ثقافة الانقسام تلوث الإعلام
من يتابع الخطاب الإعلامي في الحالة العربية الراهنة ، سواء بين التيارات الإسلامية وخصومها في مصر أو بين أنصار النظام الوحشي في سوريا وأعدائه يرى غياب أي اهتمام بثقافة المواطنة المستندة إلى وحدة الشعب ، وفق المفهوم المعترف به لمعنى الهوية الوطنية في الدولة الديموقراطية ، التي هي دون غيرها من يكتسب صفة الشرعية .
كل طرف يسعى إلى تأليف خطابه الخاص ، بالبحث عن كل ما يعزز ثقافته الهادفة إلى تقسيم الشعب وإظهار التناقضات بين مقوماته ومكوناته الاجتماعية والدينية . وذلك لتوظيفها في خدمة التمسك بالسلطة ، أو لقهر الآخر وأقصائه ومحاولة نفيه بنزع صفة الانتماء الوطني عنه . وتقدم الفضائيات المتحاربة بين السنة والشيعة ، وبين ( الاسلاميين وقوى الاتجاهات المدنية ) مثالا على هذا الدرك الأسفل من مفاهيم تنسف حقوق المواطنة وتحول الوطن إلى غابة .
خطاب إعلامي يقوم على تجنيد الدين لخدمة الصراع على السلطة ، ليس بمفاهيم المعارك الانتخابية في الديموقراطية التي تتوجه بخطابها البرامجي إلى مجموع الشعب دون تمييز ، إنما بمفهوم ( الفئة المؤمنة والفئة الضالة ) أي اختلاق عدو جديد ، ليس خارجيا هذه المرة انما داخلي يستحضر فيه من التاريخ كل ما يجعل الفتنة بضاعة رائجة ، بمعنى آخر إلغاء مفهوم المواطنة الجامعة المستندة إلى روح العصر والدستور والقانون وإحلال ثقافة التمييز والكراهية .
ليست ( المواطنة والوطنية ) هي فقط ضحية ثقافة الكراهية والانقسام إنما ( العروبة والأمة ) أيضاً . وبينما تتهم المعارضة المصرية حكم الإخوان بانه يسعى إلى حصر هوية مصر بالألف وأربعمائة عام ( الهوية الاسلامية ) بعد الزيارات التي قام بها الرئيس المصري إلى ايران وباكستان والسودان ومواقفه مع حماس ، فان بعض هذه المعارضة ومنها ( المعارضة القبطية ) تحمل هوية مصر إلى عمق التاريخ القديم أي إلى خمسة آلاف سنة ، وكلا الهويتين ، تتضمنان نفيا وانكارا للآخر وخطرا على مفهوم الوطنية والعروبة . فمصر ليست فقط دولة عربية إنما هي في مركز القيادة للأمة بأسرها .
وعلى الجبهة السورية تتعمق ثقافة الانقسام الطائفي وتتلوث بمفاهيم تبرر للديكتاتور القتل وسفك دماء شعبه ، بل أنها تمجد حرب الجيش الأسدي على الشعب السوري وتعتبر هذا الجيش قوة تنويرية ومنقذا للامة ومالكا للحقيقة الوطنية في مواجهة شعب متمرد (و إرهابي )، متآمرا على نظام الممانعة والمقاومة ، وناكراً للجميل !! . وكأننا أمام نسخة غرب آسيوية من تجربة حكم ( الخمير الحمر) في كمبوديا الذي كان جنوده يتباهون بعدد الأهرامات التي اقاموها من جماجم المدنيين باسم مقاومة الامبريالية والدفاع عن الوحشي بول بوت وعن الشرعية الثورية للزعيم وحزبه القائد .
هذا التلوث الثقافي والسياسي اصبح جملاً إعلامية في خطاب فضائيات متصارعة على كسب المزيد من الأنصار لتكريس وتغذية الحروب والمواجهات على الأرض بين أبناء الشعب الواحد وبين صفوف العرب أجمعين . وسط هذا التلوث يغيب أي ذكر للصراع مع إسرائيل من اجل فلسطين والجولان ، كما يتلاشى الاهتمام بمسائل التضامن العربي والعمل الاقتصادي والسياسي المشترك . فالصراع اصبح دينياً طائفياً ، ومواجهة سياسية وثقافية بين يزيد بن معاوية وبين الحسن والحسين ومقارنة بين دولة عمرو بن العاص وحكم رمسيس . (الرأي)