ماذا يريد الرئيس من زيارة دمشق؟
بشكل مفاجئ، ودون مقدمات، يصل الرئيس السوداني، الى العاصمة السورية، دمشق، ويكون الرئيس السوري بشار الأسد في استقباله في المطار.
هذه اول زيارة لرئيس عربي الى سوريا، منذ اندلاع الفوضى السورية، ومن المؤكد انها تتزامن مع جملة تغيرات قد تؤدي لاحقا، الى إعادة فتح السفارات العربية في دمشق، او عودة دمشق الى جامعة الدول العربية، هذا بالإضافة الى المؤشرات التي يبرق بها الاتراك وغيرهم، بما في ذلك الأردن، التي بدأت أيضا بتحسين علاقاتها مع السوريين بشكل بطيء وتدريجي، وهي عملية ستؤدي الى النتيجة ذاتها، ما لم تحدث انقلابات مفاجئة، في المشهد الإقليمي والدولي.
اللافت للانتباه هنا، ان السياسات السودانية، اما غامضة او متقلبة او متخبطة، فالخرطوم الرسمية أيضا، كانت قريبة جدا من المحور الإيراني-حزب الله، سابقا، ثم ابتعدت وباتت اقرب الى المحور التركي وتوابعه، وفي الوقت ذاته للخرطوم توازنات معينة مع دول الخليج العربي، هذا فوق وجود تيار سياسي في السودان يرى ان حل مشاكل السودان يكون بمصالحة إسرائيل، التي لها تأثيرها في واشنطن، وبحيث تكون المصالحة ثمنا لحل مشاكل السودان إقليميا ودوليا.
لا احد يفهم سياسات الخرطوم الرسمية، والذي يقول انها توازنات او قدرة على الانفتاح على جميع الأطراف، يتناسى ان وضع السودان الجيوسياسي، والأمني، والاقتصادي، لا يساعده كثيرا على إدارة علاقات متناقضة في وقت واحد، وهو بمركز اضعف بكثير، من بلورة هذه العلاقات بهذه الطريقة.
هذا يعني فعليا، اننا امام حالة من التناقضات السياسية، قد يريد نظام الخرطوم توظيفها لاثارة اطراف معينة، او حض عواصم على التحرك نحوه لاسترداده بدلا من اندفاعه تجاه هذا المحور او ذاك، وهي سياسة قد تأتي الخرطوم بالسمن والعسل، وقد تحرق كل أوراقه لاحقا.
في كل الأحوال تأتي زيارة البشير الى دمشق، زيارة جريئة من حيث الدلالات، وهناك عواصم عربية أبقت علاقاتها السرية او العلنية إيجابية مع دمشق، وقد تكون هذه النافذة التي فتحها النظام السوداني، في جدار العزلة السورية، مقدمة لزيارات أخرى، او حتى دعوات للرئيس السوري، لزيارة عواصم عربية.
زيارة البشير أيضا، الى دمشق، مكلفة من جهة ثانية، على صعيد وجود تيارات في السودان تعادي المحور الإيراني-حزب الله- دمشق، ولايمكن هنا ان نفصل زيارة البشير الى دمشق، عن دلالات كل العلاقة السابقة مع المحور الإيراني، خصوصا، ان للخرطوم علاقات قديمة وقوية مع طهران، تم التخلي عنها، على الأقل علنا، في سياقات مقايضة إقليمية، لم تؤت اكلها على ما يبدو وفقا لتقييمات الخرطوم، التي تبحث عن اطواق نجاتها.
في السياسة، تتغلب المصالح على كل شيء، لكن لا يمكن جمع كل المتناقضات في سلة واحدة، مهما بلغت قوة الدولة التي تصوغ هكذا سياسات، وهذا يعني ان السودان امام حالة من حالتين، اما ان الرئيس يعود علنا الى الحضن الإيراني، واما انه يريد توظيف هذه الزيارة لاثارة قلق وغضب وغيرة اطراف محددة، لدفعها لاسترضاء السودان، وتلبية طلباته ومتطلباته، وهي في كل الأحوال لعبة محفوفة بالخطر، خصوصا، في هذا التوقيت بالذات.الدستور