jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. بين قضيّة الديمقراطيّة ومشروع "المواجهة"

بانوراما الحراك.. بين قضيّة الديمقراطيّة ومشروع المواجهة
جو 24 :

كتب تامر خرمه

ارتفاع سقف الهتافات التي شهدتها فعاليّة الجمعة في وسط البلد، جاء في ظلّ تمسّك السلطة بالخيار الأمني في مواجهة المطالب الشعبيّة المتعلّقة بالإصلاح والتغيير، حيث عبّرت السلطة عن هذا الموقف من خلال توزير الجنرال حسين هزاع المجالي، وتعيين المدير السابق لقوّات الدرك توفيق الطوالبة، مديرا لجهاز الأمن العام.

ردّة فعل بعض النشطاء على الخيار الأمني جاءت من خلال تجاوز ما يدعى ب "الخطوط الحمراء" في فعاليّة "الحسيني"، إلا أن الرسالة التي حملتها هذه الفعاليّة لا يمكن لها أن تتجاوز حدود التغطية الإعلاميّة إلى حيّز التأثير الحقيقي، نتيجة العزلة السياسيّة للقوى الناشئة، والتي كرّسها غياب القوى الحزبيّة المنظّمة عن هذه الفعاليّة وغيرها من فعاليّات وسط البلد، أضف إلى ذلك غياب الحاضنة الشعبيّة التي يمكن الاستناد إليها لتجاوز السقف المعتاد لفعاليّات وسط البلد.

ومازالت المطالبة ب "الإسقاط" في هذا التوقيت تشكّل نقطة خلاف جوهريّة بين مختلف القوى الشبابيّة والشعبيّة والحزبيّة المنخرطة في الحراك الشعبي، ناهيك عن التباينات الأخرى بين ما تطرحه هذه القوى، وعدم القدرة حتى الآن على صياغة برنامج مشترك وخارطة طريق واضحة المعالم تتّفق عليها كافّة مكوّنات الحراك.. ومن هنا فإن الإصرار على طرح القضايا الخلافيّة كرّس حالة التباين والتشتّت التي لا تخدم في نهاية الأمر سوى مراكز القوى المناهضة للمطالب الشعبيّة.

ورغم هذا الواقع، فإن تنظيم فعاليّة أخرى في مدينة الزرقاء -على وجه التحديد- يشكّل نقطة بالغة الأهميّة في مسيرة الحراك، فنجاح الفعاليّات الاحتجاجيّة في تلك المدينة يعكس دلالات لا يمكن تجاهل أهميّتها بأي حال من الأحوال.

أمّا النقطة الأبرز فيما يتعلّق بفعاليّات الجمعة الماضية، فتتلخّص في تحديد ذات الشعارات، التي شهدتها فعاليّة حيّ الطفايلة في العاصمة عمّان ومختلف فعاليّات الجنوب، وفق بوصلة المواجهة مع المشروع الصهيوني الذي يستهدف الأردن والقضيّة الفلسطينيّة على حدّ سواء، حيث تمحورت معظم الفعاليّات في هذه الجمعة -والجمعة السابقة إلى حدّ ما- حول مواجهة مشروع "الوطن البديل".

التنديد بالسياسات الرسميّة التي أدّت إلى تفشّي ظاهرة العنف الجامعي لدرجة وصلت إلى استشهاد الطالب أسامة دهيسات، وكذلك التنديد بالسياسات الاقتصادية المنحازة ضدّ خبز المواطن، ورفض التشكيل الوزاري الذي يجسّد مشروع الارتداد عن كافّة الوعود الإصلاحيّة.. كلّ تلك القضايا كانت حاضرة بقوّة في مختلف فعاليّات الجمعة، غير أن الإيقاع الناظم لتلك الفعاليّات تمثّل بالربط ما بين القضايا المحليّة والمطالب الشعبيّة المتصلة بها، وبين المواجهة مع المشروع الصهيوني باعتباره يجسّد التهديد الأكبر على واقع ومستقبل الأردن.

تسليط الضوء على هذه القضيّة لا يعني على الإطلاق أنّها طارئة على مشهد الحراك الشعبي، ولكن "وحدة الهدف" فيما يتّصل بالصراع الوجودي مع المشروع الصهيوني تجسّدت بشكل لافت في فعاليّات الجمعة الماضية، أمّا غياب القوى المنظّّمة عن المشهد فقد جاء ليشكّل عائقاً آخر أمام القوى الشبابيّة والشعبيّة الناشئة.

لا يمكن تجاهل أهميّة وجود القوى الحزبيّة لنقل مطالب الحراك من دائرة الشعار إلى واقع الإمكانيّة المتحقّقة، خاصّة عندما يتصل الأمر بتحديات خارجيّة تنعكس بشكل مباشر على الأوضاع المحليّة، ومن هنا فإن غياب القوى الحزبيّة عن معظم فعاليّات الجمعة أمر أقلّ ما يقال فيه أنّه لا يخدم الحراك.

أحزاب المعارضة السياسيّة -وخاصّة الأحزاب القوميّة واليساريّة- حدّدت بوصلتها في إطار مواجهة المشروع الامبريالي- الصهيوني، غير أن خطابها النظري لم يتجسّد على أرض الواقع إلا من خلال بضعة فعاليّات نخبويّة، والمسألة الأكثر أهميّة هنا هي الإصرار على الفصل الميكانيكيّ بين "مواجهة العدو الخارجي" وبين قضيّة الديمقراطيّة وحقوق الإنسان.

قد يكون من المفيد أن تتحمّل القوى الحزبيّة بعض اللوم وتعترف بأنّها لم ترتق حتى الآن في وسائل وآليّات عملها إلى المستوى المطلوب -أو لنقل إلى المستوى الذي تطمح إليه هذه الأحزاب- ولكن جوهر المسألة يتمثّل بضرورة الربط بين قضيّة الديمقراطيّة ومشروع "المواجهة"، ولا يعني هذا محاولة الجمع الجبري بين المفهومين، والتي تقود دائما إلى تغليب أحدهما على الآخر.. فهل ستنجح القوى المنظّمة بتحمّل مسؤوليّاتها وتجديد خطابها وآليّات عملها، لبلورة مشروع مشترك ينظم عمل كافّة مكوّنات الحراك ؟!

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير