jo24_banner
jo24_banner

ندوة القصة القصيرة في منتدى الرواد الكبار

ندوة القصة القصيرة في منتدى الرواد الكبار
جو 24 : ندوة "القصة القصيرة الأردنية وموقعها على خريطة القصة العربية" في منتدى الرواد الكبار

أقام منتدى الرواد الكبار ندوة نقدية بعنوان "القصة القصيرة الأردنية وموقعها على خريطة القصة العربية، 2000-2013)، بمشاركة د.محمدعبيدالله، ود.منتهى حراحشة، أدارها المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان، وذلك مساء الثلاثاء 26 آذار، استعلت بكلمة لرئيسة المنتدى هيفاء البشير.
كلمة رئيسة المنتدى هيفاء البشير
مساءً طيباً يزداد فرحاً وألقاً بحضوركم الذي نعتز به ونقدره أعضاء وأصدقاء، في هذا اللقاء الذي يقدم لنا فيه نخبة من نقادنا أوراق متخصصة حول القصة القصيرة الأردنية وموقعها في خريطة القصة العربية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وهي مهمة صعبة ودقيقة معاً، وبخاصة وأن فن القصة القصيرة من النوع السهل الممتنع، له اشتراطاته وقوانينه التي يصعب ضبطها، فكيف بنقدها وتقييم تجربتها، من هنا اخترنا أخوة أفاضل من المتخصصين في نقد القصة وأنماطها ومواصفاتها، لذا اسمحوا لي باسمي وباسمكم جميعاً أن أرحب بنقادنا: الأستاذ الدكتور محمد عبيدالله، والدكتورة منتهى الحراحشة، مؤكدة ثقتي بهم وبقدرتهم الأكاديمية والنقدية على معالجة هذا الموضوع.
وفي الختام، وإذ أتمنى للجميع أمسية ثقافية رائقة تليق بكم وبضيوفنا، فإنني أؤكد مرة أخرى ترحيبي بكم وبضيوفنا الأعزاء.
ملخص ورقة د.محمد عبيد الله
قدم د.محمد عبيد الله ورقة عنوانها "راهن القصة القصيرة الأردنية في الألفية الجديدة- قراءة استطلاعية"، تاليا ملخصها.
(أ)
هل من خريطة للقصة العربية في أيامنا؟؟
لقد سيطرت حالة من التناثر والتشرذم وتعدد المنابر بحيث صار تحديد الخارطة المرجعية أمرا صعب المنال، وأشبه بالمستحيل، ولذلك فلدى كل قارئ متابع "خريطته" التي قد لا يقرّها الآخرون. ولذلك فما يمكن أن يقال في هذا المجال أقرب إلى اجتهادات وانطباعات يحتاج الأخذ بها إلى قدر من النقاش والتواصل على المستوى العربي، وإلى حذر من ناحية النقاد أنفسهم بحيث ينطلقون من أن ما يكتبونه أو يقولونه محض "اجتهاد" وقراءات استطلاعية وتحديدات أولية قابلة للمراجعة في ضوء الكتابات الجديدة وتوجهات القصة من الناحية النصية، وليست من نوع الأحكام النقدية ذات الصفة "القضائية" أو النهائية، مما كان ينهض به النقاد الأسلاف في مراحل سابقة من عمر النقد العربي.
أية قصة نعني؟
أهي ما أنتجه القصاصون من مختلف الأجيال؟ أم نعني على وجه الدقة ما أنتجه القصاصون الجدد الذين ينتمون إلى مزاج ثقافي وتكوين فكري مختلفين عما سبق من مراحل؟ كذلك تظهر في كل عصر كتابات جديدة زمنا ولكنها تنتمي للماضي من ناحية طبيعتها الموضوعية والفنية، فهل ننظر في مثل هذه الكتابات لمجرد موافقتها للزمن الذي نحدده؟ وهناك أيضا كتاب معروفون كثيرا ما ينجحون في تقدم الموجة وقيادتها بحسّهم الإشراقي التقدمي، وبنجاحهم في الإفلات من قبضة التقليد بما فيه الانفلات من تجاربهم السابقة؟؟
ما يعنيني من هذه التساؤلات هو محاولة الاقتراب من القصة نفسها، أي البحث عن الجديد في آفاقها، والتفكير في توجهاتها المستقبلية، من خلال ما اطلعت عليه من نصوصها الجديدة، من الكتابات الأردنية والعربية منذ بداية الألفية الثالثة وحتى اليوم، وعلى قصر هذه المرحلة فإن الكتابات التي صدرت فيها في مجال القصة القصيرة كتابات قد يصعب حصرها، ولكن" ما لا يدرك كله، لا يترك جله" كما يقول أسلافنا العرب، فقد يكون فيما اطلعنا عليه عينة كافية للدلالة على الصورة السردية بتمامها، أو في الأقل على أبرز ملامحها الراهنة1.


(ب)
مرت القصة القصيرة العربية كغيرها من الأنواع والأجناس بمراحل وأطوار متتابعة في المائة عام الأخيرة، فمن البدايات الفنية لهذا النوع، في ظلال الصحافة أوائل القرن العشرين، إلى مرحلة رسوخ النوع في مرحلة الحداثة في الستينات من القرن الماضي، وقد ظلت تلك المرحلة الحداثية بتنويعاتها المختلفة: الواقعية والتعبيرية مسيطرة حتى بداية التسعينيات على وجه التقريب، وتتسم تلك المرحلة بالحرص على عناصر القصة القصيرة وعلى تنظيمها، وعلى بناء القصة بناء دقيقا يذكرنا بالوعي الحداثي المنظم الذي يستند إلى مبدأ البنية والنظام والاتساق والتناغم والإيقاع وسائر معايير الجمال الحداثي.
أما ملاحظاتنا الأولية على الحالة الراهنة للقصة الأردنية آخذين بعين الاعتبار سياقها العربي، أي الكتابات العربية المواكبة فيمكن إجمالها في المفاتيح التالية:
القصة ما زالت تنتج بشكل مناسب من ناحية عددية أو كمية2، وما زالت تستثير اهتمام دور النشر والهيئات الثقافية الرسمية، مما يعني أنها موجودة ضمن نظام الأجناس الأدبية المعترف بها كتابيا وقرائيا. ولكن ثمة ميل أو قلق متزايد من تسميتها المكرسة: "القصة القصيرة" فثمة بدائل أو تنويعات على هذا الشكل: قصة قصيرة جدا/متتالية قصصية/سرد...وما يشبه ذلك.
القصة في هذه المرحلة ليست قطعا حرفيا مع المراحل السابقة، فالقطع الفجائي أو القصدي ليس أمرا متوقعا في مثل هذا الحال، ويمكن بقليل من التجوز أن نعد كتابات الألفية الجديدة استمرارا للحقبة الأخيرة من حقب القصة العربية، تلك الحقبة التي نحدد بداياتها بأوائل التسعينات من القرن الماضي. ومعنى هذا أن ما رأيناه في الألفية الجديدة هو إشباع لمعظم ملامح قصة التسعينيات العربية، وإضافة ملامح متممة أو متفرعة من الملامح والمعالم الكبرى التي ميزت الإنتاج القصصي في تلك المرحلة.
ويقتضي هذا أن نلخص أبرز السمات التي نراها مميزة للحقبة الأخيرة من عمر القصة العربية منذ بداية التسعينات وحتى اليوم مما أبرزناه في دراسات ونظرات مختلفة لنا في القصة الأردنية والعربية في مناسبات متعددة، ويمكن إيجازها فيما يلي:
1ـ شعرية السرد ومبدأ التذويت وغلبة الاعتماد على المونولوج الداخلي.
2 ـ انسحاب الواقعية وإغفال الحكاية وتغييب الحدث، والميل إلى محو المكان وتشتيت الزمان.
3- الميتا قصة والقصة المضادة أو المعارضات القصصية.
4- العجيب والغريب Fantastic وبروز الرؤية الكابوسية بدلا من الكتابة الواعية.
5 ـ تشتت الانطباع بدلا من وحدة الأثر.
6ـ استثمار الفضاء النصي والعناية بجغرافيا النص عوضا عن جغرافيا الواقع وعوضا عن فضاء المعنى.

(ج)
ونضيف سمات جديدة اتضحت في القصة الجديدة قصة الألفية الثانية، بشكل أكثر جلاء، علاوة على استثمار جملة الخصائص والملامح التسعينية مما لخصناه فيما سبق.
ولعل في مقدمة ذلك العناوين والمعالم التالية:
تزايد التفلت من نظام الأجناس:
المرحلة الأخيرة التي بدأت بالوضوح منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ولم تزل مستمرة حتى اليوم هي مرحلة التفلت من حدود النوع ومن أنظمة التجنيس، وهو يتناغم مع حلول فكر التفكيك والتقويض (ما بعد الحداثي) مكان فكر النظام والبناء في مرحلة الحداثة، هل نسميها تأثيرات ما بعد الحداثة تلك التي عصفت بكثير من القيم والمفاهيم، وترافقت سياسيا وجغرافيا مع انتهاء الحرب الباردة وتفكك أجزاء كبرى من العالم وتفتت أقطار وأقاليم ودول.وإذا كان التفلت الأجناسي مظهرا تجريبيا فيما مضى، فقد تم المضي في التجريب إلى مناطق جديدة متقدمة تكاد تخرج على حدود النوع وإمكاناته التجريبية، ويبدو أن الكتاب أنفسهم قد أدركوا شيئا من هذا، فصرنا نقرأ على الأغلفة صورا تفعّل هذا القلق الأجناسي، ومن مظاهر ذلك ما عمد إليه نادر الرنتيسي حين صنّف كتابته الأخير(أنت تحذف نصف عمرك) تحت مسمى أو تصنيف: "سرد عن واقع افتراضي"، وكذلك هشام البستاني الذي عمد إلى شيء قريب من هذا حين صنف كتابه الأخير أيضا (أرى المعنى) تحت تصنيف: (سرد/موسيقى أو: قصص على تخوم الشعر). وكلمة "سرد" التي لجأ إليها الكاتبان هي تسمية كلية تمثل مظلة كبرى لأنواع كثيرة، وليست نوعا بحد ذاته. وهذا وما يشبهه يوضح لنا مقدار القلق الأجناسي عند الكتاب والتململ من التصنيفات المكرسة ربما انطلاقا من الإحساس بأن الكتابة الجديدة قد خرجت عنها، وما عاد من المناسب استقبالها استنادا إلى تلك التوصيفات التي تحيل إلى خصائص محددة سلفا.
ومن المؤكد أن التفلت الأجناسي الذي نلحظه في القصة القصيرة موضوع حديثنا في هذا المقام ينذر -كما يبدو- بتفكك النوع ومحاولة تبديده، ليغدو خيطا أو مكونا في أنواع جديدة. ونحن هنا نصف الحال ولا نمنع أحدا من الاستمرار في هذا المسار كما لا ندعو أحدا للبقاء في خانة التجنيس أو حدود النوع القصصي. ولكن إن أريد للقصة القصيرة أن تبقى فليس من خيار إلا الرجوع بها إلى مبدأ الحكي، وتخفيف التجريد والشعرنة إلى حدودها الدنيا، فقد تزايد مظهر التجريد وتعالت طبقاته حتى غدت القصة وصفا استعاريا أو تصويرا على طريقة الشعر والخوطر غير المحكومة بمنابع الحكي والسرد. ومخاطر ذلك في القصة القصيرة أشد من أي نوع آخر، فالقصة القصيرة شديدة الحساسية، وهي في الأصل أقرب إلى نوع بيني بل هي أقرب أناوع السرد من الشعر بمنابعه العاطفية وبإيجازه الغنائي وكثافته التعبيرية. ولذلك فإن الاقتراب به أكثر من الشعر قد يفقده خصائصه الفارقة وقد ينقله إلى نوع آخر جديد.
تجاوز المبادئ المكرسة وتعديل التعاقدات السردية:
وقلما كانت تلك المبادئ موضعا للتجريب فيما مضى من أدوار القصة ومراحلها، من مثل التمييز المعروف بين المؤلف والشخصية والراوي أو السارد، أما حين يحصل شيء فنغدو أمام نوع آخر كالسيرة الذاتية مثلا، فهناك حدود بين السرد المختلق/المتخيل والسرد الحقيقي والتاريخي، اليوم نجد صورا متعددة ليس للتمرد على هذا المبدا فحسب من ناحية تجريبية بل لتقويضه وتفكيكه عبر استددخال الذات والاسم الشخصي للكاتب ضمن نسيج الكتابة التخييلية، نجد صورا بليغة من هذا التقويض للحدود بينن التخييلي والحقيقي في عمل مثل: كهفي لسعود قبيلات (2012) والأبلغ من مجرد دخول الاسم والذات تلك الطريقة المركبة المتداخلة في معالجة مثل هذه المسألة من ناحية الخلط بين عالمي: الخيال والحقيقة. وثمة نوع من شبه حياد في تجريد الذات ومخاطبة الكاتب لاسمه وكأنه شخص آخر تماما.
النقد والسرد: النقد في مرآة السرد:
كنا نسمي ذلك بالميتا سرد فيما قبل، ولكن صوت القصة ارتفع، وتحليلها لذاتها بدا أوسع وأشد وقعا وكأنها تنطوي على نفسها وتتهيأ للتخلي عن النقد الخارجي الذي ربما لا يحسن مواكبتها فالأجدى أن تنقد نفسها نقدا ذاتيا بصوت مرتفع متضمن أو متخلل في النسيج السردي نفسه. ولعل قارئ مجموعة: طريق الحرير ليوسف ضمره سيلاحظ ظهورا متطورا لهذه السمة المهمة.
المتتالية القصصية: من المجموعة إلى الكتاب القصصي
نشر إدوار الخراط أحد أبرز التجريبيين العرب في حقل السرديات كتابه:أمواج الليالي باسم متتالية قصصية عام 1991 ولكن لم ينتشر هذا الشكل كظاهرة قبل الألفية الجديدة وهو يفتح المجال أيضا لمراجعة الشكل المستقر للقصة القصيرة نحو أشكال أخرى تقع بين النوفيلا و(الروفيلا أو قصة الحلقات أو المتتالية أو المتوالية القصصية) وهي قصة لها بنية خاصة أشبه ببنية كبرى تتفرع إلى أجزاء، ولكن الأجزاء تتكامل وتترتب ببناء مغاير لبناء الرواية. ويظهر شكل المتوالية في أعمال سعود قبيلات (بعد خراب الحافلة، وفي عمله أو كتابه الأخير: كهفي) كما يظهر في عمل إلياس فركوح الأخير (غريق المرايا) الذي كتب على شكل رواية تلتبس بالمتوالية القصصية. ويبدو أن شكل المتتالية قد احتل مكان القصة القصيرة في مصر في السنوات الأخيرة بحيث نجد عددا كبيرا من القصاصين قد تحولوا بإنتاجهم إليه.
انحسار ظاهرة "التناص" والتتريث:
انحسرت ظاهرة استخدام التراث استخداما تجريبيا مما ظهر في مرحلة الحداثة واستمر في بعض أعمال التسعينيات، وشهدنا صورا من انفتاح القصة على صور جديدة مغايرة للتناص "الرسمي" فيما سبق: وخصوصا بحالتها الحداثية المنظمة القصدية، فقد شاع في المرحلة الحداثية ظاهرة التفاعل النصي بمعنى التعالق مع نصوص تراثية واستدراجها في سجلات النص الجديد ومراياه. تخترع القصة الجديدة أساليب مغايرة تقرب أحيانا من المحاكاة الساخرة، وأحيانا أخرى تميل إلى خرق النص التراثي وليس احترامه، وأحيانا أخرى تظهر تناصات مع مواد جديدة غير نصية كالموسيقى والسينما والتشكيل وغير ذلك. أي أننا نتحدث عن انحسار حضور التراث كظاهرة تناصية وتجريبية أيضا لصالح الكتابة من درجة الصفر، درجة الذات التي تتظاهر بالاكتفاء بحدودها.

ورقة د.منتهى الحراحشة: القصة القصيرة الجديدة في الأردن
تاليا ورقة الدكتورة منتهى طه الحراحشة، الاستاذدة في جامعة آل البيت، عنوانها "القصة القصيرة الجديدة في الأردن".
المقدمة:
بيّنَ الإنتاجُ الجديدُ والمعاصرُ في القصة القصيرة في الأردن في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين أنها من الفنون النثرية الجديدة ذات السيادة عند الكتَّاب، والأكثر تداولاً على أقلام الكتَّاب إنتاجاً وتنوعاً وغنى. وقد استطاعت التخلص من تبعية القصة التقليدية، وهيمنة القص التقليدي في كثير من محاورها. وقد جسدت رسالةَ المثقفِ والتزامَهُ نحوَ قضايا مجتمعِهِ وآمالِ أمته، فهي من إنتاج أدباء مبدعون ينتمون إلى الشرائحِ الاجتماعيةِ المتنوعة في الأردن، والتي لها الأثر الواضح في تشكيلِ المجتمعِ وإعادةِ صياغتِه، مثل: هند أبو الشعر،وسناء الشعلان، وبسمة النسور، وجواهر الرفايعة، وجميلة عمايرة، وأحمد الزعبي، وجمال أبو حمدان، ومحمود الجبور، حنان بيروتي، ومفلح العدوان، وهاشم غريبة، ويوسف ضمرة، ويوسف الغزو، وصبحي فحماوي وفخري قعوار، وهزاع البراري، وخلف الخريشة، ومحمد طمليه، ومريم جبر وعطاف الزميلي، ويحيى القيسي وغيرهم. وقد نقلوا القصة القصيرة في الأردن من مرحلة التقليد والتبعية والتعليمية والرومانسية والوجدانية الموغلة إلى مرحلة التجديد والتجريب والحداثة وما بعدها. فسخَّر هؤلاء الكتاَّب القصة القصيرة لخدمةِ الكثيرِ من القضايا المتنوعة التي تمس بنية المجتمع مباشرة، مثل القضايا الوطنية والقومية والإنسانية والاجتماعية والسياسية والتاريخية والتراثية ، فاستطاعوا بذلك تقَديم مجموعةً من الأعمالِ القصصية الإبداعيةِ التي تتصفُ بالغزارة والتنوعِ والتلون، وأن تضمَّ في محتواها أبعاداً فنية وجمالية واضحة،
لقد جاءت القصة القصيرة في الأردن في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين زاخرة بالشخصياتِ والأحداثِ والأنماطِ والأساليب الفنية، وتعدد الفضاءات والأزمنة والمواقفِ والرؤى، إذ تكاد أن تكونَ معادلاً للمجتمع الخارجي، ترتبطُ عناصرها ارتباطاً سببياً، ويستمدُ كلُّ عنصرٍ قيمتَهُ النسبيةَ من علاقتِهِ بالأجزاءِ الأخرى ليجسدَ في النهاية رؤيةً للعالَمِ والحياة.
ومع ذلك، فقد ظل الهاجس الأولُ للقصة القصيرة في الأردن التنوع في الموضوعات والاتجاهات والتشكيل الفني،فظهرت نصوصاً قصصيةً في اتجاهات تاريخية وواقعية واجتماعيةٍ ونفسية. وتكادُ تشكلُ روية الكتَّاب الفكريةُ والفنيةُ المعاصرة في هذه القصص مساراً متكاملَ الحلقات، وأحدثت انحرافاً في مسار القصةِ العربية .
ملامح تطور القصة القصيرة
فرضت طبيعة تشكيل المجتمع، وإيقاع العصر الصاخب بما فيه من أحداث متنوعة ومتجددة وأحداث صاخبة، وما يواجهه العالم العربي من حروب وصراعات وموت وسفك دماء على الكتَّاب البحث عن لون جديد من القصة القصيرة يتلاءم مع طبيعة هذا الواقع الذي يعيشه الناس، وتطلب ذلك البحث عن نوع جديد ومتطور من الكتابات النثرية ومنها القصة القصيرة، فعزف الكتَّاب على هذا النغم الجديد والمتجدد، لينسجوا نصوصاً قصصية جديدة في موضوعاتها وبنيتها، وأخذوا يبحثون عن لون جديد من ألوان القصة القصيرة لها ملاح جديدة ومتطورة ومثيرة، تلاءم بنية المجتمع ، وقادرة على استيعاب قضاياه وهمومه مشكلاته التي لا تنحصر أبدا. لذلك ظهر لون من القصة القصيرة في الأردن له ملامح جديدة من مثل:
توظيف التراث
يشكل التراث ملمحاً بارزاً من ملامح تطور القصة القصيرة في الأردن، فقد أفاد الكتَّاب من المصادر التراثية المتنوعة في أعمالهم القصصية في مستويات عديدة، مثل التراث الديني والتراث الأدبي والتراث التاريخي والتراث الشعبي والتراث الأسطوري. وقد أثرت هذه الموروثات في بنية القصة ونسيجها الفني، فتشكلت من خلالها الأحداث، ورسمت الشخصيات، وتنوعت الأساليب السردية، وتلونت اللغة القصصية. وقد ساعدت الكاتب في تجسيد رؤيته للحياة والعالم، وبقائه متصلاً بتراث أمته وحضارتها، وبناء جسر من التواصل بين النص الجديد والمعاصر، والنص التراثي القديم؛ لأجل تأطير نص قصصي جديد، له كيان مستقل و شكل فني جدي يتلاءم مع طبيعة المجتمع الجديد ، ويستوعب قضاياه ومشكلاته. وقد لجا العديد من الكتَاب إلى" توظيف الموروث ضمن نصه الأصلي لوظيفة فنية أو فكرية، منسجمة مع السياق القصصي، سواء أكان هذا الموروث دينياً أم تاريخياً أم أدبياً ". فالتراث يمنح النص القصصي قيمة وأهمية ، ويصل بين الحاضر والماضي، فينسج جسراً من الترابط مع الماضي، وينقل القارئ إلى ماضي الأمم السابقة، فيولد النص القصصي الجديد ألفة مع حضارات هذه الأمم.
الموروث الديني:
يشكل المورث الديني ملمحاً بارزاً في القصة القصيرة الجديدة في الأردن، فقد تشربت النصوص القصصية نصوصاً دينية متنوعة، من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والخطب والقصص الدينية ، فنسجت نصوصاً جديدة تجسد دلالات عديدة، وتفسيرات متنوعة، تجعل القارئ يفتق ملامحها للوصول إلى فكرة النص القصصي، ومقولته الرئيسة، كما في قصة صبحي فحماوي " ربيع عجلوني"،(3) التي يقول فيها السارد" زلزلت الأرض زلزالها، بأصوات تهز الأرض وما عليها!". وهو هنا متأثر في الآية القرآنية: " إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان ما لها". (4) فالكاتب يكشف عن هول الموقف الذي يعيشه الجد في سكنه الجديد مع أبنه الموظف في عمان بعد أن قرر هجر قريته راجب في مدينة عجلون بسبب انزعاجه من أصوات ثغاء الماعز، وخوار البقر، وصياح الديك، التي تتداخل مع أصوات أهالي البيت الكبير،وصوت مياه نبع الشلالة في بدايات فصل الربيع، فيصاب بصدمة أكبر وهي الأصوات المنبعثة من صوت الحفارة العملاقة التي تقطع الصخر وتحفر الأرض في الصباح، لتثير في نفسه شعوراً في الندم والحزن بسبب تركه قريته. ويظهر الموروث القرآني في قصة هاشم غرايبة،"هموم صغيرة" يقول السارد" وتساءل المسن قائلاً: كيف؟ لعن الله الجهل.. الحسنة بعشرة أمثالها، والعشرة بمائة يا أبا صالح، ويضاعف الله لمن يشاء، فكيف لهذا الجل أن يبخس في الميزات؟"(5). فالكاتب متأثر في نصه القصصي في الآية القرآنية: " فأوفوا الكيلَ والميزانَ ولا تَبخسُوا الناس أشياءهم".(6) التي تحث الإنسان على إتمام الوزن في عمليات البيع والشراء، وكأن التلاعب في الوزن، وسرقة حقوق الناس وتبخيس السلع أصبحت من صفات المجتمع الحديث والمعاصر. (7)
المورث التاريخي
لجأ العديد من كتَّاب القصة القصيرة في الأردن إلى استلهام التاريخ، وتوظيفه في قصصهم القصيرة، فتشكلت هذه القصص الحديثة من عدد من النصوص التاريخية التي جمعت بمهارة فنية وكونت نصاً واحدا، وقد شكلت نسيجا إبداعيا أعاد الاعتبار للكتابة التاريخية وأمدها بالحياة من أجل أن تصير شكلا قصصياً ذا منحى دلاليا يثير المسكوت عنه بطرق فنية تتوارى خلف خطاب التاريخ، لتقديم قراءة للماضي انطلاقا من الحاضر، ليحقق الكتَاب من خلالها غايتهم الإبداعية.
وقد اعتمد العديد من كتَّاب القصة القصيرة على استلهام النص التاريخي لنسج خيوط قصصهم، حيث تشربت النصوص القصصية بنصوص تاريخية، فتناولت المضامين التي يريد معايشتها ،وإعادة صياغتها وفقا لقراءته الخاصة. فالمادة الحكائية للرواية تستمد مرجعيتها من كتب وأبحاث علمية أمدت الروائي بالحقائق التاريخية المدرجة في القصة والمتعلقة برؤية الكاتب التي يريد تجسيها في نصه القصصي، مثل قصة " الحصان" لهند أبي الشعر، إذ استحضرت فيها تاريخ مدينة غرناطة التي تمثل رمزاً تاريخياً للعرب، والحصان العربي الذي يمثل رمزاً للقوة العربية الإسلامية في عصر الفتوحات، الإسلامية، والانتصارات التي حققها المسلمين في تلك الفترة الزمنية. تقول الساردة: " قال الرجلُ الأولُ وهو يمسك بقائمةِ الحصان التي توقفَ فيها النبض:
أين...؟
- في غرناطة... كانوا يسلمون المفاتيح الكبيرة، وفي أسفل اللوحة التي تأملتها بعينين زائفتين، كان الحصان عينه يموت، وتنفتح عيناه السوداوان الرائعتان بانتفاضة لحظة الموت، وتوحدات مع عينيّ الفارس الذي تودسه الجياد المطهمة القوية"(8)
فهذه النصوص تندمج أحيانا كثيرة في بنية السرد القصصي، وكأنها جزء لا يتجزأ من الحكي القصصي.
وقد عمد بعض الكتَّاب إلى توظيف شخصيات تاريخية في قصصهم باعثين فيها روح الحياة من جديد؛ لأجل إعادة الحوار مع الماضي، " فالماضي ليس أكفاناً ورسوماً بالية، إنما هو قوة ندرك بها الواقع ويتعمق فهمنا له من خلالها".(9) فقد أصبح حضور الشخصيات التاريخية في القصة القصيرة الأردنية ظاهرة بارزة فيها، وتشكل ملمحاً بارزاً مثل شخصيات الجاحظ"(10) و" الحجاج" و" طارق بن زياد"، (11) ؛ لتشي في الواقع، وتعريه في إسقاط الشخصيات التاريخية عليه، ولتصبح القصة أكثر قدرة على التعبير عن الواقع،ولتصل الإنسان في ماضيه وتاريخ أمته. وعلى الرغم من اعتماد الكتَّاب على الأدوات التاريخية في صياغةِ بعضِ قصصِهم، إلا أنها ليست تاريخاً، بل إنها تستعيد صوراً من التاريخ لتجسيد فكرةٍ أو رؤيةٍ جديدةٍ للتاريخ وقوانينه بشكل عام.
من هذا المنطلق، يمكننا القول أنَّ القصة القصيرة لا تنبني على المعارضة التي يتوخى منها استبدال نوع بآخر، وإنما على عملية التطعيم الواعية التي يقوم عليها مبدأ التحويل كي يخضع المادة التاريخية لعملية تكسبها إمكانية الاندماج في صلب العمل القصصي لتوليد دلالات حكائية أخرى تخص هذا الزمن الحاضر. وهكذا أسسس الكتَّاب صيغة القصة القصيرة في الأردن انطلاقا من الموروث الديني والتاريخي والأدبي والأسطوري والشعبي
بروز ملامح التجريب (الحساسية الجديدة)
لقد فرضت التغيراتُ الجديدةُ التي حدثت للمجتمع والتداعياتُ الكثيرةُ التي ولَّدها الواقعُ ومتغيراتُه من فزعٍ وحربٍ وجوعٍ وقهرٍ إنساني إلى انتقالِ كتَّأب القصة القصيرة في الأردن إلى المرحلةِ التجريبيةِ الجديدةِ أو ما يعرف بقصةِ الحساسيةِ الجديدةِ، مما منحَها خصوصيةً إبداعيةً عميقةً ناتجةً عن دوافعَ عميقةٍ للإبداعِ والكتابةِ، فعالجت القصة القصيرة الجديدة قضايا عديدةً تشغلُ الرأيَ العامَ مع حرصها على الإيجازِ والتركيزِ على حدثٍ واحدٍ، وعددٍ قليلٍ من الشخصيات المتجسدةِ في فضاءٍ سردي قاتمٍ ومرعبٍ ومناخٍ مأساوي يجسدُ الواقعَ المريرَ بصورةٍ سرديةٍ ناميةٍ ومتغيرةٍ بل متوترةٌ تكشفُ من خلال الأنا والآخر عن المصير الجماعي/ الإنساني وفقَ رؤيةٍ خاصةٍ، كما في قصص هند أبو الشعر "الغزال الذي يركض باتجاه الشمس"، و " الموت وسط الزنابق "، و "الموت في الفضاء الرمادي "، و "عندما تصبح الذاكرة وطناً"، و قصص محمد طمليه، وهزاع البراري، وأحمد الزعبي، وهاشم غرايبة وغيرهم .
ولعل تأثرَ الأدباء بالواقعِ صبغَ معظمَ قصصِهم بالقلقِ والتوترِ والنزيفِ الدامي والرؤيةِ السوداويةِ والخروجِ على قواعدِ النصِ القصصي التقليدي، إذ إن ظروفَ الحياةِ الإنسانيةِ المعاصرة، وما طرأ على فن القصةِ القصيرةِ من تطورٍ أثَّرَ في أساليبهم القصصية بشكل عام.
ونظراً لخصوصيةِ النصِ القصصي عندهم، والمنفتحِ على أشكالِ التجريبِ الأصليةِ أو المستوردة، ونظراً لغناه الدلالي وكثافته تعددِّه المعرفي والفني، فقد حملت نصوصٌهم القصصيةُ في طياتِها دلالاتٍ عديدةً ومتنوعةً، تُتيح لنا أن نقرَأَها أكثرَ من قراءة، فالكتَّأب الجدد عملوا على تحطيمِ قواعدِ المنظورِ والمعقول، والتركيزِ على المستوى الرمزي الذي يمنحُ القارئ أكثرَ من تأويلٍ للعملِ الأدبي، أو يمنحُه فرصةَ المشاركةِ في العمل الإبداعي فيتحولُ من قارئ عادي إلى قارئ مشاركٍ بفعل الحدث. فالقاصة هند أبو الشعر تقولُ على لسانِ السارد في "عندما تصبح الذاكرة وطن": "انتفض كل شيء في أعماقها.. القدس.. الناس.. الأشياء البعيدة.. الغريب.. ساحات الحرب... الهموم المحفورة على الجباه، أحست فجأة بحاجتها إلى تقاسم هذه اللحظة المحملة بالوطن وأحزان الأهل مع أحدهم.. أياً كان. قالت وغيمة تملأ العيني المنفختين على سماء المتوسط: أنه السور.. والحجارة العتيقة.. تذكرت (القدس)...!(12)
وقد فرضت نزعةُ التجديدِ اختيارَ الكتَّأب الصيغَ السرديةَ التي تتشكلُ بفعلِ اللغة؛ لأن الخطابَ القصصي هو خطابٌ لغويٌ يتداخلُ مع مفاهيمَ أخرى من الشعرِ والدراما والسينما والتقنياتِ السردية الحديثةِ، من مثلِ التداعي والمنولوج الداخلي والتراثِ السردي القديم.
كما أنهم امتلكوا ناصيةَ اللغة، فاستعملوها استعمالاً شفوياً، وتصرفوا في الكثير من قواعدِ المعجمِ والنحو والصرف، وابتدعوا انزياحاتٍ أسلوبيةً على مستوى التركيب، ومستوى الدلالةِ، فأجادوا صُنعها بطرائقَ إبلاغِها إلى القارئ كما في المجموعة القصصية لسناء الشعلان" تراتيل الماء"، وقصص أحمد الزعبى، وعطاف الزميلي،
وقد تميزت نصوصُهم الجديدةُ بأنها نصوصٌ مكتملةٌ، زاخرةٌ بالدلالات المتنوعةِ، ناهضةٌ بحكايات أفعالِ شخصياتِها، مما نشأ عنها تجانسٌ وظيفيٌ بين مقاماتٍ من القولِ تقتضي المشافهة، وأخرى تقتضي منطقَ الكتابة، ليتولّدَ في النهايةِ نصٌ قصصي ذو طابعٍ تجديديّ يطمحُ في أن يكونَ ضرباً من الصنعةِ يتحوّلُ فيه اليوميُّ من الكلام إلى فنٍ أصيلٍ مطابقٍ للواقع الذي نعيشُهُ، كما في قصة" الغصة" (13) لهاشم غرايبة، التي تجسد شعور اللاجئ الفلسطيني في الاغتراب والقهر وقمع الاحتلال بعد نزوحه عن وطنه قسراً، فتصور شخصية معلم المدرسة المتمسك في المبادئ والقيم الراسخة في ذهنه، فيعاني الاغتراب عن وطنه ، قمع الاحتلال اليهودي لشعبه، وتكشف القصة عن شعوره بالإذلال نتيجة توزيع المؤن على اللاجئين في أماكنهم الجديدة من قبل هيئة الأمم المتحدة، لتعوضهم عن أرضهم المغتصبة، فيرفض المعونات، ويذكر التلاميذ أنَّ هذه المعونة ليس سوى نصيبهم من الهزيمة، فرفضوا علب السردين عندما رأوا عيون الأستاذ تفيض في الدموع، يقول السارد: " وذكر الجميع بأن هذه المعونة، إنما هي نصيبنا من الهزيمة... وقال لا نريد .. وغص بالكلام..وشعر أنه لا بدَّ من توزيعها، فهز رأسه موافقا، ولم يستطع الكلام، فتوقف الطلاب عن الحركة ، ورجعوا إلى مقاعدهم وجحظت عيونهم، عندما لاحظوا عيونه تفيض بالدموع..ً وتجحظ عيون التلاميذ مهابة، وهي ترقب كتفي الأستاذ المهتزتين.." (14)
ومن بوادر التجديدِ اهتمامُ الكتَّاب بالتحليل النفسي لشخصيات القصصية، وبالتعليق الفلسفي على مواقفها، فهم تسجّلُون بعضَ المعطياتِ الحسية، مثل وصفِ الموت، والاغتراب والكره، والفقر، وعودة الحياة، وأهمية الزمن، والتاريخ والموروث، ورائحة الدم، ومقتطفات من الأحاديث المألوفة بين الناس، من غير أي توجيه أو تعليق تاركين للقارئ حرية تكوين انطباعه الشخصي عما يقرؤه، فسعوا بذلك لتحويل القصة إلى عملٍ فني له قانونُه الخاصُ لتتخلص من بقايا العمل الصحفي أو المؤرخ، وابتعدوا عن الشخصيات النمطية الجاهزة المستمدة من تجارب أخرى، أو المصاغة بقوالب جاهزة.
وقد عالجت في القصة التجريبية موضوعات وقضايا كبرى، وحاولت أن تضيء تلك المشكلاتِ من مثلِ: العلاقات الاجتماعية والانتماء وعلاقةِ الشرق بالغرب، وعلاقةِ المثقف بالسلطة، والاحتلال الصهيوني، وتأملِ المجتمع وتحليلِه عبر تراكماتٍ كثيرةٍ وإعطاءِ الإنسان العربي بصفته الإنسانية المقامَ الأول:
لذلك جاءت القصة الأردنية في تلك المرحلة مثيرةً، تطرحُ قضايا خصبةً وحيويةً، وتطرحُ ردودَ الفعلِ اتجاهها، تعتمدُ أسلوبَ تناثرِ الأفكار، وقفزاتٍ من السردٍ إلى الوصفٍ، فبدت شخصياتُها مأزومةً ومتشكّكةً، وبرزت فيها الإحالاتُ الرمزيةُ على عناصرها زماناً ومكاناً وسرداً .فالشخصياتُ القصصيةُ متصفةٌ بالعمومية بعد تغير مفهومِها، فاختفت الأسماءُ الصريحةُ، وتحوّلت إلى ضمائر؛ لأن الضمائرَ في القصة التجريبيةِ هي الوسيلةُ للتميزِ بين مستوياتِ الوعي واللاوعي المختلفةِ بسبب انطواءِ الشخصية، وانكفائها على نفسها، وإحساسِها بالهامشية كما في "الحصان" لهند أبو الشعر، إذ تقولُ الساردةُ: "قلت وكأنني أجيء من عالم آخر.. قال الرجل الأول.. قال صوت امرأة خلفي، قالت المرأة من جديد، قال واحد لا أعرفه، قال أحدهم، قال آخر. هز الرجل الذي يدخن بلا توقف رأسه، قال الرجل الذي تحسس قلب الحصان"(15)
كما وظّف الكتَّاب في قصصهم الجديدة تقنياتٍ عديدةً مثل: المنولوج الداخلي والتداعي والتذكر والارتداد ولعبة تعدد الأصوات وتنوع الضمائر والرموز ليبينوا أنَّ المشكلةَ لا تتعلقُ بالذات فقط، بل بالذات والآخر،
أما على مستوى السردِ فقد اتّسم بالتعقيدِ والتداخلِ مع عددٍ من العناصرِ المشكلةِ له كالحكي وإعادة صياغة الحكاية من قبل السارد، المتلقي، وهذه العناصر جعلت للسرد القصصي عندها علاقةً وطيدةً من جوانب أخرى كالزمن (زمن السرد، وزمن الحكاية، أو القصة والصوت، والصيغة الفردية، وطبيعة التلقي) لتتشكلَ هذه العناصر في بوتقةٍ واحدة، ومن ثم تتّسمُ هذه العناصرُ إلى حدٍ كبيرٍ في إعطاء النصِ بعدَه الدلالي.
لقد ارتكز تشكيل القصة القصيرة الجديدة في الأردن على تعدد الموضوعات والتداخلِ الخطابي، والتعددِ في التقنيات السردية والكثافةِ الدلالية في جميع مستوياتها، واختيارِ ما هو جوهريٌ من بين جملةِ الوقائعِ والشخصيات الاجتماعيةِ والسياسيةِ والتاريخية، حتى وإن بدا هذا الاختيارُ لحادثةٍ جانبيةٍ أو غيرِ مجديةٍ أو لشخصيةٍ ثانوية أو هامشية، ولكنها تملكُ خاصيةً متميزةً في الكشف عن العوالم الخفيةِ للحركةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ والثقافية، لذا يمكنُ تأطيرُ القصة القصيرة في الأردن في ثلاثةِ مستوياتٍ متداخلةٍ هي:
1- مستوى الواقع المعيش: وهو المنحى الذي يستعرض فيه الكتَّاب بشكل جديّ وعميقٍ واقعَ الأمةِ العربية.
2- مستوى التذكّر، وفيه تمتزجُ شخصياتُ القصةِ بالأحداث الماضية.
3- مستوى المتخيل، ويرتبط بالواقع القصصي الذي عملت على بنائه من خلال سردها للحياة العادية.
الخاتمة:
وفي الختام، فإن القصة القصيرة في الأردن تشكّلت وفق خيالٍ إبداعي يعكسُ العديدَ من الرؤى والتطلعات والمخاوف، ويستشرفُ المستقبلَ بحركاتٍ سرديةٍ متنوعةٍ تكشفُ عن الأحداثِ وتشكلّها، والشخصياتِ ورسمِها، واللغة وتلّونِها، مما يمكّن القارئ من قراءتها وملاحقةِ الحدثِ فيها مرةً تلوَ الأخرى.


تابعو الأردن 24 على google news