قد نبكي ولكن لا نستسلم
لميس أندوني
جو 24 : بحثت في الصحف عن خبر يثير التفاؤل ويشرح النفس، يخرجنا من دائرة القلق والخوف، وعدم الاطمئنان لحاضرنا ومستقبلنا، فواجهتني تقارير تشير إلى أن عدد جيوب الفقر في الأردن قد ارتفع من عشرين إلى ثلاثين جيبا، وأن طفلا من كل ثلاثة أردنيين مصاب بالأنيميا، ولم أجرؤ على التعمق في تفاصيل التطورات في سورية وفلسطين والعراق، من حمامات دم، ومصادرة أوطان وصيحات الطائفية المدمرة.
فبدأت بالاستماع إلى أغنية زياد سحاب" ما بفهم بالسياسة" ،بدلاً من نسمة تدفق الحنان الفيروزي "سلم لي عليه"، التي أفتتح بها صباحي كل يوم، لكنني تمنيت أن أكف عن سماع الأخبار أو محاولة فهمها، خاصة أن "الوضع الإقليمي مانعنا نشم شوية هوا"، كما يردد سحاب في الأغنية الساخرة.
على ذكر الوضع الإقليمي، فالتجول في الصحافة العالمية يزيد القلب غماً، فالتسريبات، ولا نعرف مدى دقتها تشير إلى بوادر حرب إقليمية محتملة، تكون الأردن مسرح عبور وتجاذبات فيها، تخدم المحاولات الأمريكية في خلق حلف أمني- سياسي " سني"، ضد "المد "الشيعي"، لذا ابتدأت في اسطنبول محادثات مصالحة تركية – إسرائيلية، تتوج المحور الجديد في المنطقة.
كلامي ليس دعوة إلى الاكتئاب، وإن كانت نوبات الاكتئاب حالة طبيعية، وإلا لكنا فاقدي الشعور والإحساس بما يجري حولنا، وهو قطعاً ليس دعوة للاستسلام، فمقاومة الأمر الواقع المفروض علينا، تستوجب معرفة الحقائق و مواجهتها،حتى وإن كان في ذلك تعريض أرواحنا للألم.
يجب الاعتراف بأن التطورات المتلاحقة تُفقد الإنسان، ولو للحظات، ثقته بقدرته أو قدرة الشعوب على التأثير في أي شيء، حتى على تفاصيل الحياة الصغيرة، وهذا هو الشعور الفردي والجمعي الذي علينا مقاومته، لأن فقدان الثقة بالنفس هو إيذان بالاستسلام.
الأسوأ، أن نصل إلى حافة اليأس، بعد أكثر من عامين من انطلاق الثورات العربية، فلا أخطر من فقدان الحر إيمانه بحريته، وإيصاله إلى درجة يتمنى العودة فيها إلى قفص سجنه وقيوده، فلا يبقى لديه قدرة على المقاومة ولا حتى رغبة في الحلم.
أخشى أن هذا ما يحدث للكثير منا، لكن يجب أن نعي أن هذه تداعيات الثورة المضادة، فهل حقاً اعتقدنا أنه في عالم تسيطر عليه قوة تُسَخِر الكون وليس العالم وحده لمصالحها، وهيمنتها، ستظل ساكنة ناعمة في وجه إرادة الشعوب المتفجرة؟
وهل كان لدينا وهم أن القوى الإقليمية، العربية وغير العربية، ستبقى مكتوفة الأيدي ولن ترد، ولن تحاول إغلاق أبواب التقدم، وخنق أي متنفس للحرية؟ بل وأنها لن تستخدم ثرواتها المبعزقة بغير خجل أو حياء، لمنع " العدوى" من الوصول إلى ديارها أو على تخومها؟
هل حقاً صدقنا أن قوى الظلم والظلمات بيننا ستزحف منسحبة إلى المخابئ مهزومة وخائفة، ولن تهجم بشراسة لتحجب وهج الشمس وسحر القمر عن القلوب والعقول؟ لأن عالمها لا يحتمل النور ولا هبات النسيم.
بل بالعكس، فالثورات العربية، عرف معظم الثوار أو لم يعرفوا، هددت نظاما عالميا كاملا قائما على استشراء الظلم وغياب العدالة، واستباحة الكرامة ونشر ثقافة التعود على الحرمان والخضوع للطغيان.
قد نكون استخفينا بمعنى الكلمات وقوة الفكرة؛ شعار" عيش، حرية عدالة، اجتماعية" لا يمكن ترديده كمجرد شعار جميل أخاذ، يستنهض الأمل والآمال، من دون أن نعي أنه صرخة مزلزلة، يتحدى فلسفة النظام العالمي الإقليمي والمحلي، الذي لا يسود إلا بقبول الاستبداد، وحكم الأقوى؟
مفهوم العدالة الاجتماعية هو نقيض النظام العالمي الذي استفادت منه الأنظمة، فأمعنت في تبعيتها له، بينما أثرت بسببه فئات وشرائح اجتماعية حاكمة ومتنفذة، لن تسمح لهذا المفهوم أن يؤثر في "مكتسباتها"، فهرع المسؤولون بِحَث من الدول الغربية، إلى صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية العالمية، بحجة إنقاذ الاقتصاد، لكنه في الواقع تدخل لقتل الفكرة من أساسها.
مــن الطبيعي أن نصاب بنوبات من إحبــــاط واكتئاب، ولكن الثورة لها ثمنها، ولكن محظور على شعوبنا الثورات، لأن في العدالة الاجتماعية والحريةِ تحررٌ واستقلال، ولذا فالظالم يحشد الجيوش والأسلحة الفتاكة في مواجهة ثقتنا بأنفسنا وإيماننا بالفكرة، نعم قد يصل وجعنا حد البكاء ولكن لا نستسلم.العرب اليوم
فبدأت بالاستماع إلى أغنية زياد سحاب" ما بفهم بالسياسة" ،بدلاً من نسمة تدفق الحنان الفيروزي "سلم لي عليه"، التي أفتتح بها صباحي كل يوم، لكنني تمنيت أن أكف عن سماع الأخبار أو محاولة فهمها، خاصة أن "الوضع الإقليمي مانعنا نشم شوية هوا"، كما يردد سحاب في الأغنية الساخرة.
على ذكر الوضع الإقليمي، فالتجول في الصحافة العالمية يزيد القلب غماً، فالتسريبات، ولا نعرف مدى دقتها تشير إلى بوادر حرب إقليمية محتملة، تكون الأردن مسرح عبور وتجاذبات فيها، تخدم المحاولات الأمريكية في خلق حلف أمني- سياسي " سني"، ضد "المد "الشيعي"، لذا ابتدأت في اسطنبول محادثات مصالحة تركية – إسرائيلية، تتوج المحور الجديد في المنطقة.
كلامي ليس دعوة إلى الاكتئاب، وإن كانت نوبات الاكتئاب حالة طبيعية، وإلا لكنا فاقدي الشعور والإحساس بما يجري حولنا، وهو قطعاً ليس دعوة للاستسلام، فمقاومة الأمر الواقع المفروض علينا، تستوجب معرفة الحقائق و مواجهتها،حتى وإن كان في ذلك تعريض أرواحنا للألم.
يجب الاعتراف بأن التطورات المتلاحقة تُفقد الإنسان، ولو للحظات، ثقته بقدرته أو قدرة الشعوب على التأثير في أي شيء، حتى على تفاصيل الحياة الصغيرة، وهذا هو الشعور الفردي والجمعي الذي علينا مقاومته، لأن فقدان الثقة بالنفس هو إيذان بالاستسلام.
الأسوأ، أن نصل إلى حافة اليأس، بعد أكثر من عامين من انطلاق الثورات العربية، فلا أخطر من فقدان الحر إيمانه بحريته، وإيصاله إلى درجة يتمنى العودة فيها إلى قفص سجنه وقيوده، فلا يبقى لديه قدرة على المقاومة ولا حتى رغبة في الحلم.
أخشى أن هذا ما يحدث للكثير منا، لكن يجب أن نعي أن هذه تداعيات الثورة المضادة، فهل حقاً اعتقدنا أنه في عالم تسيطر عليه قوة تُسَخِر الكون وليس العالم وحده لمصالحها، وهيمنتها، ستظل ساكنة ناعمة في وجه إرادة الشعوب المتفجرة؟
وهل كان لدينا وهم أن القوى الإقليمية، العربية وغير العربية، ستبقى مكتوفة الأيدي ولن ترد، ولن تحاول إغلاق أبواب التقدم، وخنق أي متنفس للحرية؟ بل وأنها لن تستخدم ثرواتها المبعزقة بغير خجل أو حياء، لمنع " العدوى" من الوصول إلى ديارها أو على تخومها؟
هل حقاً صدقنا أن قوى الظلم والظلمات بيننا ستزحف منسحبة إلى المخابئ مهزومة وخائفة، ولن تهجم بشراسة لتحجب وهج الشمس وسحر القمر عن القلوب والعقول؟ لأن عالمها لا يحتمل النور ولا هبات النسيم.
بل بالعكس، فالثورات العربية، عرف معظم الثوار أو لم يعرفوا، هددت نظاما عالميا كاملا قائما على استشراء الظلم وغياب العدالة، واستباحة الكرامة ونشر ثقافة التعود على الحرمان والخضوع للطغيان.
قد نكون استخفينا بمعنى الكلمات وقوة الفكرة؛ شعار" عيش، حرية عدالة، اجتماعية" لا يمكن ترديده كمجرد شعار جميل أخاذ، يستنهض الأمل والآمال، من دون أن نعي أنه صرخة مزلزلة، يتحدى فلسفة النظام العالمي الإقليمي والمحلي، الذي لا يسود إلا بقبول الاستبداد، وحكم الأقوى؟
مفهوم العدالة الاجتماعية هو نقيض النظام العالمي الذي استفادت منه الأنظمة، فأمعنت في تبعيتها له، بينما أثرت بسببه فئات وشرائح اجتماعية حاكمة ومتنفذة، لن تسمح لهذا المفهوم أن يؤثر في "مكتسباتها"، فهرع المسؤولون بِحَث من الدول الغربية، إلى صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية العالمية، بحجة إنقاذ الاقتصاد، لكنه في الواقع تدخل لقتل الفكرة من أساسها.
مــن الطبيعي أن نصاب بنوبات من إحبــــاط واكتئاب، ولكن الثورة لها ثمنها، ولكن محظور على شعوبنا الثورات، لأن في العدالة الاجتماعية والحريةِ تحررٌ واستقلال، ولذا فالظالم يحشد الجيوش والأسلحة الفتاكة في مواجهة ثقتنا بأنفسنا وإيماننا بالفكرة، نعم قد يصل وجعنا حد البكاء ولكن لا نستسلم.العرب اليوم