بانوراما الحراك.. لعنة "الفوبيا" وتشويه الحقائق !!
كتب تامر خرمه
"استعراض للقوّة العسكريّة".. "إعلان حرب".. "احذروا الاخوان".. "الخطر على الأبواب.. لا وقت للإصلاح".. عناوين تلخّص جوهر ما تدافع كتّاب التدخل السريع لنشره عبر الصحف الرسميّة لتهويل مشهد فعاليّات الجمعة، واستثمار قيام الحركة الاسلاميّة باستعراض قوّتها التنظيميّة، من أجل الترويج لرسالة مفادها أن الواقع الذي يفرضه بقاء النظام على ما هو عليه دون إصلاح أو ترميم، هو جنّة بالمقارنة مع الجحيم القادم من "عساكر" الاخوان.
التغيير يعني هيمنة بعبع" الاخوان.." لعبة قديمة، مارستها السلطة في مختلف البلدان العربيّة، واكتست مفرداتها بغبار الزمن، إلا أنّها فيما يبدو باتت الأداة الوحيدة التي تحاول عبرها السلطة تبرير رفضها، بل وعجزها، عن تلبية استحقاقات الإصلاح الاقتصادي والسياسي.
وفيما يتعلق بالمشهد الاستعراضي لفعاليّات يوم الجمعة.. فإن الدرجة العالية من التنظيم التي أبدتها الحركة الاسلاميّة تعدّ بلا شكّ رسالة حملتها تلك الفعاليّات إلى المركز الأمني السياسي، ولكن هل حقّاً تحمل هذه الرسالة مضامين عسكريّة ودعوة إلى حمل السلاح ؟!
يتحمّل الاسلاميّون -بلا شك- مسؤوليّة تكريس "الفوبيا" عبر المبالغة في استعراض القوّة التنظيميّة في فعاليّات الجمعة الماضية، خاصّة وأنه من البديهي أن نجد في الطرف الآخر من يلجأ أيضا إلى المبالغة واتهام الحركة الاسلاميّة ب "عسكرة" الحراك.
ولكن تناسى البعض أن التنديد بالاعتداء على الفعاليّات الاحتجاجيّة السلميّة تحت شعار "كلّنا اربد"، شكّل محور المسيرات والاعتصامات التي شهدتها مختلف محافظات المملكة، تأكيدا على سلميّة التظاهرات في مواجهة مظاهر البلطجة.. ولكن نجد من يصرّ على قلب الحقائق، وإظهار المعارضة على أنّها هي من يجرّ البلاد إلى الفوضى، متناسيا ما شهدته مدينة اربد من قمع وتنكيل وسحل للناس في الشوارع.
أمّا الرسالة التي أرادت الحركة الاسلاميّة إيصالها للنظام عبر تلك الدرجة اللافتة من التنظيم، خاصّة في مسيرة وسط البلد، فلا تتجاوز حدود استعراض القوّة التنظيميّة والقدرة على التحشيد واستنهاض انصار الحركة، والتاكيد على استمرار الحراك وفشل الحلول الأمنيّة في مواجهة استحقاقات المرحلة.
كما ان فعاليّات الجمعة انطلقت من مراكز محددّة، وصولاً إلى مناطق محدّدة أيضا، وبشعار محدّد منذ أيّام، ولا ندري كيف يشكّل هذا أي تهديد أو خطر على أيّ كان، بل إنه لا يتجاوز حدود الرسائل التي أرادت الحركة إيصالها، بعيداً عن أيّة محاولة جديّة لدخول معركة كسر عظم مع السلطة.
ولا ننسى أن قوّات الأمن تمكنت ببساطة من التعامل في فعاليّات الجمعة، التي شارك فيها الآلاف، دون الاضطرار إلى استخدام أيّة درجة من العنف أو القوّة، سواء أكانت هذه القوّة "مناسبة" أو غير مناسبة، ما يعرّي قرار قمع المشاركين في مسيرة اربد قبل أسبوع، ويفضح حقيقة من يحاول عمليّاً جرّ البلاد إلى فوضى لا تحمد عقباها.
ومن جهة اخرى اعتبرت بعض القوى التقدّميّة أن فعاليّات الجمعة الماضية ليست سوى تصفية حسابات بين الاسلاميين والسلطة، فآثروا النأي بأنفسهم عن المشاركة بهذه الفعاليّات، متجاهلين جوهر فكرة الديمقراطيّة وحريّة الرأي والتعبير، وأن الاعتداء على مسيرة اربد هو اعتداء على الحراك الشعبي بصرف النظر عن أيديولوجيات وتكتيكات القوى المختلفة المكوّنة لهذا الحراك.
وجاء المشهد ليكرّس ثنائيّة الصراع بفضل "الفوبيا" التي تعزّزها التطوّرات الإقليميّة، سواء في سوريّة، او في مصر التي وصل فيها "الاخوان" الى السلطة.. لتهيمن على بعض القوى ذات الفكرة التي وردت في المقابلة الملكية لصحيفة "الاتلانتك"، والتي تتلخّص بوجود النيّة لتحقيق الإصلاح ولكن مواجهة الاخوان "الماسونيين" تفرض تأجيله لخمسين سنة !!
غريب كيف أن "فوبيا الاسلام السياسي" نالت من بعض رموز المعارضة الوطنيّة من يساريين وقوميين، وباتوا يروّجون لنظريّة المؤامرة، ولا نتحدّث هنا عمّا يتعلّق بالساحة السوريّة فحسب، بل إن البعض أسقط نظريّة المؤامرة على التغيّرات التي شهدتها مصر وتونس، وحتى الحراك الشعبي الأردني الهادف لتحقيق مطالب "الخبز والحريّة والعدالة الاجتماعيّة".
المطالبة بالديمقراطيّة وتداول السلطة شريطة عدم وصول الاسلاميين الى مراكز صناعة القرار، موقف تخندقت خلفه بعض القوى، التي بدأت بالانحياز إلى النظام -سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- بذريعة "عدم نضوج الظرف" الذي سيؤدي في حال حدوث أي تغيير إلى وصول الإسلاميين للسلطة ونشوب ما يسمّى ب "الفوضى الخلاّقة".. ما يعني بالنسبة لتلك القوى ان "على الربيع العربي الانتظار حتى نكون نحن المؤهلين لاستلام السلطة وحماية الأوطان من المؤامرة" !!
هذا الموقف العدميّ شكّل السبب الرئيس لغياب كثير من القوى اليساريّة والقوميّة عن الشارع وترك الساحة لثنائيّة الصراع بين السلطة والاسلاميين -ولا يقتصر الحديث هنا عن فعاليّة الجمعة الماضية- الأمر الذي جعل مشهد الحراك الأردني يبدو وكأنّه اقتتال على السلطة بين هذين الطرفين.. ولكن هل يتحمّل الاسلاميّون وحدهم مسؤوليّة تكريس مثل هذه الثنائيّة، التي لن تخدم في نهاية الأمر سوى مصالح القوى المناهضة لأيّ تغيير او إصلاح في بينة النظام القائم ؟!
وفي النهاية.. لا يوجد ما هو أقبح من اضطهاد الإنسان باسم الفكرة، فالدعوة إلى تأبيد الوضع القائم، ومصادرة الحريّات، وانتهاك حقوق الإنسان، بذريعة حماية "الفكرة" -أيّة فكرة- من وصول الإسلاميين او الشيوعيين او القوميين أو غيرهم من القوى الوطنيّة الى مراكز صنع القرار، لا يمكن وصفها سوى بالاسطوانة التي ينخرها الصدأ.. والإصرار على الارتداد عن الديمقراطيّة وتغييبها عن مفهوم "الدولة الوطنيّة" هو بمثابة إصدار حكم الإعدام على تلك "الفكرة" التي يعتنقها "حماة الديار".