متى يستيقظ الناس؟
سالم الفلاحات
اذا كانت حقوق الناس مهدورة، المعنوي منها والمادي بدرجات كبيرة، وإن كانت مطالبهم حقة وغاياتهم سليمة لا يختلف عليها العقلاء، وإنهم يسيرون من سيء الى أسوأ وانهم توسلوا للوصول، أي إنصافهم بكل وسيلة ديمقراطية ليلا ونهارا وسرا واعلانا، كتبوا وحاضروا وناظروا وتظاهروا واعتصموا وصرخوا وتواصوا بالحكمة والأناة والسلمية والتحضر، أرسلوا رسائلهم بأشكال مختلفة ومع ذلك فلا من مجيب، بل تعرضوا للتشويه والاتهام ربما ألف المستبدون وسائلهم حيث اصبحت مستساغة محببة، ألفوها وعرفوا كيف يفرغونها من محتواها.
إذن إذا تبين لصاحب الحق حقه ومشروعيته بكل المذاهب والافكار والشرائع ولم يستجب له، لم لا يسير إليه سير المصمم على انتزاعها بجــد لا يعرف التردد.
ولعلي لا أجاوز الحقيقة إن قلت إن هذا المفقود الغائب هو ما تحت الرماد الساكن الناعم البارد، هذا هو اليوم في مجتمعنا حديث المجالس واللقاءات الضيقة على حد سواء، فلا يتوهمن المستبدون المفسدون أنهم حسموا الأمر الى ما يريدون وما أوعى من قال:
أرى بين الرماد وميض جمر وأحرى أن يكون له ضرام
فإن النار بالعيدان تذكى وإن الحرب مبدؤها الكلام
ولعلهم ينتظرون الناس أن ينتقلوا من حالة الضيق الشديد الى حالة المعيشة الضنك التي ليس بعدها إلا الكارثة.
وأسجل للكواكبي سبقه العربي في الاجابة الشافية ووضوحه ودقته في التشخيص؛ لأن أصدق ما يكتب ما كان من رحم المعاناة الذاتية استمع إليه في سفره العظيم نصير المستضعفين وطريق الثائرين بوعي وحكمة طبائع الاستبداد، إلا ليت المقهورين الصامتين، والمستبدين المسترسلين في غيهم على حد سواء يستمعون إليه حيث يقول:
العوام لا يثور غضبهم على المستبد غالبا إلا عقب أحوال مخصوصة مهيجة فورية منها:
* عقب مشهد دموي مؤلم يوقعه المستبد على مظلوم.
* عقب حرب يخرج منها المستبد مهزوما دون أن يتمكن من تحميل المسؤولية لخيانة القواد.
* عقب استهزاء المستبد بالدين يستلزم غضب العوام.
* عقب تضييق شديد على الناس في معاشهم وتكليفهم بأموال لا يتيسر لهم دفعها.
* في حال مجاعة لا يجدون فيها مواساة المستبد.
* عقب عمل يستفز الغضب الفوري كالطعن في العرض او إهانة الجنائز في الشرق أو احتقار القانون عند الغرب.
* عقب موالاة شديدة من المستبد لمن تعتبره الأمة عدوا لشرفها.. إلى غير ذلك من الأمور المماثلة.
ومع أنه يفترض ألا يغفل عن هذه عاقل من الحكام إلا أن البطانات الفاسدة هي التي تخفي عن الحاكم الحقيقة للإيقاع به، ويحملونه على إساءة التدبير ويكتمونه الرشد والنصيحة.
ويختم بتفاؤل إنه لا بد أن يأتي يوم يرتفع فيه التغالب، ويسود بين الناس العدل والتوادد، فيعيشون بشرا لا شعوبا وحينئذ يعلمون ما معنى الحياة الطيبة، يشعر الانسان كأنه ملك وظيفته تنفيذ أوامر الرحمن الملهمة للوجدان. وأقول اخيرا لا بد للمصلحين من القيام بدورهم الذي لا ينفكون عنه وهو:
* تبصير الناس بالخطر الحقيقي دون تهوين أو تهويل أو مواربة، توصلهم الى الاستعداد لتحمل المسؤولية بأنفسهم وهي الخطوة الاولى والأساس.
* ثم مقاومة الفساد والاستبداد بعزم وصبر وحكمة دون توقف.
* وتهيئة الصورة المطلوبة وتجليتها والتفاهم عليها ابتداء قبل الاختبار الصعب الذي وقعت فيه بعض الشعوب المحيطة بنا.
(السبيل)