كيف مُنح عوني مطيع رخصة لزراعة التبغ في الشونة.. ووزراء يتنصلون من المسؤولية!
جو 24 :
أحمد الحراسيس - "هناك أشخاص لهم مصلحة بخروجي من السوق، والسبب أني تقدمت في بداية العام الحالي إلى مجلس الوزراء بطلب الحصول على رخصة للقيام بمشروع فريد من نوعه في الأردن، وتحديدا في منطقة الشونة الجنوبية، وهو زراعة التبغ، وقد حصلت على الرخصة بالفعل من جميع الوزارات المعنية بما فيها الزراعة والبيئة، وأحضرت خبراء أجانب، وقمت بتشغيل 250 عاملا من أبناء الغور في ذلك المصنع"، هذا ما قاله المشتبه به الرئيس في قضية مصنع الدخان المزوّر، عوني مطيع، في اطلالة مفاجئة على شاشة قناة الأردن اليوم، ليُسلّط الضوء على قضية جديدة وربما أهم من قضية المصنع نفسه، كونه حصل على رخصة رسمية من الجهات المعنية بزراعة التبغ، فيما إذا كان كلامه دقيقا..
مطيع، أثار العديد من التساؤلات حول تلك المداخلة، فهل وافقت حكومة الدكتور هاني الملقي على منحه استثناء ورخصة لزراعة التبغ فعلا؟ ومن هم الوزراء الذين وافقوا على ذلك؟ ولماذا؟ وهل جرى منح شخص غيره رخصة لزراعة التبغ أم أنها رخصة حصرية لهذا الرجل؟ وكيف سمحوا له بزراعة التبغ في مناطق مروية مثل الأغوار وليست بعلية، والمعروف أن زراعة التبغ تتم في مناطق بعلية لحاجة هذا النبات لكثير من المياه التي نعاني شُحّا فيها؟ ولماذا لا توجد آلية محددة ومُعلنة للحصول على رخص زراعة التبغ؟ وما هي الرسوم التي دفعها مطيع للحصول على الرخصة؟ وأين دور الجهات الرقابية عن مشروع من هذا النوع وبهذا الحجم؟ كيف يعمل الرجل ويُعيّن الموظفين بعيدا عن أعين الحكومة؟! وهل هذا يؤكد علاقته بصناعة وتعليب السجائر؟!
ما عرفناه، أن الأردن ألغى في عام 2004 قانون التبغ لسنة 1952 وما طرأ عليه من تعديلات والأنظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بموجبه، لتُصبح زراعة التبغ غير مدعومة وتصبح الحكومة غير معنية بتصريف كمّيات التبغ التي تُنتجها المزارع، وتنتهي بذلك زراعة التبغ بشكلها السابق..
تسلسلنا بالقضية خطوة خطوة لعلّنا نجد اجابة على تلك الأسئلة، اتصلنا بوزراء كانوا عاملين في حكومة الملقي وعادوا مرة أخرى مع فريق الدكتور عمر الرزاز الوزاري، وكانت اجابتهم أنهم "لا يعلمون"، وبما يثير مزيدا من الاسئلة فيما إذا كان الرجل "يزرع دون رقابة أو متابعة في تلك المنطقة المرويّة، ويسحب كميات هائلة من المياه دون أن يشعر به أحد وباقي المزارعين يشتكون العطش؟".
العوران: تساؤلات خطيرة بحاجة لاجابات
رئيس الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين، المهندس محمود العوران، قال: "اليوم، يجري الحديث عن زراعة 1200 دونم بالتبغ في مناطق وادي الأردن، وهذا أمر خطير للغاية ويطرح عدة تساؤلات؛ فما سبب اختيار مناطق وادي الأردن لزراعة التبغ، خاصة وأن هذه المادة لا تُلائمها الأجواء الحارة، إلى جانب كون هذه الزراعة (بعلية) ومناطق وادي الأردن تُعاني شحّ المياه أكثر من غيرها، ثم ماذا عن الضرر الذي سيلحق بالأراضي المزروعة بالتبغ وأراضي المنطقة كاملة؟ وماذا عن الضرر الصحي للعاملين في المزرعة؟ وهل فعلا حصل الرجل على رخصة للزراعة؟!".
وأضاف العوران لـ الاردن24: "ربما هذا يُفسّر أيضا سبب تناقص المساحة الخضراء في وادي الأردن، حيث أن التبغ نبات مُهلك للتربة التي يُزرع بها، وتضرر التربة المجاورة أمر واردة بقوة إن لم يكن حتميا، كما أنه يُشكّل بيئة خصبة للفيروسات، خاصة وأن نبات الموز الذي تشتهر به مناطق الأغوار حساس أيضا".
ولفت العوران إلى الضرر الذي سيلحق أيضا بالعاملين في زراعة التبغ، وقد يُكلّف أحدهم الدولة علاجات أكثر من تلك المبالغ التي يتقاضونها مقابل عملهم في المزرعة.
العدوان: لا علاقة لنا
مدير مديرية الزراعة في منطقة الشونة الجنوبية، المهندس ياسين العدوان، أكد من جانبه أن "لا علاقة للمديرية بمنح تراخيص لزراعة التبغ أو غيره"، داعيا الاردن24 لمراجعة الوزارة بهذا الخصوص والاستفسار فيما إذا كانت الوزارة معنية بذلك أم لا.
وقال العدوان: "يمكنني التعليق على الأمور الفنية المتعلقة بهذه الزراعة فقط".
الزراعة: لا علاقة لنا
وبعد رفض وزير الزراعة في حكومتي الملقي والرزاز، المهندس خالد الحنيفات، الاجابة على تساؤلاتنا حول القضية، توجهنا في الاردن24 إلى الناطق الاعلامي باسم الوزارة، لورانس المجالي، والذي نفى بشكل قاطع أن تكون الوزارة تمنح استثناءات أو رخص لزراعة التبغ.
وقال المجالي إن دور الوزارة يقتصر على "الارشاد الطوعي للمزارعين"، حيث أن المَزارع تعتبر حيازات خاصة لا علاقة للوزارة بما يجري فيها باستثناء "تقديم النصائح والارشادات التي يمكن للمزارع الأخذ بها أو رفض الالتزام بها".
وبينما تساءل عن احتمالية وجود دور لوزارة الصناعة والتجارة والتموين ووزارة المياه في ذلك، واصل المجالي التأكيد على أن دور وزارة الزراعة محصور بـ"تقديم النصح والارشاد، وفحص المنتج الداخل إلى السوق المركزي والتصدير"، مشيرا إلى أن "التبغ غير معدّ للسوق المركزي ولا للتصدير".
البيئة: لا علاقة لنا
وزير البيئة في حكومتي الملقي والرزاز، نايف الفايز، أكد من جانبه عدم وجود علاقة لوزارة البيئة في منح ترخيص بزراعة التبغ من عدمه، مستغربا الزجّ بالوزارة في هذه القضية.
وقال الفايز لـ الاردن24: "نحن لا علاقة لنا بالقطاع الزراعي إلا بالأمور الخاصة بالثروة الحيوانية".
الصناعة والتجارة: نحن جهة تسجيل فقط
وقال الناطق الاعلامي في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، ينال برماوي، إن دور الوزارة يقتصر على تسجيل الشركات فقط.
ونفى برماوي علاقة الوزارة بالسماح لشخص أو جهة بزراعة محصول بعينه، مجددا التأكيد على أن دور الوزارة ينحصر بتسجيل الشركات وترخيصها.
غنيمات لا تجيب
ومن جانبها، حاولت الاردن24 التواصل مع وزيرة الدولة لشؤون الاعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات، لسؤالها عن حقيقة منح مطيع رخصة لزراعة التبغ في الشونة، وإذا ما كانت زراعة التبغ مسموحة في الأردن، ومن منحه تلك الرخصة، إلا أنها لم تُجب..
العوران: أضرار على الأرض والمنطقة والبيئة والصحة
وبالعودة إلى الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين، قال العوران: "زراعة التبغ في الأردن قديمة، وقد كان يُزرع بمناطق عديدة في المملكة سواء في اربد أو الطفيلة أو معان وغيرها، حيث كان المزارعون يورّدون انتاجهم من التبغ لشركة التبغ والسجائر الأردنية، إلى أن تمّت تصفية الشركة في عهد الخصخصة، وصدر قانون الغاء قانون التبغ لسنة 2004".
وجدد العوران تأكيده على حجم الضرر الذي يلحق بالأرض وبعض المحاصيل نتيجة زراعة التبغ، فقال: "التبغ نبات حساس لا بدّ من استخدام المبيدات للحفاظ عليه، وهذا يطرح تساؤلا عن نسبة متبقيات المبيدات التي لا بدّ من فحصها أولا، وعن حجم العملة الصعبة التي يجري تسريبها إلى خارج المملكة نظير شراء تلك المبيدات ثانيا، والضرر الذي يلحق بالبيئة ثالثا خاصة وأن المنطقة تشتهر أيضا بزراعة أشجار الموز الحساسة".
وأوضح العوران: "إن التبغ يجعل المناطق التي يُزرع بها بيئة خصبة للفيروسات، وهذا يضرّ بالعديد من المحاصيل وعلى رأسها "الموز"، إلى جانب تكبيده المزارعين كلفا اضافية لمكافحة تلك الفيروسات..
وتساءل العوران عن مصدر المياه الذي يروي به صاحب المزرعة التبغ، حيث أنه يستهلك كميات كبيرة من المياه، والأصل أن تكون زراعته "بعلية، وهذا غير منطقي في الأغوار".
خياران اثنان يستوجبان المساءلة..
الواقع أن تتبع القضية يضعنا أمام خيارين اثنين؛ إمّا أنّ رواية مطيع غير دقيقة وأنه لم يحصل على ترخيص لزراعة التبغ، وهذه مصيبة، أو أنّه حصل على الترخيص فعلا دون علم الوزراء العاملين في حكومة الدكتور عمر الرزاز والذين كانون على رأس عملهم في حكومة هاني الملقي.. والمصيبة أعظم.. وفي الحالتين فإن المساءلة واجبة.