفت لمدة 7 أشهر، بجرم التواصل مع عميل إسرائيلي، إلا أن ما كشفت عنه أبو دياب، يستدعي استكمال البحث.
تقول جنى أبو دياب عن تجربتها: " أن تكتب عن فترة اعتقالك كأن تكتب عن عودتك من الموت، أو من غيبوبة دامت طويلاً، كلّ شيء من حولي تبدّل، وقد أحتاج إلى وقت طويل للتأقلم من جديد مع المحيط، وتكوين علاقات مع الناس، كذلك مع الأشياء والأماكن المعتقل والأسير والسجين وهم أمواتٌ مع وقف التنفيذ".
وعن التحدّي الأوّل لديّ جنى داخل السجن، هو ألاّ تدعهم يقتلون عقلها وفكرها، فتضيف" صحيحٌ أنّ عملية الاغتيال المعنوية المتعمّدة والممتدة لسنوات خلت، وصولاً إلى وقاحة تركيب ملفٍّ أمني يتهمّني بأقذر ثوب قد يرتديه الإنسان؛ أيّ العمالة والتخابر؛ هدفها تجميد حركتي، إن لم يكن قتلها، فكان قراري بالانتصار عليهم داخل السجن وخارجه".
فيما أشارت إلى أن التحدّي الأكبر لديها كان الحفاظ على سلامة عائلتها وأخواتها، فتحاملت على وحدتها، وطلبت منهم التحلّي بالصبر، وعدم الإقدام على زيارتها تحت أيّ ظرف كان، ومهما طالت مدّة اعتقالها على حد قولها.
وأضافت أبو دياب: " لقد رددت أمام المحكمة خلال الجلستين قناعتي، والتزامي بأنّ حرّيتي رخيصة من أجل فلسطين، ودمي أرخص، وجزء من النضال من أجل اسمى وأقدس القضايا الإنسانية أن نعي بأنّ رصاصات الغدر أقرب إلينا من الوريد، وأنّ القتل المعنوي والتشهير وارد بأيّة لحظة على هيئة ملفّ أمني مُحكم، يُرسم في دولة ما، ويُسلّم في دولة ثالثة .. والتتمّة أحتفظ بها إلى أن يحين الوقت المناسب".
وتكمل أنها دخلت سجن (بربر خازن) كمن يدخل القبر بكامل وعيه.. هذا المكان كان بالنسبة لها أفضل من زنزانة العزل وكرسي التحقيق، الذي استمرّ ثمانية أيّام، منذ اللحظة الأولى، بدأت تدون تفاصيل الدقائق ما قبل المداهمة، وصولاً إلى التحقيق فالمحكمة العسكرية، نظرة سريعة على الغرفة كانت كافية: مستوى عالٍ من النظافة، تدفئة، سرير ووجوه تخفّف عنك.
وتردف: " بطبيعة الحال كانت الأيّام تمضي ببطء شديد، ومن المسلّمات القول: إنّ هذه التجربة تحوّلت إلى ندبة لا يشفيها الزمن ولا الاعتذار، كانت البداية صعبة ما بين تواصلٍ مع السجينات وأسئلة متدفّقة من كلّ حدب وصوب".
فيما تحدثت عن أصعب اللحظات التي مرت بها منذ ليل 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 حتّى السادس من حزيران/ يونيو 2018، رافقت رنين الهاتف المتواصل ما بين انتظار جلسة أو إخلاء سبيل ثمّ الحكم، وكلّما فُتحَ الباب لإدخال سجينة جديدة ينتابها الرعب، فبحسب قولها فإنها تعي أنّ المؤامرة حيكت بمستوى عالٍ من الحرفية، والرعب أن تكون أيّة سجينة جديدة من أفراد عائلتها لزيادة الضغط، وأضافت: "كأنّه لم يكفهم إجباري على توقيع إفادة لم أقرأها، ولم أكتشف ما كتب فيها إلاّ من خلال أسئلة القاضي العميد الركن حسين عبد الله خلال جلستي المحاكمة".
وتكمل: "في السجن- الاعتقال، كان قراري ألاّ أنكسر مهما طال الوقت، ومع صعوبة الوضع، قرّرت أن أصنع لي حياة مشابهة إلى حدّ ما حياتي اليومية، بدأت باعتباري أنّني في مخيّم، حيث شاركت في ورشات عملٍ أسبوعية لجمعية أهلية، اتخذت من السجن مقرّاً لها، هناك وجدت ما يكملني، مكتبة متواضعة إنّما غنية بالكتب والعناوين، وحين عرضوا عليّ ترتيب الكتب كان أوّل منفذ لي في هذا القبر البارد، استمتعت بكلّ لحظة أمضيتها في تنظيم الكتب والأرشفة، وأنهيت مطالعة آخر كتاب فيها قبل أسابيع من الحرّية".
ترافق وصولي مع تحضير رفيقاتي في الزنزانة لعيدي الميلاد ورأس السنة، اعتمدوا عليّ لتجهيز عشرات بطاقات المعايدة ما بين رسم وكتابة، في هذه الأثناء كنا بدأنا التقارب، وبطلب منهم بدأت تدريس الصفّ الليلي من اللغة الإنكليزية، ما إن تُقفل الأبواب في الرابعة عصراً، حتّى نبدأ الدراسة، قسم للمبتدئين وآخر لمرحلة متقدّمة، واستمرينا بشكل متقطّع حتّى ليل الخامس من حزيران/ يونيو 2018، أنهينا خلالها أربعة مستويات، وكانت الاستراحة الوحيدة المتاحة لهم خلال أوقات الصلاة والأخبار، أمّا الإجازات فكانت خلال أيّام الصيام، وهذا كان وقتي المخصّص للكتابة والمطالعة، إضافة إلى حين انشغالهم بالفروض والتطبيق.. ومع ذلك لم يكن الوقت يَمُر.
مساعدة السجينات في اللغة الفرنسية، واختيار الكتب ودروس محو الأمية؛ هذه التفاصيل هي أكثر ما استمتعت به جنى خلال سجنها، إذ إنّ اللغة العربية عشقها، وما حال دون دراستها للآداب أو الفنون والتاريخ، هو التزامها تجاه فلسطين، فتوجّهت لدراسة الحقوق، أملاً في إحداث فرق للمخيّمات واللاجئين.
وتشرح : " كان عليّ قبل كلّ جلسة أن أعيد قراءة مذكّراتي التي صغتها على شكل رسالة طويلة لأحدهم، فأنا كنت على معرفة مسبقة بوجود ملفّ ما قبل الاعتقال بأسبوع، وفي الأيّام الأولى من التحقيق، اكتملت الصورة، واتضحت الأسماء، ولم يكن بإمكاني إلاّ انتظار وصولي إلى قوس المحكمة لنيل البراءة، والعودة إلى شعبي وأهلي غير منهزمة ولا منكسرة".
وعن أسوأ المشاعر التي ترافق الاعتقال تقول: "هو الشعور بالعجز، عجزي عن تقديم يد المساعدة لمن حولي، العجز عن رفع الظلم، وأكثر ما آلمني هو السجينات بقضايا لدى المحكمة العسكرية، وأغلبهن من التابعيات العربية، عاجزات عن توكيل محامٍ وتأمين التكاليف المالية وانتظار جلسات لا تأتي وأخرى تُؤجّل لأشهر أقلّها سنة".
وتصف حجم الظلم داخل السجون بالهائل، رغم وجود الكثير من الرعاية وتوافد الجمعيات الأهلية والدينية، إلاّ أنّ السجن في لبنان يبقى مكاناً للعقاب، لا للتأهيل.
كلّ شيء في الحياة مقدّرٌ لنا، لا ينتصر فيها إلاّ الأقوياء في نفوسهم، كما قال شهيدنا الكبير المعلّم كمال جنبلاط، مع كلّ خطوة في النزهة (الباحة الخارجية للقاءات والرياضة وغيرها) كنت أتساءل.. كيف أمضيت أكثر من 10 سنوات، أسكن في مكان يبعد أمتاراً عن السجن، وكيف أتنقّل يومياً في شارع فردان الرئيسي دون التفكير بالحياة داخل جدران السجن.
اعتقدت لسنوات أنّني أعيش مع أكثر فئات المجتمع تهميشاً أيّ اللاجئين؛ لأكتشف أنّه داخل السجن عالم منسيٌ ومعزول، وأنّه هنا، مجتمع قائم من كلّ الفئات والجنسيات واللغات والثقافات.. الظالمة والمظلومة.. القوية والضعيفة.. كلّ سجينة بحدّ ذاتها قصّة وأكثر؛ فأشاركهنّ انتظار رسائل الأهل والأبناء، المواجهات والتحضير للجلسات.. أشاركهنّ عدّ الأيّام، وانتظار الحكم وعفوٍ عامٍ لم يأت بعد.
في مكان يموت فيك جزء كلّ يوم، تجد البساطة في التعامل، القليل من الحذر والكثير من الدعم والتعاون والمساندة، كحين أعاد الأمن العام التحقيق معي بعد أربعة أشهر بتاريخ 13/3/2018، يومها رفضت الذهاب دون جدوى، لإدراكي أنّها محاولة ترهيب جديدة أو احتجاز لمنعي من المثول أمام المحكمة، وحين عدت ليلاً كان عليّ أن أتوقّف أمام كلّ زنزانة لأطمئن الرفيقات أنّني عدت بخير ولم أتعرّض لأيّة مضايقة مثل التحقيق الأوّل، كانت دموعهم وصلواتهم الدافع لوصولي إلى المحكمة صلبة وقويّةً.
وختمت "شو بتطلبي من المحكمة؟".. هكذا سألوني..
فكّروا فينا، تخايلوا أولادكم، نحن نعيش في قبر ونشتاق للشمس والهواء والمطر.. هذا ما قلته في المحكمة العسكرية..
اليوم، أنا حرّة بين شعبي وأهلي، وخلفي تركت الكثير من الظلم والمعاناة والانتظار.. انتظار جلسات لا تأتي وعدالة قد لا تتحقّق".
وتُعيد هذه الواقعة الأذهان لقضية الممثل زياد عيتاني، الذي وُجهت له اتهامات مماثلة، قبل أن يصدر القضاء العسكري قراراً بإطلاق سراحه، وتوقيف ضابطة الأمن التي حركت القضية ضده.
وكالات