الوضع القائم تشعل سجالا سياسيا يكسب فيه الروابدة ويخسر الرزاز
جو 24 :
أحمد الحراسيس - ظلّ مصطلح "الوضع القائم" طيلة الأيام الماضية محصورا بين أنصار التيار الذي يمثّله رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز ويضمّ وزراء ونواب سابقين وناشطين حقوقيين إلى أن تبنّاه الرئيس نفسه خلال لقاء عقده مع معنيين بالشأن الثقافي، حيث ذهب الرزاز لتقسيم الرأي العام إلى أربع مجموعات قال إن أولها هي "المجموعة التي تخشى عمليات التغيير والتطوير الذي يفقدها مكتسباتها ولديها شكّ وريبة للحديث حول مشروع النهضة الجديد"..
بالتزامن مع ذلك، كان رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالرؤوف الروابدة يُقيّم الأوضاع الصعبة والعاصفة التي يعيش الأردن وسطها، وقد ردّ بلغة واضحة لا تحتمل التأويل أو التفسير قائلا إن الذين يطلقون اتهامات "الحرس القديم، قوى الشد العكسي، والوضع القائم" يلقون فشلهم على قوى موهومة، مستدركا إن الشد العكسي واجب في حالة واحدة "عندما يكون الشد الأمامي نحو التسيب والانفلات والتهور".
والحقيقة في كلّ ذلك، أن حديث الرزاز عن مواجهة ومعركة بين قوى التغيير وقوى الوضع القائم "الشد العكسي، أو المحافظين" هو افتعال لمعركة دونكيشوتية مع طواحين الهواء، ومحاولة بائسة لتبرير واقع يقول إن حكومته غارقة في العجز والفشل الذي لمسه المواطن بعد ستة أشهر من تكليف الرجل بتشكيل وزارة عنوانها التردد، ولا تملك رؤية ولا تصوّرا وطنيا واضحا، وكلّ ما تبرع به هو الاستعراض على الطريقة البهلوانية المدعّمة بكثير من الانفوغراف والانيميشن، إلى جانب الايغال في السياسات والنهج التدميري الذي بدأ قبل 15 سنة ويهدف إلى تفكيك الدولة وافقار الشعب من أجل ارغامه على القبول بصفقات اقليمية تستهدف الأردن وفلسطين على حدّ سواء..
وبينما ذهب الروابدة -الذي لم يكن رئيسا استثنائيا ولم ينجز اصلاحا سياسيا واقتصاديا- إلى تحديد الأخطار التي تهدد الأردن، وتقديم نصّ عميق محكم فيه تشخيص دقيق للمشكلة وتحذير من مآلات النهج والسياسة الكارثية التي تتبعها الحكومة والدولة، ظلّ الرزاز يعيش حالة الانكار التي عبّر عنها مرارا باعتقاده أن المسألة مرتبطة فيه شخصيا وليست مرتبطة بوضع كارثي تعيشه البلاد ويقودنا نحو الهاوية!
صحيح أن للرزاز معارضين، كما كان لأسلافه أيضا ومنهم الروابدة، إلا أنّ التيار المعارض للرزاز جمع قوى اسلامية ويسارية تقليدية ومحافظين وقوى وسطية، بالاضافة إلى رموز من نفس العلبة التي جاء منها الرئيس وهي التيار المدني، وجميعهم يرون "انفلاتا وتهوّرا" وقيادة للأردن نحو الانخراط في مشاريع اقليمية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية بعد تدمير الأردن وافقار شعبه.
ولو افترضنا وسلّمنا جدلا بصحة ادعاءات الرزاز في كونه يحمل مشروع تغيير لا نراه ولا نفهمه ولا نستطيع أن نحدد ملامحه، فلا بدّ له بداية من تسمية القوى التي يقول إنها تحارب التغيير بشكل واضح وصريح، وأن يكشفها ويعرّيها أمام الرأي العام، وأن يُحدد أولا ما هو المقصود بالوضع القائم، وما هو التغيير المنشود، هل هو تغيير على طريقة برنامج التحول الاقتصادي والخصخصة؟!
لا نعرف ما هي مشكلة أنصار الرزاز مع وجود "تيار محافظ" في الدولة، فمن غير المعقول أن تتعامل حكومة المملكة الأردنية الهاشمية مع التيارات والقوى الفاعلة في المجتمع الأردني على قاعدة "نحن وهم"، فهي حكومة كلّ الأردنيين بمختلف تلاوينهم السياسية وميولهم الايديولوجي، فلا يوجد دولة متحضرة ومتقدمة إلا وفيها تيار يستهدف المحافظة على الوضع القائم وهذه ليست تهمة ولا سبّة بل نهج وقناعة، والناس تختار التيار الذي يحكم البلاد ويتمّ اختيار فريق وزاري لا يشيطن الاخر ويحاول تطهيره.