بريطانيا ومشروعها الأممي في اليمن : أهداف ومآلات
جو 24 :
كتب الدكتور كمال الزغول - لقد إستغلت بريطانيا القضايا الإنسانية في اليمن مع سيطرة قوات التحالف العربي على ميناء الحديدة ، حيث تقدمت بمشروع قرار لوقف إطلاق النار في اليمن تحت الضغط والكلفة المالية التي ستدفعها بريطانيا بسبب خروجها من الاتحاد الاوروبي(بريكسيت)، والذي بدوره أدّى الى طلب إسبانيا التفاوض مع بريطانيا حول السيطرة على مضيق جبل طارق التي قابلته بريطانيا بالرفض التام ، ان خسارة بريطانيا مايقارب 650 مليون دولاراً إسبوعيا بسبب خروجها من الإتحاد الأوروبي جعلها بالاضافة لفرنسا تشعر بالخسارة الجيوسياسية وخاصة فيما يتعلق بالمضائق والممرات البحرية.
ان تقسيم افريقيا وبعض المناطق العربية بين المملكة المتحدة وفرنسا بإعتبارهما مناطق كولونيالية قديمة لتقاسم الثروات يجعل بريطانيا تتقدم بمشروع قرار أممي لوقف الحرب في اليمن وتستخدم قضايا انسانية(قضية خاشقجي والممرات الإنسانية في اليمن حيث يعتبر استغلالها ايضا جريمة على حساب الانسانية) للضغط على التحالف العربي لوقف الحرب، خاصةً عندما يتعلق ذلك بممر بحري مهم وهو مضيق باب المندب وميناء الحديدة الذي يبعد عن المضيق باتجاه الشمال فقط 263كم.
إن مضيقاً تدخل من خلاله 57 قطعة بحرية يومياً بالنسبة للدول الاستعمارية أهم من أي قضية انسانية أخرى كقضية خاشقجي او قضيةالممرات الإنسانية الى الحديدة،وهذا يذكرنا بالحرب الثلاثية عام 1956 على مصرعندما كان الشرق الأوسط بحاجة لأدنى ممر انساني بسبب التغريبات الإنسانية التي حدثت في ذلك الوقت، وعندما اراد عبد الناصر تأميم قناة السويس قامت نفس القوى الحالية بالاشتراك مع اسرائيل الى شن تلك الحرب على مصر للأهمية الاستراتيجية لقناة السويس، وهما الآن يشتركان مع اسرائيل في الوصول الى باب المندب عبر اثيوبيا وجيبوتي لضمان نقل النفط من مضيق هرمز الى مضيق باب المندب و من خلال قناة السويس الى أوروبا.
تحت مظلة الأمم المتحدة وقعت 60 دولة على قانون البحار في جامايكا عام 1982 لتنظيم الممرات البحرية وحرية النقل في البحار والمحيطات ، لكن شعور بريطانيا وفرنسا بالسيطرة العربية على الحديدة ومضيق باب المندب يجعلها تفكر بمآلات الخيرات الافريقية حيث سيصبح مثلث الحديدة كمثلث دبي الإقتصادي العالمي، بالإضافة الى تحكم الحلف الأمريكي-العربي بنقل النفط عبر هذه الممرات المائية، وما يثبت نية أمريكا السيطرة على هذا الممر هو تأجيل القرار الأممي بشأن وقف إطلاق النار في الحديدة الى حين محادثات السويد الأسبوع القادم ، وبالمناسبة أمريكا لم تصادق على قانون البحار عام 1982 في جامايكا ولذلك تدخلت في باب المندب بقوتها العسكرية بعد هجمات 11سبتمبر2001 .
إن تفكير المملكة العربية السعودية في مشروع نيوم على البحر الأحمر يُقوّي النفوذ المناطقي على حساب النفوذ العالمي حيث يُعتبر ثالث مثلث أقتصادي قارّي عربي بالإضافة الى دبي والحديدة وان تحقق بناؤه يقلل من نفوذ الغرب المتوسط والمتمثل في بريطانيا وفرنسا على الشرق الأوسط، ان الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح كان على توافق تام مع فرنسا من ناحية التنقيب عن النفط حيث أرسى عطاء التنقيب عن النفط لشركة توتال الفرنسية التي كانت في تنافس تام مع الشركات الأمريكية أبان فترة حكمه.
ما أريد قوله هنا أن النفوذ الكولونيالي البريطاني الفرنسي بدأ يتآكل في ضل صعود المشروع الأقليمي المتحالف مع أمريكا وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي مع تركيز الولايات المتحدة على إعادة النظر في خطة مارشال للمساعدات والتي تشمل ايضا دولاً اوروبية والنفقات المترتبة على حلف الناتو ،في الوقت الذي يتنامى فيه الوجود الروسي في سوريا وبداية صعود النجم الروسي في المنطقة بدأ يلوح في السلم والحرب وبدأت تبحث عن مخرج ومنفذ للإفلات من العقوبات الإقتصادية، وفي المستقبل اذا إنهارت ايران وتوقف تدفق نفطها الى أوروبا وخاصة فرنسا وبريطانيا، فقد نشهد تحولا وانقساما تدريجيا بين الغرب الأقصى والغرب الأوسط اي الثلاثي الغربي : أمريكا من جهة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى وهذا ما سيجعل أمريكا القوة القطبية الوحيدة، والسبب هو السيطرة على الممرات البحرية وحركة التجارة العالمبة .