jo24_banner
jo24_banner

فلسطين هي البوصلة ولكن..

لميس أندوني
جو 24 : نعم فلسطين هي البوصلة، لأن التخلي عن فلسطين هو التخلي عن تحرر الأوطان، ولأن الخطر الإسرائيلي لا يتهدد الشعب الفلسطيني وحده، بل كل الشعوب العربية. لكن لا يعني ذلك السكوت على ظلم الطغاة باسم فلسطين، لأن فلسطين قضية عدالة حرية وطريق التحرير لا تمر عبر قمع الشعوب.
الأنظمة، دون استثناء، استغلت القضية الفلسطينية لإسكات شعوبها باسم الأمن القومي، وحاولت تأجيل قضايا الحريات والعدالة الاجتماعية ورهنتها بحلّ القضية الفلسطينية، وفي هذا انحراف عن بوصلة فلسطين، وليس التزاماً بها، بل توظيفاً بشعاً، لضمان الخضوع والخنوع.
لكن هذه السياسات والأساليب نجحت إلى حد هام، بالفصل بين قضايا التحرر من التبعية و قضايا الحريات والعدالة الاجتماعي، وتهميش الوعي بالقضية الفلسطينية وتصويرها كأنها عبء على المطالبة بحقوق المواطن والمواطنة، والمساواة وسيادة القانون والتقدم.
"الفصل" بين هذه القضايا أصبح من سمات الحركات الاجتماعية، فالموقف من فلسطين ومن أمريكا، يعامل كأنه مسألة ثانوية، و"متخلفة" و"دقة قديمة" وكأن الاحتلال الإسرائيلي لم يعد موجودا أو النفوذ الأمريكي تخلى عن غطرسته الإمبريالية.
لا شك أن الاتفاقيات العربية - الإسرائيلية بدءا من كامب دايفيد، مروراً بإعلان أوسلو ومن ثم معاهدة وادي عربة، لعبت دوراً مفصلياً في تثبيط الحماس والمعنويات والأمل، وبالتالي تقليص مركزية القضية الفلسطينية، لأن الرسالة الدائمة هي أن لا بد للعرب من الاستسلام لواقع التفوق العسكري الإسرائيلي.
التهيئة لمرحلة المعاهدات الإسرائيلية-العربية سبقتها حملات غربية و عربية شجعت الفكر الانعزالي داخل الدول العربية، كما شهدت مصر عشية كامب دايفيد، من "عودة إلى الجذور الفرعونية" والتشكيك بعروبة ومصر وربط الانسحاب من مواجهة إسرائيل بوعود ازدهار اقتصادي، أي وضع الالتزام بالقضية الفلسطينية بمواجهة حق الإنسان العربي بالحرية والعيش الكريم.
فيما راجت فكرة أن التخلف الاقتصادي والفقر في العالم العربي هو الإنفاق العسكري ومواجهة إسرائيل، على حساب متطلبات التنمية الاقتصادية، وأن "السلام مع إسرائيل" يفتح بوابات القفزة الاقتصادية العملاقة وتضعنا في مصاف الدول المتقدمة وقد نسبقها حتى.
مسألة الإنفاق العسكري في العالم العربي، لا تتعلق بالضرورة بخطط حربية أو مقاومة ضد إسرائيل، فلا تحمِّلوا فلسطين وزر إنفاق يدرُ بالربح والثراء على سماسرة السلاح وتجارها.
أما وعود الازدهار، فرأينا ازدهار وانتشار"القطط السمان" فيما غرقت مصر في أزمات اقتصادية، وإفقار لفلاحيها وعمالها، وتفكيك لمؤسساتها الاقتصادية، عبر البيع والخصخصة، دون أي معايير اقتصادية وسيادية، وجعلتها أسيرة للمساعدات الغربية وقروض صندوق النقد الدولي.
في الأردن أصبح الالتزام الأحادي بوادي عربة من شروط المساعدات والقروض بالإضافة إلى لبرلة الاقتصاد، دون بناء شبكة ضمان اجتماعي، ونحن الآن في مأزق غلاء الأسعار في مقابل قروض ومساعدات لها شروط سياسية مكلفة للبلد واستقراره.
كمــــا هطلـــــت الأمــــوال مطـــــــــراً فــــــي فلسطين على السلطة ولإنشاء منظمات غير حكومية، لم تبن اقتصاداً، بل زادت تبعيته لإسرائيل فيما أغدِقت الأموال على الجمعيات الأهلية لإبعاد أجيال عن المقاومة والفكر المقاوم.
ليس المقصود تبرئة الحكومات من مسؤوليتها عن الخراب الاقتصادي، بل أن تغيب القضية الفلسطينية وتوقيع المعاهدات الإسرائيلية لم يحل المشاكل والإشكاليات الاقتصادية والسياسية، بل عمقت تبعية كل من مصر والأردن للدول الغربية.
فلسطين هي البوصة تعني أن أية خطوة تخفف الضغط على إسرائيل بموافقة عربية، ومكتوبة بالأخص، تعرقل فرص نهوض المجتمع بما تتطلبه من رضوخ لشروط إسرائيلية وغربية.
لكن فلسطين هي البوصلة، لا تعني أن موقفنا محكوما بموقف أي نظام من فلسطين، والسكوت على البطش والقتل، وكأن سفك دماء الشعوب، والزج بالسجون، والتنكيل مسموح باسم فلسطين. هذا تشويه بل جريمة بحق فلسطين.
ففي كل مرة أكتب عن سورية ورفض التدخل الخليجي والغربي فيها، تأتيني رسائل معاتبة أو مهاجمة، لوصفي النظام السوري بالدموي، لكنني سأستمر بذلك لأن الانتماء للقضية الفلسطينية وفضح المخططات الامبريالية لا تعني تبرئة الأنظمة من جرائمها.
ولأن بوصلتي هي فلسطين، بالمعنى الوطني القومي والإنساني التحرري، تفرض علي مجابهة الطغاة والاستعمار معاً، لأنه لا يمكن تجزئة الظلم.العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير