"أنفاق" جديدة!
محمد أبو رمان
جو 24 : لا تبدو الأجواء صافية بين رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، ومجلس النواب. فمنذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة، تهاوت عليها الانتقادات من النواب، وأعلن عدد منهم حجب الثقة مبكّراً، فيما تتأرجح الكتل النيابية التي شكّلت الداعم الأساسي للرئيس في عملية اختياره، ويطغى على كل من كتلتي "وطن" و"الوسط الإسلامي" مزاج سلبي تجاه الحكومة وتجاهل الرئيس للنواب!
القصف على الرئيس بدأ هذه المرّة من أقطاب في مجلس النواب، أقرب –تقليدياً- إلى خط الدولة من المعارضة، مثل عبدالهادي المجالي، وعبدالكريم الدغمي. وهذا مؤشّر على أنّ هناك ارتباكاً اليوم في إدارة "مطبخ القرار" للشأن السياسي، وهو ما ينعكس بوضوح على العلاقة بين الرئيس ومجلس النواب، ويعقّد من مهمة الرجل في اجتياز المنعطفات المقبلة.
إذا تُرك الرئيس للمزاج النيابي وحيداً، وحافظ على تصلبه، ولم يقم قبل يوم الثقة بإجراء تعديل حكومي، فإنّ امتحان الثقة سيكون عسيراً فعلاً. والضمانات التقليدية المسبقة التي يضعها الرؤساء في جيوبهم قبل "الشو" النيابي في مسألة الثقة، لن تكون متاحة للرئيس؛ إذ سيدخل معركة قاسية وصعبة للغاية مع مجلس بمزاج سلبي نحو التشكيلة من جهة، وخصوم نيابيين يتحيّنون الفرص للانقضاض عليه من جهة أخرى!
المؤشرات الأولية تعزّز القناعة بأنّ المجلس لم يبتلع "الطعم" الذي قدّمه رئيس الوزراء في عملية تأجيل "توزير" النواب إلى الأشهر المقبلة، بقدر ما شعر المجلس بأنّ الرئيس يحاول الإمساك بحبال اللعبة لاجتياز المرحلة المقبلة، عبر "غواية النواب" بالحقيبة الوزارية.
هذه الحسابات (لدى الرئيس) أتت بنتائج عكسية سلبية للغاية على موقف النخب السياسية وأوساط شعبية من الحكومة. فلو تجنّبنا الحديث عن المعارضة الإسلامية والحراك، فإنّ التركيبة الهجينة الحالية للحكومة، عبر جمع وزراء ما بين حقائب وزارية مهمة وحيوية ومتباعدة، هي أمر غير مبرّر لدى الرأي العام، ولا يمكن تمريره بدعوى حسابات الرئيس مع الكتل النيابية!
لو افترضنا السيناريو الآخر، وهو أن الرئيس قرّر القيام بتعديل وزاري قبيل الثقة، أو وعد النواب بتصحيح الأمر خلال الأسابيع القريبة، فإنّ النتيجة أنّه سيغرق مرّة أخرى في الوحل الذي حاول الهروب منه سابقاً، عندما تجنّب "توزير" النواب والقبول بترشيحاتهم، إنّما هذه المرّة مع احتمالات نجاح أقل، بعد أن استنزف جزءاً مهماً من علاقته بالمجلس والكتل.
الرئيس، في نهاية اليوم، خسر حلفاءه في مجلس النواب، ودفع بالمزاج النيابي نحو الأسوأ. وهو في الوقت نفسه يحظى بخصومة شديدة من التيار المحافظ والمقرّب من خطّ الدولة، ولم يكسب المعارضة، ولا يجد له روافع في المجلس ولا في الشارع؛ فهو اختار أسوأ ظروف لخوض معركته المقبلة التي إن نجا فيها من امتحان الثقة، فإنه لن ينجو من ضربات قاسية من المجلس، وصولاً إلى السؤال الكبير مع استحقاق رفع أسعار الكهرباء بعد أشهر قليلة!
باختصار، هذه الحسابات -التي يمكن أن نفهم كيف ركّبها الرجل، وهو يتعامل مع مجلس نواب يمتلك صلاحيات كبيرة بدون أهلية سياسية لذلك!- لن تعبر به إلى المرحلة المقبلة. وهو بذلك يترك المساحات الواسعة المتاحة ليختار المربّعات الصعبة والمعقّدة للعب فيها!
صحيح أنّ الشروط التي عمل فيها الرئيس صعبة، لكنّه صعّب المعادلة على نفسه أكثر بالدخول في دهاليز وأنفاق جديدة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)
القصف على الرئيس بدأ هذه المرّة من أقطاب في مجلس النواب، أقرب –تقليدياً- إلى خط الدولة من المعارضة، مثل عبدالهادي المجالي، وعبدالكريم الدغمي. وهذا مؤشّر على أنّ هناك ارتباكاً اليوم في إدارة "مطبخ القرار" للشأن السياسي، وهو ما ينعكس بوضوح على العلاقة بين الرئيس ومجلس النواب، ويعقّد من مهمة الرجل في اجتياز المنعطفات المقبلة.
إذا تُرك الرئيس للمزاج النيابي وحيداً، وحافظ على تصلبه، ولم يقم قبل يوم الثقة بإجراء تعديل حكومي، فإنّ امتحان الثقة سيكون عسيراً فعلاً. والضمانات التقليدية المسبقة التي يضعها الرؤساء في جيوبهم قبل "الشو" النيابي في مسألة الثقة، لن تكون متاحة للرئيس؛ إذ سيدخل معركة قاسية وصعبة للغاية مع مجلس بمزاج سلبي نحو التشكيلة من جهة، وخصوم نيابيين يتحيّنون الفرص للانقضاض عليه من جهة أخرى!
المؤشرات الأولية تعزّز القناعة بأنّ المجلس لم يبتلع "الطعم" الذي قدّمه رئيس الوزراء في عملية تأجيل "توزير" النواب إلى الأشهر المقبلة، بقدر ما شعر المجلس بأنّ الرئيس يحاول الإمساك بحبال اللعبة لاجتياز المرحلة المقبلة، عبر "غواية النواب" بالحقيبة الوزارية.
هذه الحسابات (لدى الرئيس) أتت بنتائج عكسية سلبية للغاية على موقف النخب السياسية وأوساط شعبية من الحكومة. فلو تجنّبنا الحديث عن المعارضة الإسلامية والحراك، فإنّ التركيبة الهجينة الحالية للحكومة، عبر جمع وزراء ما بين حقائب وزارية مهمة وحيوية ومتباعدة، هي أمر غير مبرّر لدى الرأي العام، ولا يمكن تمريره بدعوى حسابات الرئيس مع الكتل النيابية!
لو افترضنا السيناريو الآخر، وهو أن الرئيس قرّر القيام بتعديل وزاري قبيل الثقة، أو وعد النواب بتصحيح الأمر خلال الأسابيع القريبة، فإنّ النتيجة أنّه سيغرق مرّة أخرى في الوحل الذي حاول الهروب منه سابقاً، عندما تجنّب "توزير" النواب والقبول بترشيحاتهم، إنّما هذه المرّة مع احتمالات نجاح أقل، بعد أن استنزف جزءاً مهماً من علاقته بالمجلس والكتل.
الرئيس، في نهاية اليوم، خسر حلفاءه في مجلس النواب، ودفع بالمزاج النيابي نحو الأسوأ. وهو في الوقت نفسه يحظى بخصومة شديدة من التيار المحافظ والمقرّب من خطّ الدولة، ولم يكسب المعارضة، ولا يجد له روافع في المجلس ولا في الشارع؛ فهو اختار أسوأ ظروف لخوض معركته المقبلة التي إن نجا فيها من امتحان الثقة، فإنه لن ينجو من ضربات قاسية من المجلس، وصولاً إلى السؤال الكبير مع استحقاق رفع أسعار الكهرباء بعد أشهر قليلة!
باختصار، هذه الحسابات -التي يمكن أن نفهم كيف ركّبها الرجل، وهو يتعامل مع مجلس نواب يمتلك صلاحيات كبيرة بدون أهلية سياسية لذلك!- لن تعبر به إلى المرحلة المقبلة. وهو بذلك يترك المساحات الواسعة المتاحة ليختار المربّعات الصعبة والمعقّدة للعب فيها!
صحيح أنّ الشروط التي عمل فيها الرئيس صعبة، لكنّه صعّب المعادلة على نفسه أكثر بالدخول في دهاليز وأنفاق جديدة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)