سوريون في مزارع الأردن.. عمّال في دائرة الانتهاكات - فيديو و انفوغراف
جو 24 :
* اعداد: أنصار أبو فارة -
وسط مزارع شاسعة في البادية الشمالية شرق مدينة المفرق انتشر عمال سوريون في نواحي الحقل يهذبون فروع الأشجار ويربطونها بطريقة منظّمة، مستندين إلى طاولة مستطيلة مثبتة فوق جرار زراعي، يتوقف بين أشجار الدّراق لحين تربيط فروعها، ثم ينتقل بالعاملين إلى أشجار أخرى لإجراء العملية ذاتها.
لم يتجاوز عدد العمال الذين كانوا يعملون في المزرعة ذلك اليوم عشرة عاملين، من أصل سبعين عامل يقطنون المخيم العشوائي المقام بجانب المزرعة، إذ يصبح العمل متذبذباً خلال الشتاء، وهذا يلقي بأثره على لاجئين ولاجئات يعتمدون في معيشتهم على العمل بالزراعة منذ قدومهم إلى الأردن قبل 5 سنوات أو أكثر.
تقول أم راشد، لاجئة سورية، إن عملهم في المزرعة يبدأ مع شروق الشمس، يقصدون العمل رجالًا ونساءً، وأطفالًا أحياناً، يشتغلون 8 ساعات في اليوم أو أكثر إن تطلب العمل، في زرع المحاصيل والتربيط وقطف الخضار والفاكهة أو لمّ الحطب، وتضيف "وقت الشتا والبرد معطلين، ووقت الشمس والصحو طالعين، والخبز نوخذو بالدين، لحتى نشتغل نوفّي الخباز".
تقيم أم راشد مع 50 عائلة سورية لاجئة في المخيم بجانب المزارع التي يعملون فيها بالبادية الشمالية، حيث حلّوا بعد ترحال طويل أرهقهم، من مزرعة إلى أخرى، ومن شقاء إلى شقاء، باحثين عن لقمة العيش، إذ تنقلت بين المدن الأردنية منذ قدومها إلى الأردن عام 2014، حالها حال السوريين الآخرين الذين يعملون في الزراعة، فأينما وجدوا عملاً وضعوا خيامهم واستقروا، حيث تتطلب طبيعة العمل الموسمي الاستعداد للانتقال بين المواقع وخاصة في مواسم الحصاد، ما يزيد معيشتهم تعقيدا، وغالباً ما تكون الحقول المزروعة بعيدة عن المدن، ولا تتوفر فيها الخدمات الأساسية كالمشافي والمدارس، لذلك ينقطع الأطفال عن تعليمهم، ويلتحقون بالعمل مع عائلاتهم، أمّا الأجر، فيرتبط بالعمل، بدون عقود أو حقوق، ففي اليوم الذي يعملون فيه يتقاضون أجراً.
ويحصل السوريون المقيمون في مخيمات اللجوء الرئيسية في الأردن على تصاريح عمل في القطاع الزراعي أيضًا، وغيرها من المهن المتاحة لغير الأردنيين، ويخرجون للعمل في فرص توفرها مكاتب التشغيل، أو وسطاء غير رسميين بين العمال وأصحاب العمل، على أن يكون خروجهم مشروطًا بالعودة إلى المخيم بعد مدة أقصاها شهر، وفقاً لمتطلبات الحصول على تصاريح عمل للاجئين السوريين المنشورة على موقع وزارة العمل الأردنية.
* انفوغراف رقم (1)
عمل غير منظم
رغم ما يقوم به العاملون والعاملات في الزراعة من عمل مضن يتطلب جهداً بدنياً كبيراً، إلا أنهم لا يتلقون أي حقوق، ويحرمون من أي ضمان اجتماعي وصحي، علمًا أن 95% من اللاجئين السوريين العاملين في الزراعة يمتلكون تصريح عمل، كما أظهرت نتائج دراسة العمل اللائق والقطاع الزراعي في الأردن"، الصادرة عن منظمة العمل الدولية عام 2018، لكنّ أصحاب المزارع يلتفون على حقوقهم، ويتعاملون معهم كعمال مؤقتين يؤدون مهامهم مقابل أجر ساعة أو يوم، ويجري الاستغناء عنهم بمجرد انتهاء الموسم أو تعطل الشغل في الحقول.
بجانب المزرعة، تقتعد أم أحمد الأرض وسط المخيم مع أفراد عائلتها في يوم شتوي خلا من العمل، وتروي عن عملها في المزارع بالأردن أزيد من خمس سنوات في مدن مختلفة، موضحة أن الأجر يعتمد على اتفاق مع صاحب المزرعة، فيعملون ثماني ساعات متواصلة مقابل 5 أو 6 دنانير فقط (7دولارات) تعتبر (يومية) العامل أو العاملة، ولا يربط العامل/ة بصاحب العمل أي عقد أو ضمان، وتنتهي هذه العلاقة بمجرد تسليم الأجر نهاية اليوم أو الأسبوع، وفقاً للنظام المتبع لدى المالك، ومنهم من كان يؤجل دفع أجرها وزملائها حتى نهاية الموسم.
أما أحمد، الذي يعيل أسرة من سبعة أفراد، يقول إن أفضل أجر حصل عليه جراء عمله في الزراعة وصل دينارا لكل ساعة( (1.41 دولارا، وقد تنخفض الأجور خلال فصل الشتاء إلى أقل من ذلك، كما ينخفض الطلب على الأيدي العاملة، مما يُصعّب احتساب الأجر الشهري للعاملين في الزراعة.
ويؤكد أحمد أن على العامل استغلال "الموسم" الذي يمتد من نيسان وحتى أيلول من كل عام، "وفرت منهم اشي وفرت، ما وفرت بدي بالشتوية ألجأ أتدين حتى ييجي الموسم وأقدر أغطيه"، على حدّ قوله.
وقد بلغ عدد العمال المهاجرين العاملين في قطاع الزراعة والحراجة وصيد الأسماك في الأردن، ممن يحملون تصريح عمل قانوني (87338) عامل عام 2018، وفقاً لوزارة العمل، 19% منهم سوريون، حيث بات يشكل اللاجئون السوريون جزءاً كبيراً من القوى العاملة في الزراعة بالأردن في السنوات الثلاث الأخيرة، كما تظهر التقارير السنوية لوزارة العمل.
السوريون ممن كانوا يفلحون أراضيهم في بلدهم اتجهوا إلى العمل في المزارع، وجُلّهم من ذوي المهارات البسيطة وغير المتعلمين، ومنهم من أجبرته الظروف أن يمارس العمل الزراعي لأول مرة، فهؤلاء يجدون أنّ حصولهم على عمل في الزراعة سهل نسبياً مقارنة بالقطاعات الأخرى، كما أن الحصول على تصاريح في قطاع الزراعة أسهل من غيرها، إذ بلغت نسبة التصاريح الممنوحة للسوريين في هذا القطاع العام المنصرم 37%، بحسب بيانات منظمة العمل الدولية، لكن العمل فيه غير منظم، وتسوده الانتهاكات التي تطال جميع العاملين فيه من مختلف الجنسيات.
وعلى الرغم من شمول عمال الزراعة تحت مظلة أحكام قانون العمل المعدل رقم 48 لسنة 2008، إذ تحدد الفقرة (ب) من المادة (3) الأحكام التي يخضع إليها عمال الزراعة بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية، من شأنه أن ينظم عقود عملهم وأوقات العمل والراحة والتفتيش حفاظًا على حقوق العاملين وأصحاب العمل، لكن هذا النظام لم يصدر لغاية الآن.
وكشف أمين عام وزارة العمل سابقاً ورئيس مركز بيت العمال المحامي حمادة أبو نجمة أن الوزارة أعدت نظامًا لترتيب أوضاع القطاع الزراعي وتنظيم العمل فيه عقب تعديل القانون، لكنه لم ير النور، نتيجة الاعتقاد بأن إقرار نظام كهذا من شأنه أن يضع أعباءً إضافية على المزارع الأردني، وفقًا لأبو نجمة، مؤكدًا أن "هذا الاعتقاد خاطئ"، كون النظام لا يضر بمصالح المزارعين، بل ينظم العلاقة بينهم وعمالهم، كما يحفظ حقوق العاملين في هذا القطاع.
ومن جهتها، ترى مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة الحقوقية لندا كلش أن عدم صدور نظام لقطاع الزراعة يرتبط باعتراض متنفذين يسعون إلى الحفاظ على مصالحهم التجارية فقط، وغير مهتمين بحفظ حقوق العاملين في هذا القطاع.
حقوق ضائعة
في 3 مزارع بالمفرق والزرقاء، يعمل جميع السوريين الذين قابلتهم معدة التقرير بلا عقود، وبأجور متدنية، ولم يشركهم أي رب عمل بالضمان الاجتماعي، ويعيش غالبيتهم مع عوائلهم ضمن مخيمات عشوائية لا عنوان دائم لها، إذ يرتحلون من مكان لآخر وفقاً للطلب على الأيدي العاملة، وتتضح معالم وظروف عملهم من خلال ما يقوله العامل خالد عز الدين "قبل رعيت بالحلال، اشتغلت بالتلقيط، وبهاي المزرعة حارس على هالبير بضل 12 ساعة ناطر، من ستة المسا للستة الصبح، والله ما أحسن أنام، على 250 شهري، والضمان ما سمعت فيه غير بوجودكم".
ينطوي تشغيل العاملين والعاملات بلا عقود، ولساعات طويلة مقابل أجر زهيد، ودون احتساب ساعات العمل الإضافية وعدم إشراكهم في الضمان الاجتماعي على انتهاكات جسيمة، ويبقى العمّال عرضة لخسارة حقوقهم المالية في حال وقوع أيّ خلاف مع أصحاب العمل، وينطبق ذلك على جميع عمّال الزراعة.
بموجب قانون العمل، "يجوز تشغيل العامل بموافقته أكثر من ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية، على أن يتقاضى العامل على ساعة العمل الإضافية أجرًا لا يقل عن 125% من أجره المعتاد"، كما جاء في الفقرة (أ) من المادة (59)، وبحسب الفقرة( أ) من المادة (56) فإن ساعات العمل العادية تكون ثماني ساعات في اليوم، على أن لا تزيد ساعات العمل عن ثمان وأربعين ساعة في الأسبوع، وعلى الرغم من ذلك فإن غالبية السوريين الذين يشتغلون أكثر من ثماني ساعات، لا يتقاضون أجراً إضافياً، كما في حالة خالد، ومنهم من يؤدي أعمالًا إضافية مقابل إقامتهم على أرض المالك، دون أي مردود مالي، ويدخل هذا في إطار "شبهة العمل الجبري" التي تعد جريمة وفق القوانين الأردنية ومعايير العمل الدولية.
ويعدّ الاشتراك في الضمان الاجتماعي إلزاميًا من حيث المبدأ، باستثناء العاملين في المنازل وعمال الزراعة، ورغم عدم وجود نص صريح في قانون الضمان الاجتماعي ينص على استثناء عمال الزراعة تحديدا من الاشتراك، لكن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تقوم باستثنائهم من التفتيش إداريًا، بذريعة عدم وجود نظام يحكم العمل في القطاع الزراعي، ما يؤدي إلى خسارة حقوقهم، فالاشتراك في الضمان الاجتماعي يغطي تأمين إصابات العمل، وتأمين الشيخوخة، وتأمين العجز، وتأمين الوفاة، وتأمين الأمومة، بالإضافة إلى التعطل عن العمل، وجميع هذه الحقوق يستثنى منها العاملون في الزراعة ومن ضمنهم السوريون، لكنهم يقبلون بالعمل مهما كانت ظروفه، بسبب حاجتهم الماسّة له، ويفتح هذا باب الاستغلال على مصراعيه في ظل قصور قانوني وتراخٍ رقابي.
وفي حالات قليلة يتكفل صاحب المزرعة بعلاج من يصاب أثناء العمل، فانعدام العقد والضمان الاجتماعي يعني انعدام التأمين، وعندما يصاب العامل سيتعطل عن العمل ويخسر مدخوله الأساسي طوال المدة التي يحتاجها للتعافي.
أم أحمد تؤكد على ذلك من خلال تجربتها الطويلة في العمل الزراعي قائلة "اللي انصاب بالمزرعة احنا حكمناه، ابني وقع بالمزرعة وانكسرت ايدو، عالجناه وضل معطل شهرين على حسابه".
ويضيف أحمد "نحن في أفضل الأحوال نفاصل صاحب المزرعة على الأجر، ما في ضمان لأنه ما في عقد إلزامي، وإذا رفض يدفعلنا نرحل".
* انفوغراف رقم (2)
استغلال
يحصل اللاجئون السوريون على تصريح عمل مرن يسمح لهم بالتنقل بين أصحاب العمل دون الارتباط بمشغّل واحد، إمّا بواسطة صاحب العمل، أو من خلال تعاونيات زراعية (جمعيات متخصصة بنشاطات زراعية إنتاجية وتجارية) فوضتها وزارة العمل بذلك، ويصدر التصريح باسم هذه التعاونيات، وفي هذه الحالة، تصبح التعاونيات "حكمًا" هي صاحب العمل، كما توضح الكلش، وعليها أن تتكفل برسوم التصريح، إلا أن إعفاء أصحاب العمل من رسوم التصاريح ورسوم الشهادة الصحية عن استخدام العمالة السورية حتى كانون أول / ديسمبر 2019، يُرتب دفع 10 دنانير فقط (أي ما يعادل 14 دولارا)، مقابل تدقيق معاملة، لكنّ ما يحدث فعليًا أن تعاونيات زراعية تطلب دفع ثلاثة دنانير إضافية مقابل خدمات، وبعضها تطلب مبالغ تفوق ذلك بكثير، كما وثقت معدة التقرير في جولات ميدانية. وهذا مخالف للقانون، وضرب من ضروب الاستغلال للاجئين الذين يفتقرون للوعي القانوني.
"طالعت تصريح العمل من الجمعية بخمسة وعشرين دينار أنا وجماعة تانيين"، يتحدث العامل السوري خالد عز الدين عمّا جرى له لدى استصداره ومجموعة من زملائه تصريحاً قبل ثلاث سنوات، ويعزو ذلك إلى عدم معرفتهم التكاليف المطلوب دفعها، فجرى استغلالهم، وفيما بعد، تحسن وعيهم القانوني بفضل مراكز حقوقية نظمت لهم جلسات توعية بحقوقهم العمالية، كما يقول خالد.
وتبين نتائج استبيان أجرته منظمة العمل الدولية عام 2018، وشمل عينة مكونة من 1125 عاملا/ة سوريين، أن (30%) من أفراد العينة دفعوا أكثر من عشرة دنانير للتعاونيات الزراعية، وقد دفع 78% منهم رسوم تدقيق المعاملة بأنفسهم.
ولم تكتف تلك الجمعيات بتحصيل مبالغ جراء منح تصاريح العمل، بل عمدت بعضها إلى الحصول على رسوم لقاء إصدار براءة الذمة للسوريين (قبل أن تُلغى)*، للانتقال من قطاع إلى آخر، أو من صاحب عمل إلى آخر في القطاع ذاته، وهذه مخالفة قانونية أخرى، ويقبل العامل بذلك نتيجة ضعف وعيه بالإجراءات والرسوم المترتبة، أو خوفه من عرقلة إصدار التصريح في حال تعنت الجمعية، على اعتبار أنها الحلقة الأقوى. كما تظهر تقارير مركز تمكين، التي توثق الانتهاكات بحق العمال السوريين بناء على الشكاوى الواردة للمركز.
وتصف مديرة مركز تمكين آلية إصدار التصاريح للسوريين بأنها "فوضى تشريعية"، فالإعفاء من رسوم التصاريح التي تتراوح ما بين (400-500 دينار) هو إعفاء مؤقت، وجرى تمديده عدة مرات، متسائلة إن كان سيتحمل أصحاب العمل فعلاً كلفة استخراج تصاريح للعمال السوريين بعد انتهاء الإعفاء.
وأمام كل هذه الفوضى السائدة في قطاع الزراعة، والانتهاكات الواقعة على العاملين فيه، تتحصن وزارة العمل خلف ذريعة عدم صدور نظام يحكم العمل ويضع أساسيات للتفتيش في الزراعة لغاية الآن.
وفي الوقت ذاته، يؤكد مدير التفتيش في "العمل" منور أبو الغنم أن الوزارة تتعامل مع أيّ شكوى تردها من أيّ عامل في قطاع الزراعة، أردنيا كان أو أجنبيا، بموجب أحكام قانون العمل، مشيراً إلى أن الوزارة تعكف على وضع نظام لهذا القطاع "غير المنظم" بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
وفعليًا، فإن تردي الوضع المعيشي للسوريين يدفعهم للقبول بالعمل مهما كانت ظروفه، لتوفير احتياجات عوائلهم المعدمة، لذلك نسبة ضئيلة جدا قد تلجأ لتقديم شكوى في حال وقوع نزاع عمالي أو التغول على حق من حقوقهم.
ومع أن الأردن ليس من بين الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، والتي تضمن للاجئين في دولة ما أفضل معاملة ممكنة تُمنح في نفس الظروف لمواطني بلد أجنبي فيما يتعلق بممارسة عمل مأجور، أو حر، أو ممارسة المهن الحرة كما جاء في فصلها الثالث، لكنّ الحكومة الأردنية تتحمل مسؤولية تأمين ظروف عمل لائقة للاجئين السوريين، وصون حقوقهم، كما التزمت بتسهيل إجراءات استخراج تصاريح لهم أمام مؤتمر دعم مستقبل سوريا والمنطقة عام 2016، ودمجهم في سوق العمل مقابل مساعدات ومنح مالية تعين الأردن في تحمل عبء اللجوء.
وفي حين وفر الأردن فرصا للسوريين في الحصول على تصاريح عمل في قطاعات محددة، لا يزال العديد منهم محرومين من الحق في العمل، كما جاء في تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان خلال الاستعراض الدوري الشامل في تشرين ثاني / نوفمبر 2018.
معايير الصحة والسلامة غائبة
يستذكر أحمد مشقّة العمل في مزارع الأغوار صيفاً تحت شمس حارقة، وحالة الإعياء التي تصيب عشرات العمال نتيجة ضربة الشمس أثناء عملهم وقت الظهيرة، وخاصة النساء، بسبب عدم أخذ الاحتياطات اللازمة، مؤكدا أنهم لم يتلقوا أي إرشادات عن السلامة العامة من أصحاب العمل في أي مزرعة.
أما خالدية، سيدة في الأربعينيات من عمرها، تتحدث مبتسمة رغم الإجهاد البادي على وجهها جرّاء عملها المضني في الزراعة، تقول إنهم لم يحصلوا على أي أدوات للحفاظ على سلامتهم وصحتهم أثناء العمل، وفي سبيل تخفيف آلام أيديهم على الأقل أثناء الحفر أو القطاف، كان العاملون والعاملات يضعون القفازات أحيانا، ويشترونها بأنفسهم، لكن اعتراض مشرف العمل عليها بذريعة تسببها في تضرر الفاكهة أو الخضار التي يجري قطفها، دفعهم إلى الاستغناء عنها.
وقد يكون الضرر الصحي على النساء العاملات في المزارع مضاعفاً، بسبب تعاملهن مع أحمال ثقيلة، وأجسام حادة وكيماوية حارقة، كما يتطلب منهن العمل في الغرس أو القطاف الانحناء لساعات طويلة ما يسبب آلامًا وأمراضًا لديهن.
وتكثر أيضًا حوادث السقوط بين عمال الزراعة، متسببة بكسور في أعضاء الجسم وفقًا لروايات العاملات والعاملين الذين قابلتهم معدة التقرير، وخاصة أثناء تقليم الأشجار المرتفعة أوتربيطها دون مراعاة تدابير السلامة، كما يوثق التقرير.
ورغم أشكال العمل الخطرة في القطاع الزراعي فلا تتوفر احتياطات السلامة العامة الكافية للعاملين، مع العلم أن من واجب صاحب العمل ضمان سلامة وصحة العمال في كل جانب يتصل بالعمل، بقدر ما يتفق ذلك مع القوانين واللوائح الوطنية، مع ضمان تزويد عمال الزراعة بالتدريب الكافي والملائم، وفقا لاتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن السلامة والصحة في الزراعة رقم (184) لعام 2001.
وتنص المادة (21) من الاتفاقية على وجوب تغطية عمال الزراعة بنظام تأمين أو ضمان اجتماعي ضد الإصابات والأمراض المهنية المميتة وغير المميتة، وضد العجز وسائر المخاطر الصحية المرتبطة بالعمل، وهو ما يفتقده جميع عمال الزراعة في الأردن.
وفي ظل الافتقار إلى معلومات دقيقة حول أعداد العاملين والعاملات في الزراعة، وأماكن عملهم، تزداد صعوبة الوصول إليهم، ما يحول دون كشف الانتهاكات الواقعة عليهم، فلا بدّ من توفير قاعدة بيانات حقيقية حول أعداد العاملين في القطاع الزراعي الأردني، كما أوصى مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في تقريره الصادر عام 2010 حول العاملين والعاملات في الزراعة.
*ألغت التعليمات الصادرة لاستخدام العمالة من الجنسية السورية الصادرة عن وزارة العمل في كانون أول/ديسمبر عام 2018 شرط الحصول على براءة ذمة.
*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR