jo24_banner
jo24_banner

سقوط بغداد وشظايا النظام العربي

لميس أندوني
جو 24 : في البدء كان اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها، وبالكاد أفقنا من الصدمة على أمل الثورة فَدَهَمَنا اجتياح لبنان وحصار بيروت، واكتملت فجيعة أرواحنا ليلة سقوط بغداد منبئة بسقوط ما تبقى من النظام العربي، وما تبع ذلك لم يكن إلا تفاصيل التهاوي المدوي، تُدمينا شظاياه المتناثرة التي تتوالد من دون نهاية.

لا أسف على النظام الرسمي العربي، ولا يستحق حتى النعي، لكن شظاياه المتطايرة تجرحنا وتشرذمنا، لأنها تحاصر سماءنا وأجواءنا، بل وتحكمنا، فلم يقم نظام عربي جديد يمثل إرادة الشعوب في حين تستمر عملية التفكك والتفكيك، رغم الثورات العربية وتضحياتها، بل إن الطعنة الأكثر إيلاماً هي استغلال الثورات لمحاولة القضاء على ما تبقى من حلم بحرية واستقلال وعدالة اجتماعية.

قرار الحرب على العراق لم يكن وليد ردة فعل، أو حقائق أو حتى أوهام عن امتلاك بغداد أسلحة الدمار الشامل، الكذبة كانت ضرورية، للدعاية والتعبئة، بل كانت حلقة رئيسية، بل المفتاح، لإحكام السيطرة على المنطقة، في سياق استراتيجية الهيمنة الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة.

لا نتحدث عن مؤامرات خفية، بل عن خطط منشورة وعلنية، بدأت مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، للحفاظ على مكانة أمريكا كقوة عظمى وحيدة، وضمان عدم ظهور أية قوى عالمية أخرى، أو حتى إقليمية تؤثر على مصالح الإمبراطورية الأمريكية وتحديداً كبح قوة الصين المتنامية، ومنع تمدد روسيا خارج حدودها الجديدة.

المحافظون الجدد، الذين وضعوا أسس مرحلة ما بعد الحرب الباردة، صنفوا الشرق الأوسط كمنطقة نفوذ لا بد من إعادة ترتيبها،من دون المساس بتفوق إسرائيل العسكرية، القوة الإقليمية الوحيدة المسوح بها، وبما ينهي مركزية القضية الفلسطينية والفكرة التحررية من العالم العربي بما في ذلك مفهوم العالم العربي نفسه.

لذا ضم الاجتماع الأهم الذي بدأت فيه مخططات الحرب على العراق في البنتاغون، أهم رؤوس المحافظين الجدد من داخل الحكومة الأمريكية وخارجها، من ديك تشيني وبول ولفويتز، إلى ريتشارد بيرل والمؤرخ الاستشراقي برنارد لويس، لأن العملية التي كان يتم التحضير لها كانت تتجاوز العمليات الحربية، إلى مخططات أوسع تحتاج إلى تأطير فكري للتبرير والتنفيذ.

وجود لويس كان ضرورياً، إذ إن لويس هو صاحب نظرية أن العالم العربي جاهز للتفكيك والتفتيت إلى كنتونات طائفية وإثنية، وأنه لا توجد أسس هوية متماسكة للعالم العربي، مثل "إسرائيل" وتركيا وإيران، وإن كان لويس عاد وشكك في هوية تركيا قبل سنوات تماشياً مع التزامه مع الأهداف الاستعمارية والصهيونية بطريقة علنية ومكشوفة.

ومن هنا جاء الإيحاء بقوة أنه تدخل ليس فقط للحفاظ "على السلام العالمي"، بل إنه تدخل إنساني، وبالتالي تم التركيز على "حماية للشيعة" ليس محبة بالشيعة بل تغذية للفرقة الطائفية، وتحرر الأكراد، ضربا لفكرة الوطن العربي، وفي السنوات اللاحقة "حماية للمسيحيين"، لزرع بذور الكانتونات الطائفية.

"محاباة واشنطن الشيعة" على "حساب السنة" عشية الحرب، كانت تكتيكاً ضرورياً، لأن منظري الحرب ومنهم لويس، وريتشارد بيرل، ربطوا بين "العرب السنة والفكرة العروبية"، بهدف فصل شيعة العراق عن العالم العربي، و إنهاء انتماء العراق إلى العالم العربي، وحتى فكرة دولة العراق نفسها تدريجياً ولذلك تم حل الجيش وتفكيك مؤسسات الدولة.

أي أن تفكيك العالم العربي، تم وضعه وتقديمه في سياق الإستراتيجية الأمريكية لتثبيت مكانة أمريكا للقوى العظمى الوحيدة لكن الهدف الآخر، أن التفكيك ينهي معضلة "شرعية وجود إسرائيل في المنطقة"، لأنها لن تكون وسط بحر عربي هو امتداد لهوية الشعب الفلسطيني العربية، بل في وسط دويلات طائفية لا تهدد هويتها واستمرارها.

احتلال بغداد مثّل الحلقة الأهم بعد النكبة الفلسطينية، والتي نرى تبعاتها وتداعياتها مستمرة، فكان من الممنوع ترك الثورات العربية، منة دون تدخل، لإعادة ارتهان الأنظمة الجديدة، بل تم الدخول على خطها، لأن المخطط وإن جابه انتكاسات حقيقية، لا بد وأن يستمر.
عشية سقوط بغداد كان لا بد حتى من تحويل حتى النظام العربي، الفاشل والمتواطئ، إلى شظايا، والثورات جاءت لتكنس الشظايا، وتعيد كرامتنا، وبالتالي كان لا بد من محاولة تطويعها وتشويهها، لكن لا مجال لليأس، فلا بأس من سقوط النظام الرسمي، لكن علينا أن نرفض إسقاط الشعوب.

l.andony@alarabalyawm.net


(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير