الاطباء يطلقون على فقراء الوطن رصاصة الرحمة!
جو 24 :
* هل نسي الأطباء قسم أبقراط؟!
أحمد الحراسيس - "اللي معوش بلزموش"، بهذه العبارة يمكن اختصار المؤتمر الصحفي الذي عقدته نقابة الأطباء الأردنيين، السبت، للحديث حول قرارها الأخير المتضمن رفع أجور أطباء القطاع الخاص بنسب مرتفعة؛ فرئيس لجنة لائحة الأجور في نقابة الأطباء الدكتور أسعد غزال ظلّ يردد على مدار المؤتمر ما مفاده أن "أطباء القطاع الخاص لا يحتكرون الخدمة، ويمكن لغير القادرين التوجه إلى مستشفيات وأطباء القطاع العام للحصول على الخدمة"!
لا نعلم كيف تمكنت نقابة الأطباء من تقسيم المجتمع إلى فئتين بهذه السهولة؛ فقيرة لها الله ثم القطاع العام، وأخرى غنيّة يُمكنها الحصول على العلاج في القطاع الخاص، لكنّ الأكيد أن هذا الحديث لا يتوافق مع الصورة التي حاولت النقابة رسمها لنفسها قبل شهرين اثنين فقط..
ملاحظات عديدة يمكن تسجيلها على المؤتمر، ولعلّ أولها غياب نقيب الأطباء الدكتور علي العبوس عن عدسات الكاميرات، بل إنه أغلق هاتفه الجوّال فيما بدا محاولة للهروب من اتصالات واسئلة الصحفيين الراغبين بأخذ تصريحات تطفئ نار الأردنيين الغاضبين من قرار النقابة.. تماما كما كان العبوس يطفئها حين تصدّر مشهد الاضراب الذي قاده مجمع النقابات المهنية حين اعتقدنا أنه يقود "معركة للدفاع عن المواطنين الأردنيين من جور حكومة الدكتور هاني الملقي، وليست معركة لسحب المواطن الأردني من تحت سيف الحكومة ليضعه تحت مقصلة النقابات"!
وأما ثاني الملاحظات، فتتمثل بالمنطق الغريب العجيب الذي تحدث به ممثلو الأطباء؛ فكيف يمكن القبول بأن يقول أحدهم أن علاج المواطنين الأردنيين ليست من مسؤوليات القطاع الخاص بل مسؤولية الدولة؟! هل يتوافق هذا مع ما درسناه من كون الأطباء هم "ملائكة الرحمة"؟! ألا يُعتبر دعم القطاع العام والتخفيف عنه من أهم أسباب وجود القطاع الخاص في الدول؟! أليست خدمة الناس من مسؤوليات القطاع الخاص؟! أليس الطبيب مواطنا درس في مدارس الدولة وجامعاتها وتدرّب في مؤسساتها الصحية أم أنه وُلد طبيبا بالفطرة؟!
وأما الثالثة فهي قول غزال إن النقابة عندما نزلت إلى الشارع ضد قانون ضريبة الدخل كانت تُدافع عن الأردنيين جميعا لكون القانون سيمسّ من يتقاضى دخلا شهريا يتجاوز الـ 666 دينارا، ولكنّه في الوقت نفسه تناسى أن قرار النقابة برفع أجور الأطباء سيمسّ معظم الأردنيين بمن فيهم من لا يتقاضى أي راتب، فلا أحد محصّن أو محميّ من المرض.
رابع الملاحظات هي تأكيد النقابة عدم قدرتها على الزام الأطباء بتوثيق أجورهم واخضاعها لرقابة الضريبة، بل والقول إن هذا الأمر "شخصي، وأن الطبيب ملزم بتقديم اقرار ضريبي وعلى دائرة الضريبة التحقق منه"، مع علمنا بأن أبواب التهرب كثيرة ومتاحة وليست صعبة لا على الطبيب ولا غيره..
الكارثة الأخرى التي أوردها ممثلو الأطباء في المؤتمر هي التأكيد على رفض بعض الأطباء معالجة كثير من المرضى بسبب عدم اقتناعهم بالأجر الذي تعطيهم اياه شركات التأمين، والقول إن اولئك الأطباء يرفضون علاج مرضى التأمين، فيما بدت ازدواجية النقابة واضحة بالقول إن كثيرا من الأطباء يرفضون تقاضي الأجور لبعض الحالات! فكيف يستقيم هذا وذاك؟! وهل تعلم النقابة أن بعض الأطباء أعلنوا رفضهم قائمة الأجور الجديدة والتأكيد على تقديم الخدمة مجانا لغير القادرين؟!
نعلم أن العبوس ومن خلفه مجلس النقابة يريد كسب نقطة وانجاز لصالح منتسبي النقابة، لكن يُفترض أن لا تكون تلك الانجازات على حساب جيب المواطن الذي تباكى عليه الأطباء قبل نحو شهرين فقط..
وفي النهاية نسأل، هل نسي الأطباء قسم ابقراط الذي يقول: "أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلًا وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أسخِّره لنفع الإنسان لا لأذاه. وأن أوقر من علمني، وأعلّم من يصغرني، وأكون أخًا لكل زميل في المهنة الطبية في نطاق البر والتقوى. وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي، نقيًا مما يشينني أمام الله ورسوله والمؤمنين. والله على ما أقول شهيد".